عندما يستخف المجرمون بالقضاء الوقور

المحامي طالب الوحيلي

كنا على موعد مع الجلسة 23 من جلسات محاكمة صدام واعوانه المتهمون معه في ارتكاب مجزرة الدجيل التي طال اوان حسمها، بين الإجراءات المتأنية المتبعة بهكذا قضية تضمنت في طياتها محاكمة لنظام غير شرعي حكم العراق عدة عقود، ومحاكمة مؤسسة ارتكبت جرائم بعدد ضحايا ذلك النظام وحزبه من غير من استشهدوا من اهالي الدجيل بين محكوم بالاعدام من قبل محكمة (قرقوش البندر)او قتيل او متوفى بتوفر علاقة السببية بين فعل المتهمين (صدام وشركائه) والنتيجة التي آلت اليها اجراءاتها القسرية والوحشية، من خلال اجتياح مدينة الدجيل بواسطة المؤسسة الامنية والمخابراتية والحزبية الخاصة بذلك الطاغية، او الموت صبرا في زنزانات ودهاليز المخابرات وصحراء السماوة او احكام الاعدام الجائرة التي اصدرها المجرم عواد البندر في (محكمة ) الثورة سيئة الصيت تلك التي صارت وصمة عار على القضاء العراقي العريق، تلك اللجنة التي ادارها جلادون وامعات لايفقهون من العلم شيئا، سوى تنفيذ ما رسم لهم من اسيادهم.

لاسيما وان حسمهم لقضية احيل فيها  148 معتقلا بعدة ايام على حد اعتراف جلادها الاول، هي المثل الابشع في تأريخ القضاء العالمي، والانكى من ذلك كله ان عدد كبير من المحالين في تلك القضية كانوا اطفالا ومنهم مقتولين اثناء التعذيب في غرف المخابرات، التي حاول رئيسها بكل مايعنيه الجبن والذل من ابعاد دور المخابرت عن هذه القضية، بعد ان وشت به مخاطباته التحريرية لصدام واقوال البندر وغير ذلك من اقوال الشهود بما في ذلك زلات لسانه،التي تقع من خلال مهاتراته الكلامية المستمرة التي تعكس مدى بذاءة وانحطاط تلك المؤسسة التي حكمت العراق بالدم واحرقت كل خيراته وامتهنت كرامته.

لقد اسس المتهمون ووكلاءهم الذين لايقل بعضهم عنهم غباءا وانحرافا،على الانكار التام لكل تهمة وكل دليل وكل فعل ارتكبوه، وكأن العالم قد نسي تلك المقابر الجماعية وتلال المآسي المصورة والموثقة،وكأنهم حملان وديعة، وبذلك فهم لا يختلفون عن أي متهم ضالع بجريمة ووثقت اعترافاته قضائيا عندما يساق الى محاكمنا العادية، لايجد امامه سوى تلقين وكيله المحامي، الذي يئس من براءته فاشار عليه بانكار اقواله والتذرع باكاذيب لا تنطلي على احد،وهؤلاء المحامين تسابقوا مع موكليهم في اهدار وقت المحكمة الثمين لانه وقت محسوب من تاريخ العراق والشعب العراقي، والذي لانريد ان يهدر كما العقود الخالية من عهد الظلم، كما انهم تسابقوا ايضا في اطلاق المزيد من الاهانات والتهم للمحكمة وممثلي الادعاء العام(الحق العام)الذي لايمكن ان يكون محايدا، فهو ليس مجرد هيئة شكلية ولا وكيل لمتهم هو بنظره مع ما متوفر لديه من ادلة مدان ينتظر من المحكمة اصدار اقصى العقوبات بحقه،وليس العكس، أي السعي لتبرئته، لكون ذلك المتهم قد ارتكب جرائم بحق النظام العام او المجتمع ونظامه السياسي، وصدام وشركائه قد ارتكب جرائمه ضد المجتمع العراقي باكمله ناهيك عن ان جرائمه كانت انتهاكا للنظام السياسي الذي كان سائدا، مادام استقر على قوانين وانظمة مشرعة او هو نفسه قد شرعها بشكل او بآخر، فلو اقررنا جدلا بقانون محكمة الثورة، فهل طبق ذلك القانون ونفذ على القضايا التي احيلت على تلك المحكمة؟!

المحكمة تشترط العلانية، ولم يسمع أي من العراقيين بموعد جلسة من جلساتها واين تشكلت ومن هم قضائها وهل هم قضاة ممن يشترط قانون التنظيم القضائي اعتبارهم كذلك، وما هي درجة رئيسها في سلم ترتيب القضاة المعروف؟

وهل حضر المتهمون فعلا ودققت هوياتهم واعمارهم، واستمعت لافادات كل واحد منهم ومطابقة تلك الافادات مع الادلة المتوفرة لدى المحكمة، وحتى لو كانت لديهم اعترافات فهل علم البندر ان الاعتراف لايكفي للادانة مالم يكن مقرونا بدليل قطعي، وهل توكل عن كل متهم محام بوكالة عامة او خاصة، وهل صدق البندر تلك الوكالات، واستمع الى مناقشاتهم وطلباتهم واسانيدهم ومطالباتهم المتكررة والوقحة والمثيرة للاعصاب كما يفعل هو وزملاءه ووكلاء دفاعهم امام قضاة المحكمة الجنائية العليا هذه الايام،اكيد قرقوش البندر لم يدر بخلده يوما انه سوف يقف امام الشعب العراق وامام التأريخ كهذه الوقفة، وليحاكم على احكامه الظالمة بحق اكثر من 148 بريئا لايمكن ان يسعهم قفص اتهام ولا قاعة محكمة اذا صدقنا جدلا اكاذيبه الوقحة بانه انتدب محامين للدفاع عنهم،فكم محام كان حاضرا اضافة للمتهمين؟!!ولاتكفي لحسم قضيتهم عدد من الاشهر ان لم تكن سنين فكيف تمكن من حسمها بستة عشر يوما!!!

ومن عجائب القضاء والقدر اعدام ميت، حيث تبين فيما بعد قضية الدجيل بان عدد ممن حكم عليهم بالاعدام، قد احيل الى المحكمة بعد قتله اما في التعذيب او اثناء اقتحام بلدة الدجيل، والاعجب من ذلك كله هو اين جثث المعدومين المائة وثمانية واربعين؟!!

اكاذيب وادعاءات بلا ادلة كان يرد بها صدام وشركاءه،وفبركة كان يصطنعها محاموهم، منها اختلاق اتهامات للمحكمة والادعاء العام، واسخفها ان المحامي الرئيسي لصدام نسب الى السيد رئيس المحكمة قولا عجيبا، يثير الرثاء على ذلك (الزميل)ادعى فيه بمنع المحامي القطري من ارتداء (غطّاس) الرأس!

وحين طالبته المحكمة بابراز الكتاب الذي وجه لهم بهذا الشأن تبين ان (غطّاس) الرأس هو غطاء الرأس!!

قاعدة البينة على من ادعى، هي مبدأ عام تسير عليه كل محاكم الارض وكل التشريعات، وعلى المدعي يقع عبء الاثبات،لكن صدام ووكلاءه يطالبون بالعكس، انهم يطلبون من الادعاء العام والمحكمة جلب الادلة لهم، وقد فاتهم ان عدم تقديم الدليل يعد خسارة لادعائهم، اما عدم قبولهم بخبراء الادلة الجنائية العراقيين،ومطالبتهم بخبراء دوليين لكي يقرروا مطابقة تواقيع المتهمين من عدمها لعدم قناعتهم بالخبير العراقي، فهي سابقة سخيفة لان من رضي بالقاضي وبالمحكمة، كيف به يرفض الخبير الذي هو محل قناعة تلك المحكمة ومتى استعانت المحاكم العراقية بخبراء اجانب طيلة تاريخها؟وقد فات هؤلاء المحامون ان المحكمة وحدها من يبني قناعاته بالادلة والوقائع ولها في سبيل ذلك الاستعانة بمن تشاء من خبراء او غيرهم.

اما ان لمحامي صدام آلآف الشهود الذين ينفون عن صدام التهم الموجهة ضده،فقد استقر القضاء على عدم سماع شهود النفي، كما ان الملايين من ابناء شعبنا شهود اثبات على انه هو واتباعه مجرمون وقتلة مع سبق الاصرار والترصد،وهي شهادة اثبات كافية للحكم على المجرمين.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الأربعاء 26/نيسان/2006 -27/ربيع الاول/1427