الحاجة لتكوين علم اجتماع الشباب

الاستاذ زكي الميلاد*

تتحدث التقارير الدولية وباهتمام عن زيادة عدد الشباب في العالم ممن تتراوح أعمارهم بين 14 و 25 عاماً, حيث يشكلون بحسب إحصاءات اليونسكو مليار ومئتي مليون, أي ما يعادل 18 في المئة من سكان العالم الذين يصلون إلى 6 بلايين نسمة, بينهم حوالي 84 في المئة من بلدان العالم الثالث, وهذه النسبة سترتفع عام 2025م إلى 89 في المئة. وهذا التعداد يمثل أكبر جيل من الشبان في تاريخ البشرية.

وبينما تتناقص أعداد الشباب في البلدان ذات الدخل المرتفع أي ما يعرف بالدول المتقدمة, تتزايد أعداد هؤلاء بصورة كبيرة في الدول النامية حيث يمثل الشباب و الأطفال ما يزيد عن 50 في المئة من عدد السكان, وهذه النسبة تشمل معظم الدول العربية, والكثير من الدول الإسلامية.

وتعتبر هذه الظاهرة من مداخل تشكيل الرؤية إلى العالم, وتكوين المعرفة بالمجتمع الإنساني, كما أنها تكشف عن طبيعة التحول الديموغرافي في التركيبة السكانية للعالم, وملامح هذه التركيبة وعناصرها وتوازناتها المتغيرة والجديدة, و التي يتحدد على أساسها اتجاهات التنمية الإنسانية, وبرامج التخطيط, ونظم الإدارة, واستشرافات المستقبل. لذلك أقرت اليونسكو عام 1996م أن الشباب يمثلون أولوية مطلقة في برامجها الثقافية, وفي عام 1998م شكلت اليونسكو لجنة استشارية لرعاية الشباب. وقد بدأت هذه الظاهرة تلفت أنظار العالم, وتحرض على الاهتمام بها, و التأمل فيها, و النظر في متطلباتها واحتياجاتها الأساسية. و خضعت إلى العديد من الدراسات والأبحاث الوصفية والمسحية والتحليلية والإستشرافية التي استعانت بعلماء وخبراء في مختلف ميادين العلوم الإنسانية و الاجتماعية. و مازالت هذه الظاهرة تستوقف الانتباه بصورة كبيرة لشدّة حساسيتها, و تشابك تفاعلاتها الاجتماعية والاقتصادية و السياسية, وصعوبة السيطرة عليها, وضبطها و إدارتها بطريقة هادئة ورشيدة.

ويمكن أن تتعدد وتختلف اتجاهات الرأي ومنهجيات وطرائق التعامل مع هذه الظاهرة, لكنها بالتأكيد بحاجة إلى درجة عالية من الاهتمام و الاختصاص و الدراسة العلمية المنظمة و المستدامة, الأمر الذي يتطلب ضرورة أن يتخصص لهذه الظاهرة حقل معرفي له خبرته ومنهجيته وطرائقه في البحث و التحليل و التوصيف. ويكون هذا الحقل من أقسام علم الاجتماع, باعتبار أن ظاهرة الشباب من الظواهر الاجتماعية التي تنتمي إلى مجالات اهتمام علم الاجتماع. وهذه الحقل المعرفي الجديد نصطلح عليه بعلم اجتماع الشباب, فهناك موجبات ومقتضيات حقيقية وأساسية تفرض وتؤكد الحاجة لتأسيس هذا الحقل المعرفي. وتتحدد هذه الموجبات والمقتضيات في اتجاهين, الأول ويرتبط بطبيعة الظاهرة ومكوناتها, الثاني ويرتبط بطبيعة العلم وتطوره وطرائقه. وفيما يتعلق بطبيعة الظاهرة من حيث المكونات والخصائص, فهي من جهة لها مكونات كمية يضيف لهذه الظاهرة ثقلا ووزناً واعتباراً يستدعي المتابعة والملاحقة و الرصد و المسح و التوصيف الكمي. ومن جهة أخرى لها مكونات نوعية فالشباب هم الرأسمال الحقيقي و الاحتياط الإستراتيجي في كل بلد كما وصفهم تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي للأمم المتحدة الصادر سنة 2000م, وبالإمكان أن يكونوا قوة إيجابية منتجة وفاعلة ومؤثرة, قوة دينامية حية في كل مجتمع, طليعة التغيير فيه, وشركاء أساسيين في بنائه و تقدمه ونهوضه, إذا ما تم التقرب إليهم وسماع أصواتهم, وتوفير المناخات الحرة للتحاور معهم, كما تحدث عنهم تقرير اليونسكو سنة1996م. فهذه الشريحة من الناس قد تتحول إلى مصدر قوة وتقدم وبناء, وقد تتحول إلى مصدر ضعف وتراجع وهدم, بحسب ما تتعرض له من مؤثرات نفسية وفكرية, ونوعية المناخات والأجواء التي تتفاعل معها. كما أن هذه الشريحة كفئة عمرية تعتبر في الدراسات النفسية والاجتماعية و التربوية والفسيولوجية أهم و أخطر مرحلة عمرية, وهي التي وصفها القرآن الكريم بمرحلة القوة بين ضعفين, ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة, قال تعالى (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) ـ الروم:54 ـ والشباب في هذه المرحلة يتعرضون إلى تغيرات نفسية وذهنية و فسيولوجية قد تدفع بعضهم نحو الفاعلية والطموح و النجاح, وقد تدفع البعض الآخر نحو الجمود و الإحساس بالعجز والفشل, لذلك فهي مرحلة بحاجة إلى عناية وتوجيه وترشيد.

وأما ما يرتبط بطبيعة العلم وتطوره و طرائقه, فإن علم الاجتماع كغيره من العلوم الإنسانية والاجتماعية كان يستجيب لبعض الضرورات والموجبات المعرفية و المنهجية التي كانت تقتضي تكوين فروع علمية متخصصة لدراسة بعض الظواهر الاجتماعية الكبرى و أنماط التجمعات الإنسانية التي تشترك وتتحد في معايير السلوك الاجتماعي. لذلك فقد تفرغ علم الاجتماع إلى فروع متعددة, منها علم الاجتماع السياسي, وعلم الاجتماع الصناعي, وعلم الاجتماع العسكري, وعلم اجتماع القرية والمدينة إلى جانب فروع أخرى. ومن مقتضيات هذا التشعب والانقسام في علم الاجتماع, هو أن المجتمع الإنساني في حالة من الاتساع و التزايد الكمي والعددي, ودخلت عليه تعقيدات شديدة, ويتعرض باستمرار إلى تغيرات متلاحقة تؤثر على أنماطه السلوكية, واتجاهاته العامة, وعلى نظمه ومؤسسات وتشكيلاته الاجتماعية. الوضع الذي يقتضي أن يكون هذا العلم في مستوى مواكبة ذلك التزايد و الاتساع الكمي و العددي, وتلك التعقيدات الشديدة والتغيرات المتلاحقة, إلى جانب ما يشهده هذا العلم وغيره من العلوم الأخرى من تراكمات معرفية كبيرة وسريعة, ومن تطورات بنيوية ومنهجية مع ما عرف بثورة المنهجيات في العلوم الاجتماعية. الأمر الذي يستدعي وباستمرار إعادة تنظيم مكونات وعناصر هذا العلم, وتجديد هندسته البنيوية والمنهجية لكي يحتفظ بقدرته على التجدد واستيعاب هذه التراكمات والتطورات المعرفية والمنهجية. بالإضافة إلى أن حركة العلوم بصورة عامة كانت تتجه نحو التخصص الدقيق, وتركيز الخبرة والمعرفة في مجالات محددة ومركزة.

  هذه العوامل وغيرها ساعدت علم الاجتماع لأن يتحول إلى فروع متعددة, ويتشعب إلى أقسام مختلفة. وهي الضرورات و المقتضيات التي تستدعي الحاجة الفعلية لتكوين حقل يتخصص في علم اجتماع الشباب, وهي الشريحة التي تشترك في معايير متحدة من حيث السلوك الإنساني, مهما تنوعت واختلفت انتماءات هذه الشريحة عرقياً وقومياً, لسانياً ولغوياً, دينياً ومذهبياً, كما أنها الشريحة التي بحاجة إلى دراسات منظمة حولها خصوصاً في هذا العصر الذي يتعرض فيه جيل الشباب إلى مؤثرات واسعة وكبيرة ومنظمة عن طريق وسائل الإعلام وشبكات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات التي تطورت بصورة مذهلة للغاية, وباتت شديدة التأثير, والشباب هم الأكثر عرضة لهذه المؤثرات.

وتتضاعف الحاجة إلى هذا الحقل المعرفي الجديد في النطاق العربي باعتبار أن المجتمعات العربية بدأت تتشكل من جديد, وسوف تدخل دورة اجتماعية جديدة مع هذا العدد الكبير من الشباب الذي ينبغي أن يتحول إلى مصدر قوة وتجدد وبناء.

*باحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة، رئيس تحرير مجلة الكلمة.

http://www.almilad.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 30/ايار/2006 -1/جمادي الاول/1427