العراقيون لرجال السياسة أوقفوا المشاحنات ولكن ذلك لن يقضي على الفتنة الطائفية

تتواصل المشاحنات والخلافات بين رجال السياسة حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة غير أن العراقيين الذين تحدوا السيارات الملغومة واطلاق الرصاص وتوجهوا للادلاء بأصواتهم في انتخابات ديسمبر كانون الاول لديهم رسالة واحدة مفادها: توقفوا عن المشاحنات وصبوا اهتمامكم على العمل.

وقالت احدى الساخطات وتدعى أم علي وهي ربة منزل في الثلاثين من عمرها وتعيش بمدينة النجف "هذه سخرية سياسية."

وأضافت "الكتل السياسية تتصارع على مناصب الحكم الكبرى ولا يقدمون تنازلات. ينبغي عليهم أن يدركوا أن الناس يدفعون الثمن وأن الحكومة لا تتوقف على شخص واحد."

وكانت أم علي من بين 12 عراقيا من مختلف طوائف وأعراق العراق الذين تحدثوا الى رويترز.

ويجاهد الزعماء الشيعة والاكراد والسنة العرب الذين يتعرضون لضغوط مكثفة من جانب الولايات المتحدة وأخرى من الداخل لتشكيل حكومة وحدة وطنية ينظر اليها على أنها الامل لتجنب الانزلاق الى حرب أهلية.

وفي محاولة لانهاء الازمة قال الائتلاف العراقي الموحد المكون من أحزاب رئيسية شيعية اليوم الجمعة انه سيعرض على الاكراد والسنة مرشحا جديدا لرئاسة الوزراء بعدما تخلى مرشحه الاول ابراهيم الجعفري عن اصراره على الاحتفاظ بالمنصب في مواجهة معارضة متزايدة.

ورفض العراقيون مزاعم السياسيين بان ذلك علامة على حدوث تقدم. وضاق العراقيون ذرعا بأعمال العنف اليومية وضعف الخدمات الاساسية مثل مياه الشرب والكهرباء بعد أكثر من ثلاث سنوات من الغزو الذي قادته القوات الامريكية.

وقال أحمد الخياط (38 عاما) ويعمل خياطا بمدينة بعقوبة التي تضم مزيجا من السنة والشيعة "بعد كل هذا التأخير الذي لا تفسير له .. ستولد الحكومة الجديدة ميتة كما برهن كل الساسة على أنهم يسعون وراء المناصب دون مراعاة للمحن التي يمر بها الشعب العراقي."

وقال عادل عبد الامير (40 عاما) وهو أستاذ جامعي من بعقوبة أيضا ان العملية السياسية التي تدعمها الولايات المتحدة تتخبط.

وقال "التأخر في تشكيل الحكومة يثبت أن التجربة الديمقراطية فشلت في العراق. كثير من السياسيين غير أكفاء في الواقع لاي منصب كما يفتقرون الى الخبرة السياسية."

وقال سعيد جواد كتوم (50 عاما) والذي يمتلك متجرا في مدينة البصرة بجنوب العراق "أشعر أننا ضللنا عندما صوتنا لصالح هؤلاء الذين يصارعون بعضهم بعضا للفوز بمناصب وينسون اراقة دماء العراقيين."

وتعهد السياسيون العراقيون الذين ينتمون الى أحزاب شكلت على أسس دينية وعرقية بتحقيق الاستقرار والوحدة في أعقاب الانتخابات التي جرت في 15 ديسمبر كانون الاول والتي اقبل خلالها العراقيون بأعداد كبيرة على التصويت في أول انتخابات لتشكيل حكومة تقضي فترة ولاية كاملة منذ سقوط الرئيس صدام حسين.

وقال محمد جاسم (40 عاما) المدرس بمدينة كركوك بشمال العراق "كم يحتاج هؤلاء الساسة العراقيين لتشكيل حكومة .. لقد مر أكثر من أربعة أشهر على الانتخابات. لقد أسمعنا السياسيون جميع أنواع الوعود .. والتي ذهبت الان أدراج الرياح."

وأضاف جاسم "العراقيون الان لا يثقون بهم جميعا."

وأنحت واشنطن الحريصة على رؤية مستوى ما من الاستقرار يتحقق في العراق فيما يسمح لها بالبدء في سحب قواتها باللائمة على الفراغ السياسي في تعزيز أعمال العنف. واتفق بعض العراقيين مع هذا الرأي.

وتساءل عتاب أحمد (35 عاما) ويعمل مهندسا في كركوك "أصبح الاطباء والمهندسون والاساتذة والصحفيون أهدافا سهلة للمسلحين. من المسؤول عن تفريغ هذا البلد من المفكرين."

واضاف "الحكومة لا تفعل شيئا في هذا الشأن."

وحتى لو تمكن زعماء العراق في نهاية المطاف من كسر الجمود بشأن تشكيل حكومة جديدة سيتعين عليهم التركيز على تحقيق الاستقرار في المناطق المضطربة في بغداد مثل الأعظمية حيث أشعلت التوترات الطائفية اشتباكات مسلحة عنيفة هذا الاسبوع.

وقال الجيش الامريكي ان 50 مسلحا هاجموا القوات العراقية عند منتصف ليل الاثنين في اشتباكات دامت سبع ساعات كانت عنيفة الى درجة اقتضت استدعاء تعزيزات من القوات الامريكية للمساعدة.

وقال سكان ان المسلحين السنة دافعوا عن الحي الواقع في شمال بغداد ضد ما وصفوه بالقوات الحكومية الغازية ورجال ميليشيات شيعية متحالفين معها جاءوا بغرض الخطف والقتل.

ومهما يكن الامر فان انعدام الثقة بين الطوائف العراقية عميق في مناطق مثل الأعظمية الى درجة أن تشكيل حكومة جديدة لن يقدم أي ضمانات لتحسين الامن.

وقال مسلح من السنة عمره 28 عاما "ندافع عن حياتنا وجيراننا وعائلاتنا ضد أي هجوم. ونشهر أسلحتنا عاليا."

ويكافح زعماء العراق الشيعة والاكراد والعرب السنة لتشكيل حكومة بعد مرور أربعة أشهر على الانتخابات البرلمانية التي كان متوقعا أن تحقق الاستقرار.

وحذرت الولايات المتحدة وبريطانيا الساسة العراقيين مرارا من أن الجمود يذكي العنف.

لكن يظل أن أي حكومة جديدة ستواجه تحدي كسر حلقة من الاشتباكات الطائفية التي لا تهدأ والتي تهدد بدفع العراق الى حرب أهلية شاملة.

ويأمل المسؤولون العراقيون والامريكيون الذين يدعمونهم أن العملية السياسية ستقنع مسلحين مثل أبو نورس بإلقاء أسلحتهم وتبني الديمقراطية.

لكن الضابط السابق في جيش الرئيس المخلوع صدام حسين يصر مرة اخرى على ما يصفه بأنه هجمات طائفية تشنها قوات الامن التي يهيمن عليها الشيعة على حي الأعظمية الذي تسكنه أغلبية سنية.

وقال أبو نورس "نعيش في عصر تفرط فيه الحكومة في استعمال القوة وتحركها في ذلك دوافع طائفية."

ويقول هو ومسلحون اخرون انه لن يثق أبدا في الائتلاف الشيعي الموحد الذي يسيطر على 130 مقعدا من مقاعد البرلمان عددها 275 مقعدا والمؤكد أنه سيظل هو القوة المهيمنة في الحكومة العراقية الجديدة.

وعادت الحياة لطبيعتها في الحي الواقع في شمال العاصمة العراقية منذ اشتباكات الاثنين. وأعيد فتح المتاجر والمقاهي وعاد المصلون الى مسجد أبو حنيفة حيث شوهد صدام لاخر مرة علنا قبل اختبائه.

لكن السنة في الأعظمية وفي أماكن أخرى يتهمون الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة بانها اجازت فرق قتل تابعة للميليشيات.

وتنفي الحكومة الاتهامات التي تزايدت بشدة منذ أثار تفجير مزار شيعي رئيسي في فبراير شباط الماضي الاعمال الانتقامية وأعمال القتل المتبادلة.

وعثر في شوارع بغداد على مئات الجثث بها جروح أعيرة نارية واثار تعذيب.

ويعتقد ابو علياء (57 عاما) وهو تاجر سابق ومسلح سني في حي الأعظمية أنه يمكن لحكومة غير طائفية أن توحد العراق. لكنه ليس متفائلا على ما يبدو.

وقال "ما يحدث هنا ليس مجرد مقاومة بلا هدف لكنه دفاع عن حياتنا وممتلكاتنا ومعتقداتنا."

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 22/نيسان/2006 -23/ربيع الاول/1427