فقراء العراق..خطوات نحو الحكم المستحيل

المحامي طالب الوحيلي

اهم ما يتصف به اغلبية الشعب العراقي، هو الفقر المزمن، ولان هذه الاغلبية هي من اتباع مذهب اهل البيت، فقد اضحوا اليوم هم الهدف السهل للارهاب الصدامي والتكفيري،فلاغرابة ان تتوجه مفخخات الارهاب ومفخخيها الى التجمعات الفقيرة سواء كانت في مساجد او حسينيات او مساطر عمال بناء او اسواق شعبية تحفل بتلك الوجوه القانتة لربها املا بلقمة زاد حلال او ستجابة لدعاء بفرج طال أوانه كثيرا.

وليس عجيبا ان تميز تلك الوجوه في المناطق التي تسودها طائفة اخرى، استجاب اكثر ابنائها لوهم روج له مثقفوها وسياسيوها وشيوخها تحت صخب غريب بدعوى التهميش، فتحولت كل افعالهم الى تحد دموي لكل ماهو عراقي من قانون او عرف او سيادة وطنية،بعد ان كان الكثير منهم عبيد طاغية لم يعرف رحمة ولارافة باحد كان، وقد كان يقتل الناس على الشبهة، فصفقوا له واجبروا الناس على الرقص على موسيقا حروبه الطاحنة،  دولية كانت او محلية،  مباشرة او غير مباشرة، حين كان معظم اركان حربه اوقادته الميدانيين،او جلادوا معسكرات ودهاليز مؤسساته الامنية،  من ابناء تلك الطائفة، وما نتج عن ذلك من مقابر جماعية ومجازر شهدتها مدن الجنوب والوسط ومدن الشمال.

انها حقيقة لايمكن لاحد ان يغمض عينيه عنها، وهي مصدر الحقد الحقيقي الذي تصاعد يوما بعد آخر وكأن معادلة جديدة بدات بالظهور، وهي ان الملك اساس العدل وليس العدل اساس الملك، وان من يملك السكين يملك شرعة القتل،على حد قول الشاعر العراقي بلند الحيدري في حوار الابعاد الثلاثة، ولانهم هم الذين خبروا تلك الشرعة عبر انخراطهم في مؤسسات الطاغية الامنية، فان التفاؤل المفرط بمستقبل جديد للفقراء هو محض هراء..

فمن خشي وقوع حرب اهلية في صدر ثورة تموز عام 1958، ولم يفرط في استخدام سلطاته الدستورية تحت الخشية من التصعيد الشعبي ضد القوى المعادية لتلك الثورة الفتية، راح ضحية زمر عرفت كيف تستخدم بنادق البور سعيد التي صنعتها مصر لتجرب نيرانها بصدور العراقيين تحت خطاب شوفيني طائفي في الدرجة الاولى، حيث استعرت عام 1963 حرب ابادة ضد الالاف من ابناء العراق وامتد سعيرها الى اليوم، كون القوى التي تستهدف الشعب العراقي ومؤسساته هي امتداد لانقلابيي شباط الاسود،وهي ذاتها تسير بالبلاد الى الحرب الاهلية بدعم صريح من قوات الاحتلال، التي كشفت عن تعدد الرؤى بين مؤسساتها المختلفة وعن تعاطيها مع الملف العراقي على وفق ستراتيجية وضعتها للمنطقة برمتها، جاعلة من الساحة العراقية مسرحا لتصفية حساباتها الاقليمية والامنية، دون ادنى اعتبار لمصير الشعب الذي ابتلي اصلا، بسياسات الهيمنة الدولية في ظل الحرب الباردة التي تحولت الى سعير لايكاد ينطفيء.

المنكوبون الذين ترحم عليهم عبد الكريم قاسم فمنحهم اراضي لسكناهم، ابناؤهم من يكتوي كل يوم بحقد الارهابيين وقتلهم، ولقد ابكاني مقتل صبيين كانا يجمعان العلب المعدنية الفارغة للمشروبات الغازية من مزابل منطقة اليرموك قرب جامع ابن تيمية، حيث يبيعانها لمعامل الصهر، فمرت عليهما (دورية)ارهابية وقتلتهما بعد ان تعرفت على هويتهما، فهما من ابناء اولئك المحكومين بالإعدام !!وتركوهما جثتين هامدتين في تلك المزبلة،  وقد شهدت هذه المنطقة حرب منظمة تديرها عدة زمر إرهابية لا يسلم من شرها قريب او غريب، ولا سلطة تردعها.

لا احد يستغرب اذا ماقلنا ان الفقراء في وطني كانوا يعتقدون ان سبب فقرهم هو النظام البائد، وقد مضت اكثر من ثلاث سنوات وقد ازداد الفقر سوءا عن سابقه، وحين انخرطوا في سلك الشرطة او الجيش، صاروا الطعم السهل لسعالي الإرهاب، ولا مكان في العالم لمن يعتدي على مجرد مكلف بخدمة عامة فما بالك بشرطي او عسكري، ففي جميع دول العالم متحضرها ومتخلفها، يعتبر الاعتداء عليهم جريمة تبرر قتل المعتدي،وقد فعل الطاغية صدام ذلك واكثر بكثير، ولعل الكثير من أهالي مدينة الصدر يتذكرون الشاب الذي طاردته مفرزة من الانضباط العسكري وقد تمكن من انتزاع سلاح أحدهم وقتله وحين قتل، تركوا جثمانه في ساحة (55) لمدة ثلاثة أيام تحت الحراسة نكاية وعقابا للشهيد ولاهله وعشيرته..

وكان يعلم كيف كان يقتل أبناء القرى الكردية بدم بارد اذا ما أطلقت اطلاقة واحدة صوب جندي من الوحدات العسكرية العاملة في الشمال!

فما بالك بالجريمة البشعة التي لا تخلو صفحاتها من فعل المؤامرة والتواطؤ، تلك الجريمة التي راح ضحيتها اكثر من 30 شرطيا من شرطة النجف، فقد توجهت قوة منهم الى معسكر التاجي لاستلام سيارات جديدة وقد تم ابلاغ القوات الامريكية بوجهتهم وحجم قوتهم وتسليحهم تجنبا للتصادم معها، وقد وصلوا الى المعسكر المذكور واستلموا السيارات المخصصة لهم على أمل المبيت في المعسكر خشية من أخطار الطريق وما يمكن ان يخبأ لهم في منطقة تعد معقلا للإرهاب ومصدر لكثير من المشاكل، الا ان القوات الأمريكية رفضت ذلك، وطلبت منهم مغادرة المعسكر تحت الوعد بتأمين الحماية لهم حتى بلوغ منطقة آمنة،كما حددت لهم الوجهة التي يتخذونها، وحين توغلوا في طريق معزول في الطارمية، وقعوا بكمين معد لهم، حيث فتحت عليهم النيران من كل مكان، واستشهد اثر هذه الجريمة العدد المذكور وجرح عدد آخر، فكيف سيجري تبرير هذه الجريمة ومن المسؤول عن ذلك ؟وما هو موقف الإدارة الأمريكية لو قتل شرطي لها في احد شوارعها،هل تذعن لديمقراطيتها المتحضرة مثلما يستسلم أركان حكومتنا العتيدة للآمال والأحلام البعيدة في البقاء خالدين في مناصبهم، فيما يسترجع ابناء الفقراء ذكريات بعيدة عن زعيم منحهم أشبارا من ارض العراق، في الوقت الذي هاجر الكثير منهم اليوم أراضيهم تحت تهديد الإرهابيين ووعيدهم، وقتل اسر منهم.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء  18/نيسان/2006 -19/ربيع الاول/1427