أطفال الديوانية بين سندان الظروف الاستثنائية ومطرقة استغلال الكبار

أصابع خشنة .. وجوه صفراء لا تحمل ملامح عمرها .. طرق غريبة في الكلام .. وصفات أخرى كثيرة ترسم ملامح شريحة واسعة من أطفال محافظة الديوانية الذين اتخذوا من الشارع مكانا لكسب قوت يومهم بدلا من أن يحملوا حقائبهم إلى المدرسة.

أطفال لم تتجاوز أعمارهم 12 أو 13 عاما تحملوا مسؤولية إعالة عوائل كبيرة، ودخلت الأمراض مبكرا إلى اجسادهم الغضة، وهم ما زالوا يحلمون بمشاركة ابناء الحي في اللعب والمشاكسة. هؤلاء هم أطفال الشوارع، الذين يتسربون من المدارس، وينتمون لأسر وظروف اجتماعية صعبة: كالفقر والتفكك، ويمارسون أشكالا عديدة من السلوكيات غير الصحية كالتدخين، أو تعاطي المواد المخدرة، وفي معظم الأحيان يقومون بدور اقتصادي في الأسرة.

طفلة شاحبة اللون في العاشرة من العمر امسكت بطرف ملابسي بقوة وهي تتوسل لي أن اعطيها 250 دينارا فقط وحين سألتها عن أهلها ولماذا هى في الشارع؟ قالت بصوت مرتفع وبعصبية شديدة "أنت تحققين معي من اجل 250 دينار اذهبي إلى الجحيم."

ويتميز هؤلاء الأطفال من الناحية الانفعالية بالعصبية والغضب، فهم لم يتعلموا التعبير الصحيح عن المشاعر، كما أنهم يتكلمون بصوت مرتفع ويصرخون، ونتيجة لعدم وجود النموذج الجيد فإن هؤلاء الأطفال لا يثقون بأحد ولا يحترمون الكبار بسهولة، ويعبرون عن فشلهم أو نجاحهم بالضرب أو الشتائم وأحيانا بإيذاء الذات، وقد يلجأون إلى تناول المواد المخدرة، وشرب الكحول للهروب من مشاكلهم. ولدى العديد منهم شعور بالدونية والضعف، أو النقمة على الظروف الحياتية والأسرية، وبالتالي لديهم نظرة تشاؤمية نحو الحياة والناس.

وهذا طفل اخر غادر عالم طفولته مبكرا كما يبدو لانه يدير( بسطية) كبيرة للخضار وهو لم يتجاوز الثانية عشر من العمر، وبعد أن اشتريت منه كيلوات مختلفة من الخضار كبادرة حسن نية سألته عن بدايات عمله هذا، فقال وهو منشغل بتعبئة أكياس خضار لاحد الزبائن "عملت وانا في الخامسة من العمر وكنت اذهب مع والدي للتسوق من العلاوي الكبيرة في كربلاء والنجف وبعد وفاته توليت انا العمل وحدي."

سألته بحذر الست نادما على تركك للدراسة؟ فقال بعصبية "وما فائدة الشهادة .. أنا أمارس عملي الحر الان واعيل عائلتي."

طفل اخر لم يتجاوز العاشرة كان يضع السيجارة في طرف فمه باحتراف ويحمل علب مناديل ورقية في احدى زوايا شارع مكتظ بالسيارات لينقض على اصحابها في اول توقف لها ليعرض عليهم العلب باسلوب هو أقرب للاستجداء منه إلى البيع. وطفل غيره امتهن عمل تنظيف الدجاج المذبوح وسط أكوام من القاذورات ونفايات الدجاج المذبوح، رب عمله الحاج ابو محسن كان يصرخ به طالبا الاسراع بطلبات الزبائن، سألته عن اجر الطفل اليومي فقال حسب العمل احيانا يصل اجره إلى أربعة الاف دينار واحيانا اخرى يتقاضى 500 دينار فقط.

وأضاف "إن (الطفل) قريبي وأنا اعلم ظروفه جيدا، لقد توفي والده خلال أحد التفجيرات بمدينة بغداد وتزوجت والدته باخر وهو مضطر للعمل ليعيل اخويه الصغيرين اللذين يقيمان في بيوت أحد اقربائهم."

السيدة ليبيا محمد مسؤولة شؤون الطفل في مركز المرأة والطفل بالديوانية، بينت لوكالة (أصوات العراق) أن المركز قام بدراسات متعددة لواقع الطفل في الديوانية وخاصة الاطفال الذين يعانون من التشتت الاسري مما يضطرهم إلى الانخراط المبكر في العمل اليدوي لعدم امتلاكهم المهارات التي تعينهم على اداء اعمال اخرى.

وقالت إن "المركز نبه في أكثر من مناسبة إلى الاستغلال الذي يمارسه ارباب العمل بحق هؤلاء الاطفال وغبنهم لحقوقهم وتشغيلهم باجور متدنية جدا." وأضافت أنه تم اصدر العديد من البيانات التي تطالب الحكومة بتوفير حياة كريمة للاطفال ضحايا النزاعات العائلية او الذين يفقدون أحد او كلا والديهم وتوفير الظروف الملائمة لهم لاكمال دراستهم واشعارهم بالامان. وأكدت أن على الدولة أن تعلم أن الاطفال هم اساس بناء أي مجتمع وأن اهمالها لهم يعني بناء جيل غير قادر على المشاركة في تطوير المجتمع ويقف حجر عثرة أمام تطوره لانه سيكون جيلا أميا مصابا بامراض نفسية وبدنية.

مصادر أمنية في المحافظة فضلت عدم ذكر اسمها أكدت ورود عدد كبير من الشكاوى ضد أطفال قصر وتدور أغلب هذه الشكاوى حول السرقة والتسول، ونتيجة لعدم استقرار الوضع بصورة عامة فانهم يحاولون انهاء هذه الشكوى باقصر الطرق التي تضمن عدم الاضرار بالاطفال. ويوجد بالمحافظة دار الدولة لرعاية الايتام ويلعب دورا لابأس به حيث يوفر الملاذ الآمن لأكثر من 35 طفلا من الايتام ولكن هذا العدد يبقى صغيرا جدا بالمقارنة مع واقع الشارع العراقي الذي يسقط فيه يوميا عشرات الضحايا نتيجة اعمال العنف المستمرة مما يخلف عوائل لا حصر لها بدون معيل. ولا تتوفر احصائيات حول أطفال الشوارع في المحافظة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/ايار/2006 -10/ربيع الثاني/1427