الشاعر العراقي كمال سبتي.. تنبأ بوفاته في الغربة

 شهدت مدينة الناصرية الجنوبية يوم الأربعاء مراسيم تشييع جنازة الشاعر العراقي كمال سبتي ابن المدينة الذي وافته المنية في منفاه في هولندا مؤخرا ونقل جثمانه جوا الى مطار البصرة. وينقل جثمان سبتي إلى مدينة النجف في وقت لاحق حيث يوارى الثرى. وباغت الموت شاعر جيل السبعينات قبل أيام في شقته بجنوب هولندا والتي كان يقيم فيها وحيدا. وتكفل الرئيس جلال الطالباني بمصاريف نقل جثمان سبتي لدفنه في ارض الوطن بعد مناشدة من مجموعة من الكتاب والأدباء لعدم قدرة ذويه على دفع مصاريف نقل الجثمان الى العراق البلد الذي ظل الشاعر يتغنى به حتى وفاته غريبا عنه.

"قد لا يكون ثمة منفذ للشاعر العراقي..

كل منفذ بالنسبة إليه مغلق بإحكام..

ثمة حصار معروف ومحاصِرونَ معروفون..

لكنه راضٍ بقسمته هذه في عالم الضَّواري والمحتالين..

فقير وقد يسعى حثيثاً إلى أن يموت فقيراً..

وحيدا في عزلته..

..هكذا تنبأ كمال سبتي ، حفيد المتنبي بأن يموت فقيرا معزولا ..ووحيدا في شقته البعيدة في المنفى بجنوب هولندا..

ويبدو انه لم يدر بخلد الشاعر الذي كان احد أبرز شعراء جيل السبعينات من القرن المنصرم ان أبياته هذه ستكون رثائا مسبقا ونهاية حقيقة لقريحة الشاعر التي لم تفت في عضدها سوى الغربة والحنين الى الوطن (العراق) الذي تكوى جنبه الصراعات رغم غياب الدكتاتورية القاتلة للمواهب والابداع.

رحل عن عالمنا كمال سبتي الذي شيعت جنازته في مدينته الناصرية اليوم قبل ان يوارى الثرى في النجف الاشرف في وقت لاحق..ويوصف سبتي بأنه شاعر التفرد والتوتر والتمرد على السلطة والتعصب.. الشاعر الذي حفر طريقه بمجهوده الذاتي بعيدا عن التحزب وبروح عراقية تعزف أنغام الجنوب القادمة من الناصرية ..ناصرية الهور والحضارة الممتدة بجذورها الى فجر التاريخ حيث معابد أور وزقوراتها.

يقول الشاعر.. "فحملتُ البلادَ بحروبها وموتاها، من مكانٍ إلى آخرَ، ظاناً إنني أحاولُ فهماً لها، ولم أكنْ في حقيقةِ الأمرِ، غيرَ هاربٍ يتعذبُ بها"..

أوجزت هذه الأبيات سيرة حياة الشاعر التي ابتدأت بولادته ودراسته الاولية في مدينة الناصرية عام 1954، قبل أن ينتقل للدراسة في بغداد وبالتحديد في معهد الفنون الجميلة قسم السينما فرع الإخراج .كما درس في أكاديمية الفنون الجميلة حتى فُصل منها في عهد صدام حسين وسيق الى الخدمة العسكرية.

وبعد ذلك تمكن كمال سبتي من الهرب من العراق عام 1989 حيث تنقل بين عدة بلدان حتى استقر به الحال في اسبانيا .ودرس في كلية الفلسفة والاداب - جامعة مدريد المستقلة ثم لجأ الى هولندا حيث عاش في الجنوب الهولندي. وباغت الموت كمال سبتي في غربته في هولندا حيث توفى في شقته وحيدا قبل عدة أيام دون أن يشعر به أحد.

 وصدرت للشاعر عدة مجموعات شعرية هى (وردة البحر) عام 1980 عن دائرة الشؤون الثقافية ببغداد، ثم (ظل شيء ما) في 1983 و (حكيم بلا مدن ) في 1986 و (متحف لبقايا العائلة) في 1989.

وصدرت آخر مجموعتين له في دمشق وهما (آخر المدن المقدسة) في 1993 و (آخرون.. قبل هذا الوقت) في 2002.

وترجم شعر كمال سبتي الى لغات مختلفة ، كما اختير في انطولوجيا الشعر العربي في اللغة الإنجليزية التي صدرت عام 1987 وحررها عدد من المستعربين والمختصين بالأدب بأشراف الناقدة سلمى الخضراء الجيوسي.

كما اختير أيضا في انطولوجيا الشعر العربي في اللغة الاسبانية التي صدرت بعنوان "زمن الشعر العربي " عن المجلة الأدبية المختصة في 1994. وصدرت ترجمة أسبانية للديوان الخامس للشاعر "أخر المدن المقدسة" بترجمة المستعربة ميلاجروس نوين أستاذة الأدب العربي الحديث في كومبلوتنسه بمدريد عام 2003.

ورغم أضواء الشهرة والابداع كان كمال سبتي يتمزق ألما وحزنا في غربته على بلده الذي إكتوى بحروب متتالية وعنف تمتد أفاقه على نحو لا محدود قاتلة الأمل وموحية بالموت الذي يظهر جليا في قصيدته المشهورة "لسان حالي وقبرتي."

تلوي عنقها ، قبّرتي..

أركن بقايا كأسي..

بين كفشات نبات العرد..

أمزمز فصص الأوراق..

وأحنو بتساؤل..

قبرتي على غير عادتها اليومَ..

هادئة مثلي..

تفصح عيناها دمعا..

تبكي مثل بكائي..

صامتة قبرتي اليوم..

لا تهذي مثل هذياني..

لكني بفضول أتساءل..

تحجم إخباري..

تتطلع عينها إلى كأسي

فكرت :

ثمالته أسقيها..

عل عطش تقاسي..

..................

نسمات الريح تضوع بعنبرها..

موجات البيدر تداعب طريفات العشب..

تتنهد قبرتي الثكلى..

وسط مزيج رائحة العنبر وضوع العردِ..

قولي ! أقولُ

تعود تبكي..

قولي ! أقول..

ما الأخبار؟

أمسح شفتاي وأحارُ..

هي ذي اليومَ قبرتي

تعبى تعبى تعبى

أرجوها أتوسلُ ؟

فتمانع..

ما الخطب؟

تبقى !

فألمّ راحي وأقداحي

وأنصحُ:

هذا كأس كمال سبتي

أحد صحبي ورفقائي

وهذي أوراق الكرّاثِ

إن عرج وقعد مغتما

قولي أني عائد للتوّ

لا تعكري عليه صفوه

وتذكري

لا دمع نذرفه هباءً

لن نعوي للصمت تباعا

بعد اليوم

وقبل..

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 4/ايار/2006 -5/ربيع الثاني/1427