أطفال ضحايا الفقر والأهل والحروب يتسولون الطعام والنفط !!

بعمر الزهور ، لكن وجوههم كالحة وثيابهم رثة.. يقضون معظم أوقاتهم في شوارع مدينة الموصل ،عند تقاطعات الطرق وإشارات المرور ،غير عابئين بالسيارات.. يبيعون السجائر والمناديل واللبان.. يلحون على المارة وقائدي السيارات ويستعطفونهم بلهجة أقرب إلى

(الشحاذة) منها إلى البيع . يتكاثرون يوما بعد يوم.. حتى أصبحت الشوارع ، بدلا من المدارس والعائلات ،هي التي تربيهم .

 (حمودي عبد الوهاب ) عمره تسع سنوات.. ويسكن الموصل الجديدة ، يقول لـ ( أصوات العراق) ضاحكا " أريد الذهاب إلى المدرسة مثل أصدقائي.. لكن والدي يجبرني ،أنا وإخوتي الأربعة على البيع في الأسواق والإشارات ،وأحيانا يجبرني على التسول."

أما إبراهيم محمد ،سبع سنوات ،فبيته في ( رأس الجادة)..ويتسول في الدركزلية ،ويفسر ذلك بقوله "والدي قتله الأمريكان.. ووالدتي ليس لها عمل ،وعمي لايصرف علينا."

ويقدم عمر عمار ( 10 أعوام) سببا آخر " زوج أمي يضربني إذا لم أجلب نقودا إلى البيت."

ويكمل ساري إبراهيم (11 عاما) فصول المأساة  " لقد نسينا اللعب.. وأصبح همنا الاول والاخير هو الحصول على المال من أجل المعيشة ،فأنا أحصل على ستة أو سبعة آلاف دينار يوميا قبل أن أعود غلى بيتي.. لكني أحصل على هذا المبلغ بعد أن يهدني التعب.. ولا وقت أو جهد لدى للعب أو الدراسة كبقية أقراني."

أما سلمى ذات الإحدى عشر ربيعا فقالت "والدتي مريضة.. وهي بحاجة إلى نقود لشراء الدواء ، وأبي يعمل يوما.. ويتعطل عشرة أيام ،وأنا أحصل يوميا خمسة آلاف دينار.. تزداد أيام الجمع والأعياد."

وللتسول ضحايا كثيرون ،فأحمد سعد طفل جميل.. وكان عمره ثماني سنوات عندما راح ضحية إحدى السيارات المفخخة عند إشارة مرورية كان يتسول فيها أصحاب السيارات ، بينما فقد وليد ساقه عندما دهسته سيارة مسرعة وهو يقفز وسط الشارع ليلاحق بعض المارة وأصحاب السيارات.

سائقي السيارات المتوقفة في الإشارات المرورية لهم وجهة نظر في ظاهرة ( أطفال الشوارع)....

سمير جواد ،موظف.. عمره ( 40 عاما) ،قال " الأهالي يلقون بأبنائهم إلى عمل شاق لا يتناسب مع أعمارهم البريئة ،والمسؤولون يرون ويراقبون.. ولايحركون ساكنا."

لكن ما رأي أهل العلم والإختصاص في هذه الظاهرة...؟

يقول الطبيب بدر جمال ( 44عاما ) " إنها كارثة بحق أطفال العراق... فبالإضافة إلى كون الظاهرة تشكل مرضا إجتماعيا ،إلا أنها تحرم الطفل أيضا من وجوده داخل الأسرة لفترات طويلة."

ويضيف " السؤال المؤلم هنا هو : كيف يمكن أن نساعد هؤلاء الأطفال بعدما رفعت الدولة يدها عنهم..؟."

مسؤولو الرعاية الإجتماعية في محافظة نينوى إمتنعوا عن الإدلاء بأي تعليق حول هذه الظاهرة الخطرة ،ولم يوضحوا ما إذا كانت لديهم أي معلومات أو إحصاءات حول حجمها ،

وتعللوا بإنه " ليس لديهم تعليمات" .

السيد هيثم حسن ،استاذ جامعي ،له رأى في هذه الظاهرة المستفحلة ، قائلا " المجتمع العراقي شهد ،خلال السنوات العشرين الماضية ،تحولات

سريعة وحادة في مختلف مناحي الحياة.. مع إفرازات الحروب والحصار."

ويضيف " إن إنحطاط المستوى المعيشي لغالبية الأسر العراقية هو جذر المشكلة ، فقد خسرت بعض العوائل الحد الأدنى من الاستقرار الاقتصادي ، لذلك أخرجوا أولادهم من المدارس.. وزجوا بهم في العمل المبكر."

ويتابع " إضافة إلى تعرض الأطفال إلى مخاطر الاقتتال.. الذي إنعكس على حياتهم في أشكال مختلفة ، بل أن بعضهم يشترك بشكل مباشر فيه ، وسيطرت مشاعر العنف والعدوان على سلوكهم وتفكيرهم."

أما أستاذ علم الإجتماع مقداد عبد الحميد فيقول " إنها ظاهره تؤرق الضمير... لقد أجريت دراسات عن أطفال الشوارع ، وبالتحديد الباعة المتجولين منهم ،

فلاحظت من خلال الدراسة أن أغلبهم متشائم من مستقبله."

وتابع " لقد إمتلأت شوارعنا بهم.. وعلينا أن نبادر للحد من تفاقم هذه الظاهرة ،وتأثيراتها المدمرة على جيل كامل."

والتسول يعتبره الكثيرون مهنتهم وحرفتهم التى يعيشون عليها ويحصلون من خلالها على المال والطعام والملابس وغيرها، غير أنه في موصل العراق فإن المتسولين من الاطفال يطلبون أيضا النفط.

فمن المعتاد أن ترى المتسول جالسا في الشارع مادا يديه طلبا لصدقة، أو يمر أمامك وأنت تجلس في مقهى أو متجر أو ما إلى ذلك أو يدق عليك الباب في المنزل متوسلا بكثرة الادعية للحصول على صدقة مالية كانت أو عينية.

غير أنه في أزقة وأحياء الموصل ينتشر المتسولون خاصة من الاطفال ولكنهم يطلبون شيئا جديدا ليحصلوا عليه، وهو النفط.

موصل العراق التي تعد من بين أكثر دول العالم انتاجا للنفط أصبح من الطبيعى أن تشاهد فيها الاطفال ممن لا تزيد أعمارهم عن 12 عاما وفي أيديهم عبوات بلاستيكية سعة كل منها 5 لترات يدقون أبواب المنازل طالبين ومتوسلين من أهل المنزل إعطاءهم القليل من النفط.

لقد تزايدت هذه الظاهرة فى الموصل بعد إختفاء معظم أنواع الوقود من السوق المحلية وارتفاع أسعارها بصورة جنونية إن وجدت.

فقد وصل سعر لتر الكيروسين في الموصل إلى أكثر من 1000 دينار في حين كان يصل سعره قبل الاحتلال 10 دنانير فقط وكان المواطن يتكلف 2000 دينار فقط لملئ خزان الدور الذي يستوعب 200 لتر.

وعن تسوله للنفط، قال محمود عبد الرزاق وعمره 10 سنوات لـ (أصوات العراق) "لي إخوة صغار ونريد أن نأكل ولايوجد لدينا وقود نطبخ عليه، وأنا أخرج لأتسول الطعام والنفط."

ويقول إبراهيم مفيد 14 عاما "أنا اتسول النفط فأدور منذ الصباح على مايقارب 50 دارا ، أقوم ببيع ما أجمعه في أخر النهار وأشتري مايحتاجه البيت من طعام ودواء."

أما إياد مصطفى 13 عاما فيقول"نحن بحاجة الى النفط لتسلق لنا والدتنا كمية من البطاطا لنتعشى بها ولانستطيع أن نشتري النفط للمدفئة وهو غير موجود لذلك نضطر لتسوله."

وعن أزمة الوقود، قالت سناء عبد الرحمن مدرسة تربية اسلامية في إحدى اعداديات الموصل "إنني أرملة ولدي بنتان في الكلية وليس لدينا وقود في الدار لاطبخ عليه، تعودان من الكلية وتتهماني بأنني اتجاهل مشاعر الجوع التي تنتابهما، لانني كنت احضر وجبة طعام لهما وبعد تناولهما للطعام تبدآن بمراجعة دروسهما."

وتابعت"أما الان فأنا أحضر لهما كأسا من العصير والبسكويت بعد أن فشلت في الحصول على وقود للطبخ."

وخرج معتصم محفوظ من منزله يحمل عبوة بسعة خمسة لترات ليطرق باب دار جاره ليرى إمكانية الحصول منه على بضعة لترات من النفط وقال "أنا في غاية الخجل وأنا أطلب النفط من جاري من أجل خزان الفانوس والهيتر النفطي لنطبخ عليه، لقد كان النفط لدينا أرخص من الماء ولم نشهد أزمات في الوقود ولكن النفط يتم تهريبه الان ويوضع وارداته في الجيوب وتبقى الخزينة العراقية فارغة ومديونة ويبقى المواطن في حالة ذهول من أمره."

ويقول طه يس كاتب "حتى أشجار الغابات لم تسلم من أيدينا فقد قطعناها لنجعلها حطبا نطبخ عليه وحصة الموصل من النفط تمر في شوارع الموصل في شاحنات في طريقها للتهريب، ولا أحد يتحرك."

وتقول أم محمد الخبازة " إنني أعيل أسرة وأطفال، وتسبب اختفاء الوقود في انقطاعي عن العمل منذ أشهر وقد بعت الثلاجة واستدنت لاستطيع أن أصرف على أولادي ،ماذا أفعل ومن أين أستطيع جلب الغاز، الذى نبحث عنه كما نبحث عن إبرة وسط تل من القش ولانجدها، وإن وجدنا الغاز لانستطيع شراؤه."

لقد أكد المواطنون في الموصل إن حقيقة معاناتهم من اختفاء الوقود نتيجة تهريب حصتهم عبر منفذ ربيعة الحدودي قد زاد من همومهم والمصاعب التي يعيشونها بسبب تردى الأوضاع الامنية فى المدينة.

وفى الوقت الذى يقول فيه محافظ نينوى وكبار مسئوليه أن حصة المحافظة في طريقها الى محطات الوقود لتوزيعها خلال ساعات، يؤكد المواطنون أنهم ينتظرون منذ شهور وصول هذه الحصة، حتى أصبحت مدينة الموصل تتسول النفط باللتر وغدا لا نعرف ماذا سيحصل.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 1/ايار/2006 -2/ربيع الثاني/1427