عراقيون وألمان يبحثون ثقافة التسامح بين الأديان والطوائف

بون ـ محمد محبوب: عقد المركز العراقي الألماني ندوة حوارية بعنوان ( التسامح بين الأديان والطوائف .. الحالة في العراق ) بمشاركة محاضرين أكاديميين عراقيين وألمان في علوم الدين والأجتماع وحضور نخبة من المثقفين العراقيين والألمان وطلبة جامعة بون وذلك يوم الأربعاء الثاني عشر من نيسان أبريل 2006.

أفتتح الندوة الدكتور فرنسيس قليته بكلمة ترحيبية كما وجه رسالة غضب وأستنكار بأسم المركز العراقي الألماني والجالية العراقية في ألمانيا لإختطاف المواطنيين الألمانيين رينيه وتوماس من قبل العصابات الأرهابية ومحاولة أبتزاز الحكومة الألمانية التي تقوم بجهود طيبة من أجل دعم العملية السياسية الجارية في العراق ، ودعا الحكومة العراقية والأحزاب والهيئات العراقية الى بذل المزيد من الجهود في سبيل أطلاق سراح المخطوفين الألمانيين.

وتحدث الدكتور حامد السهيل أستاذ علم الأجتماع عن ثقافة التسامح في العراق والتي تمتد بجذورها الى الحضارات القديمة في بلاد وادي الرافدين ثم العصر الأسلامي مؤكدا على أهمية دور الجغرافية العراقية التي ساعدت في تشكيل بيئة حاضنة لثقافة التسامح حيث فرضت تهديدات الطبيعة نشوء المجتمع المدني بوقت مبكر بكل مايترتب عليه من تنظيمات وقوانيين وأعراف ، وقال أن هذا التنظيم الأجتماعي كان بحاجة الى أرساء ثقافة التعايش والتسامح بين المجموعات الأثنية التي كانت تقطن بلاد وادي الرافدين.

وقدم وصفا تحليليا للأوضاع الأجتماعية التي كانت سائدة في مجتمع أسلامي مثل مدينة الكوفة بوصفها بلد مهاجرين أستوعب الكثير من الأثنيات والقبائل العربية ، ولم يكن ممكنا نظرا للمزاج القبلي لدى العرب أنذاك والذي لا يفضل الأندماج مع قبائل أخرى مؤكدا أن الأسلام وفر مناخا ملائما لنمو ثقافة التسامح في المجتمع الكوفي.

كما تحدث الدكتور السهيل عن ثقافة التسامح في مدينة بغداد أبان العهد الملكي مستشهدا بما كتبه عالم الأجتماع العراقي المعروف الدكتور علي الوردي حول البيئة الأجتماعية البغدادية المتسامحة حيث أحتوت تلك المدينة الكثير من الجماعات الأثنية والدينية والمذهبية ، وأختار الدكتور السهيل منطقة الرصافة القديمة حيث ترعرع وعاش هناك بوصفها أنموذجا للتعايش والتسامح بين البغداديين على أختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم مؤكدا أن ثقافة التسامح التي كانت سائدة في العراق أبان العهد الملكي أفرزت لنا بيئة ثقافية زاخرة بالأبداع في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي.

وكان المحاضر الثاني الدكتور ميشائيل شميدل المختص بعلم الأديان المقارنة متحدثا عن منطقة حيوية من العالم وهي شرق آسيا المكتظة بالسكان موضحا دور الطبيعة الديموغرافية في أرساء ملامح ثقافة التسامح في هذه المنطقة ، مستعرضا دور الديانة البوذية بصفتها الديانة الأكبر في العالم بعد المسيحية والأسلام في نشر روح التعايش السلمي بين الناس برغم التنوع الأثني الكبير ، كما أشار الى دخول الأسلام الى شرق آسيا ومساهمته في ترسيخ ثقافة السلم والتعايش.

وقال أن فلسفة بوذا ترتكز على نسبية الحقيقة مما أعطى مجالا واسعا لتعايش المعتقدات الدينية والفكرية ، وتحدث عن قصة بوذا مع العميان الذين جلبهم للتعرف على الفيل حيث أختلفوا فيما بينهم حول تحديد شكل الفيل عن طريق اللمس فظنوه ( عمود ، حبل ، حائط ألخ ) وأستخلص بوذا من هذه القصة لمريديه عدم وجود حقيقة مطلقة يمكن التسليم بها دون غيرها.

الدكتور جينس بيكر المختص بالدراسات الأسلامية قدم محاضرة حول العلاقة بين الأسلام وثقافة التسامح مؤكدا على وجود مصادر لهذه العلاقة في القرءان والسنة النبوية والتي أنعكست على حياة المسلمين وعلاقتهم مع أتباع الديانات الأخرى بأشكال مختلفة تبعا للمذهب أو الطبيعة الديموغرافية للمدينة الأسلامية ، وقال أن التاريخ سجل حالات مهمة من التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم من أتباع الأديان المختلفة في الشرق الأوسط وشرق آسيا ، لكن في نشأت نزاعات وغاب التسامح وحلت محله ثقافة العنف في حالات أخرى.

وأكد أن المسلمين بحاجة الى ترسيخ ثقافة التسامح بين المذاهب الأسلامية من جهة ، ثم بين المسلمين وبين أتباع الديانات الأخرى أو الذين لا دين لهم.

وكان المحاضر الرابع الأستاذ جون كامبل حيث تحدث عن دور السيد المسيح في أرساء قيم التسامح بين البشر والذي علم الناس فلسفة التسامح والمحبة مرحبا بمبادرة المركز العراقي الألماني لبحث ثقافة التسامح وتبادل الخبرات بين المشاركين في هذا المجال ، كما قدم وصفا تحليليا للتعايش في مدينة مثل بون والتي يعيش فيها أجانب كثيرون ينتمون الى أكثر من مائة مجموعة أثنية ودينية.

الحقوقي ضرغام الشلاه أستاذ القانون بالأكاديمية المفتوحة في الدنمارك كان أول المتداخلين في هذه الندوة الحوارية حيث تحدث عن التهديدات التي يتعرض لها المجتمع المدني في العراق من قبل جماعات دينية متشددة وبالتالي غابت ثقافة التسامح وحلت محلها ثقافة العنف.

الدكتور لطيف الوكيل أشار الى خطورة الأسلام الراديكالي الذي ينتشر بصورة مضطردة في المجتمعات الأسلامية مؤكدا على أهمية معالجة المشكلة في منبعها المملكة العربية السعودية بصورة خاصة والتي تصدر هذا الفكر المتشدد الى العالمين العربي والأسلامي.

الدكتور يوسف جلال قال في غياب التسامح لن تكون الحياة ممكنة ليس في العراق فقط وأنما في بلد من العالم والعراقيون يمتلكون موروث كبير من ثقافة التعايش يمتد الى أكثر من سبعة آلاف سنة في عمق التاريخ والمطلوب هو أستحضار ذلك دائما وترسيخ ثقافة الحوار بين العراقيين.

تانيا بيكر طالبة دكتوراة فلسفة تحدثت عن أهمية تعريف التسامح كمنطلق للبحث في هذا الموضوع الحيوي الحساس ، وتسائلت عن مفهوم التسامح لدى الأنسان المسلم أو في المجتمعات الأسلامية ، وأكدت على أهمية تحديد آليات ثقافة التسامح قبل التفكير في نشرها وأشاعتها بين الناس الذين يختلفون في الثقافة والدين.

كما أثار العديد من المشاركين ولاسيما طلبة جامعة بون موضوعات حساسة حول ثقافة التسامح بين الغرب والعالم الأسلامي.

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 22/نيسان/2006 -23/ربيع الاول/1427