شهود الزور وخداع محامي صدام ملاذ الطاغية الاخير

المحامي طالب الوحيلي

ما يلفت اهتمام المواطن العراقي اليوم ومن خلال متابعاته المستمرة لوقائع الجلسات الخاصة بمحاكمة الطاغية صدام، ما ظهر عليه محامو الدفاع الذين توكلوا عن هذا المجرم وشركائه الذين جمعهم قفص الاتهام الذي لايمكن ان يذكرنا بأقفاص محكمة الثورة ومحاكم الأمن والاستخبارات والمخابرات والمحاكم الخاصة التي إذا ما دخلها أحد لا يؤمل النفس بمصير حسن سوى الحكم الجائر الذي قد لا يكون أدنى من الإعدام،وذلك عبر سلسلة من الإهانات والإساءة الفاحشة التي لا يتورع عن أدائها حتى الفراشين والسعاة على حد تعبير احد الإعلاميين العراقيين ممن نجى بقدرة الله من حكم الإعدام.

 فقد عكس هؤلاء المحامون الوجه القبيح لمهنة مقدسة هدفها الأساس هو إعانة القضاء على تحقيق العدالة، لذا أطلقت عليهم صفة القضاء الواقف، كون فلسفة هذه المهنة هي تجنب الوقوع في مطبات الخصومة الشخصية مع الخصوم القانونيون فضلا عن عدم اتخاذهم المحكمة والقاضي خصما لهم لاعتبارات عدة أهمها ان القاضي ما هو الا شخصا محايدا اقر الخصوم بعدالته ابتداء لكي يعرضوا أمامه خصوماتهم، وما عليه سوى تقييم الأدلة والدفوع ومطابقتها مع النصوص القانونية والأحكام القضائية ومن ثم البت بأحقية الحكم للمدعي به أورده عليه مع التسبيب القانوني.

 وكل ذلك يقع بعيدا عن الصفة والعلم الشخصي وتحت رقابة المحاكم الأعلى استئنافا او تمييزا،وينصرف الحال الى محاكم الجنايات حيث تتسع رقعة التقاضي الى هيئة يرئسها أقدمهم، وتنشطر الخصومة الى مجني عليه ومشتك ومدعي بالحق الشخصي وهيئة ادعاء عام يمثلها أحد أعضائها ويكون دوره الدفاع عن الحق العام، فهو الوكيل العام عن الهيئة الاجتماعية المتمثلة بالشعب ونظامه السياسي المقر من قبله، فيما يقف محامي الدفاع متصديا للاتهامات الموجهة ضد موكله عبر تقديمه لأدلة وبراهين تدحض أدلة الإثبات التي جمعت ضد المتهم في طور التحقيق واثناء المحاكمة، مساهما بتحقيق المبدأ الذي لايمكن تخطيه وهو المتهم بريء حتى تثبت ادانته،  كما وله حق مناقشته هذا المبدأ بتوجيه الأسئلة المثمرة من خلال المحكمة إلى الشهود او إلى خصوم موكله، دون الانسياق إلى مستوى الوقوع في عداء شخصي صرف،ودون الوقوع في جرائم مشهودة مثل جريمة تضليل العدالة او تزوير الادلة او تلقين الشهود.

 وكل ذلك عبر مستوى رفيع من الأخلاق والثقافة القانونية، وفيما ينصرف ذهن القارئ الكريم إلى ما تعرضه الأعمال الدرامية العربية والأجنبية من تقاليد قد تكون قانونية نوعا ما في تلك البلدان، ولكنها لاتشبه إطلاقا التقاليد التي رسمها القانون العراقي في التقاضي أمام محاكم الجزاء بصورة عامة، حيث تسود قاعة المحكمة أجواء من الهيبة والاحترام والنظام الذي لايمكن الإخلال به، وإلا تعرض من أحدث اي تقصير إلى العقوبة التأديبية المناسبة،لكن الذي ظهر ان جوق المحامين متعددي الجنسيات تعمدوا عرض تقاليد وانظمة بلدانهم لانهم على جهل مطبق بواقع القضاء والمجتمع العراقي، وهذا مايشكل ضررا فاحشا بموكليهم من حيث يعلمون او لايعلمون .

 اكثر من ثلاثين جلسة  لمحكمة الجنائية العليا المختصة بالفصل بالجرائم التي ارتكبها  صدام وزملائه من المجرمين،  تكفي كل واحدة منها لحسم عدد من القضايا الجنائية التي يحكم بها بعقوبة الاعدام، في الاحوال الاعتيادية، ناهيك عن ما كانت تستغرقه محكمة الثورة سيئة الصيت في اعدام او ادانة العشرات جملة واحدة كما ورد ذلك في قرار الحكم موضوع مجزرة الدجيل، وكيف تمكن قرقوش البندر من حسم قضية تضم 148بريئا بينهم اطفال لم يبلغوا سن الثامنة عشرة خلال ساعات ان لم تكن دقائق أي بالقدر الذي تستغرقه كتابة مايسمى بقرار الادانة او الحكم الذي لم يتعدى حدود الصفحتين، في الوقت الذي يستغرقه الفصل في دعوى تفريق قضائي امام محكمة الاحوال الشخصية عدة جلسات وقد تستمر الى اشهر عديدة .والملفت حقا في قرار الاعدام المذكور انه لم يتطرق الى وجود محامي دفاع (للمجنى عليهم) المائة وثمانية واربعين، في الوقت الذي  حضر مع الطاغية صدام طاقم من المحامين منهما محاميين راحا ضحايا لجرائم إرهابية ارتكبها أعوان صدام، وذلك بقص إثارة الرأي العام العالمي والإيحاء بعدم توفير الأمان لمحامي دفاع المتهمين ,مما املوا فيه بنقل المحكمة الى خارج العراق، وتلك غاية آمال الطاغية صدام للخلاص من حكم القضاء العراقي العادل، الذي لابد ان يوقع به عقوبة الإعدام حتما،وهو ما يؤكد خسة هذا الطاغية وتفريطه حتى بمن جازف بالدفاع عنه وعن أعوانه، لترافقه عقلية المؤامرة حتى في اسوء مراحل حياته وارذلها!!

ونحن نعرف مستوى الانحطاط الذي ابداه المحامون العرب الذين راحوا ينصبون مجالس العزاء على روح رب نعمتهم قبل هلاكه المحتوم عبر وسائل الاعلام الباحثة عن الاثارة والسبق الاعلامي ولو على حساب دماء ابناء وادي الرافدين ومصائبهم، ولطالما أساءوا للشعب العراقي ولحكومته المنتخبة وللقضاء العراقي،  وطالما صال اتحاد المحامين العرب وبعض من اغتصب مجلس نقابة المحامين العراقية، فسهل مهمة توكل المحامين العرب والاجانب دون مراعاة لقواعد القانون العراقي الذي اشترط في ترافع المحامي العربي موافقة نقابة المحامين العراقية التي حدد قانونها شرط وجود اتفاقية دولية تقضي التعامل بالمثل مع دولة ذلك المحامي، ولا توجد في الواقع أي اتفاقية مع تلك الدول ,ومع ذلك قبلت محكمة الجنايات ترافع المحامي القطري والمحامي الأردني والمحامي الأمريكي والمصري (حسن سبانخ) واللبنانية محضية السيد الرئيس،  ولا ندري كيف دخلوا الى العراق ومن سمح لهم بذلك؟!

وفي الوقت الذي لم يلحظ المواطن العراقي فيه من نقابة المحامين العراقية، أي تدخل إيجابي إلى جانب سيادة القانون والقضاء العراقي، في تقييم محاكمة الطاغية، بل على العكس فقد عكست مواقف بعض المحامين من اعضاء المجلس المنحل الكثير من التساؤلات المريبة حول مدى شرعية مجلس هذه النقابة الذي شملته أحكام القرار رقم 3 لسنة 2004 الصادر من مجلس الحكم السابق الذي قضى بحل جميع النقابات التي جرت انتخاباتها بعد سقوط نظام صدام.

وعودة للجلسات الاخيرة التي كرست لسماع الشهود والاطلاع على الادلة المصطنعة بغباء من قبل محامي دفاع المتهمين، حيث اختاروهم من بين عناصر الامن والمخابرات والشواذ وارباب السوابق ومن المتهمين بقضايا محالة على المحكمة ذاتها، مما ينفي عنهم صفة الحياد والنزاهة وقد اكدوا انحيازهم الصارخ للمتهمين بالقول والفعل، في الوقت الذي تغابى امامه وكلاء المتهمين الذين لم يتحرروا من عبوديتهم لاسيادهم بالرغم من كونهم مسلوبي الارادة قانونا وحكما، وانهم ينبغي ان يفوضوا امرهم لوكلائهم الذين يفترض بهم ان يقودوا الدفاع ويفرضوا سلطانهم القانوني على اولئك المتهمين، لا ان ينساقوا الى الرهبة ممن كان رئيسهم فقد كانوا يسترقون منه السمع وينتظرون منه الرضى على ما يفعلون.

يقول القاضي المرحوم علي السماك في موسوعته الجنائية، من الثابت ان اخلاق الناس تتفاوت ولاتسير على نمط واحد وانها تختلف من حيث رقيها وانحطاطها من شخص الى اخر وتبعا لذلك فان اقوال شاهد مشكوك في اخلاقه ينبغي ان توزن بمقدار ما يتحلى به من التربية والاخلاق وبما له من مركز مرموق وغيرها من الصفات الحميدة من عدمها، وقديما اشترط تزكية الشهود قبل السماح لهم بالادلاء بشهاداتهم، اما الان فليست التزكية بشرط وانما اذا كان الشاهد سيء السمعة فان اقواله تؤخذ بعين الريبة والشك، كما ان امثال هذا الشاهد يهون عليه الكذب ولو اقسم باغلظ الايمان، اما حبا بالكذب او نتيجة عادة تاصلت في نفسه، فعدم الاخذ بهذه الشهادة والاطمئنان الى صحتها امر تقتضيه العدالة والضرورة خاصة وان الجهات القضائية حرة في تكوين قناعاتها من هذه الشهادة او تلك حسب مايمليه عليها ضميرها ووجدانها (انظر المادة 215 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي ).

ترى اين نضع شهود دفاع صدام وشركائه من هذا القول العريق وقد انطبقت كل الصفات التي توجب الطعن بشهاداتهم مع القول السالف الذكر؟وكان الاولى بالمحكمة ان تصرف النظر عن سماع بقية الشهود لانها من طبيعة واحدة مبنية على السماع والتلقين والنفي وكلها اسباب تجعل من تلك الشهادات سببا للطالة امد المحاكمة وعرقلة تطبيق العدالة..  

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء  6/حزيران /2006 -8/جمادي الاول/1427