العلمانيون الأتراك بحماية العسكر يشنون حملة ضد الإسلاميين والحجاب

حذرت صحيفة جمهوريت التركية التي يرتبط تاريخها بتاريخ تركيا الحديثة من الاصولية الاسلامية في اطار حملة اعلامية ينظر اليها كحرب يشنها العلمانيون على الحكومة.

وكتبت الصحيقة في عنوان رئيسي غلى صفحتها الاولى "أتدركون الخطر". والعنوان مكتوب باللغة التركية لكنه كتب كما تكتب العربية من اليمين الى اليسار. كما ظهر العنوان التحذيري على شاشات التلفزيون.

والطريقة العربية تلميح مبطن للاتراك بأن حزب العدالة والتنمية الحاكم يريد الانقلاب على اصلاحات مصطفى كمال أتاتورك الذي يحظى بمكانة خاصة في تركيا والتي كان من بينها استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية في كتابة اللغة التركية.

قال اوزجن أكار الكاتب في صحيفة جمهوريت لرويترز "حملتنا تستهدف هذه الحكومة. فالتطورات المناهضة للعلمانية في السنوات الاخيرة تهدد تركيا ومؤسساتها."

وهذه تذكرة قوية بالانقسام الكبير بين علمانيي تركيا وهؤلاء الذين يتصورون أنهم اسلاميون يعملون على احياء تأثير الدين في الحياة العامة في تركيا.

وترى المؤسسة العلمانية القوية التي تضم الرئيس والجيش والقضاء أن حزب العدالة والتنمية الذي تمتد جذوره للاسلام السياسي يمثل خطرا داهما على الوضع القائم.

وينفي الحزب الذي جاء للسلطة في عام 2002 مستندا الى فوز كاسح بعد سنوات من سوء الادارة والفساد أن لديه أي برنامج اسلامي. ويتهم أحزاب المعارضة الضعيفة نسبيا بالانتهازية.

وحذر الرئيس التركي احمد نجدت سيزر في أقوى تصريحات له منذ ان أصبح رئيسا في عام 2000 يوم الاربعاء من أن تركيا تواجه تهديدا متناميا من جانب الاصوليين الاسلاميين.

وقال سيزر لتجمع لضباط الجيش "الضمان الوحيد لتركيا ضد هذا التهديد هو نظامها العلماني". ولم يذكر سيزر حزب العدالة والتنمية بالاسم.

ويعتبر الجيش التركي القوي الضمان الاساسي للنظام العلماني الذي أسسه أتاتورك في عام 1923 وكان قد أطاح عام 1997 بحكومة اعتبرها تميل الى التوجهات الاسلامية.

وقال محمد علي شاهين نائب رئيس الوزراء التركي ان الحكومة ملتزمة بالعلمانية مثل الرئيس وأضاف أن الحكومة تأسف لان سيزر لم يبلغها بمخاوفه.

والغالبية العظمى لسكان تركيا المرشحة للانضمام للاتحاد الاوروبي مسلمون لكن غالبية الاتراك يؤيدون أيضا الفصل بين الدين والدولة. والمفارقة هي أن كلا من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والجيش يتمتعان بشعبية كبيرة.

تأتي الحملة الاعلامية التي تشنها صحيفة جمهوريت وهي تقليديا لسان حال المؤسسة الحاكمة فيما يتزايد التوتر بين حزب العدالة والتنمية والعلمانيين حيث يناور الطرفان قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر أن تجرى في العام القادم.

وقال ايهان سيمسك المحرر الدبلوماسي في صحيفة الاناضول الجديد التي تصدر بالانجليزية "ليس هناك شيء جديد جذريا بشأن الطريقة التي يدير بها حزب العدالة والتنمية الامور. لكن الانتخابات تلوح في الافق واردوغان في حاجة لتوصيل رسائل مناسبة لتنظيماته القاعدية."

وحاول حزب العدالة والتنمية المضي قدما في خطط تستهدف اعطاء التعاليم الدينية دورا أكبر في النظام التعليمي لكن جهوده لم تكلل بالنجاح. كما دافع بحماس عن رفع حظر على ارتداء الحجاب في الجامعات والمكاتب العامة.

وقال أكار الكاتب في صحيفة جمهوريت ان الامر "لا يتعلق فقط بالعمائم والمدارس (الدينية). انه هجوم أخطر بكثير على العلمانية في البلاد" مشيرا الى محاولات لتعيين أشخاص من ذوي العقليات الدينية في مناصب عليا.

واعترض سيزر على الكثير من تعيينات حزب العدالة والتنمية بسبب خلفيتهم الدينية على ما يبدو. وفي الشهر الماضي اعترض سيزر على المرشح الذي اختارته الحكومة لشغل منصب محافظ البنك المركزي وتردد أن سبب الاعتراض هو أن رئيس بنك اسلامي يعارض أسعار الفائدة.

والان يخشى العلمانيون ولاول مرة في تاريخ تركيا الحديثة أن يختار البرلمان رئيسا للدولة له خلفية اسلامية قوية. وسيكون رئيس من حزب العدالة والتنمية قادرا على تعيين أشخاص ذوي عقلية دينية مشابهة في المناصب العليا في مؤسسات الدولة.

ويتمتع حزب العدالة والتنمية بأغلبية في البرلمان تمنحه الفرصة لاختيار رئيس في مايو ايار 2007 عندما تنتهي فترة ولاية سيزر. ولن تجرى انتخابات برلمانية قبل نوفمبر تشرين الثاني 2007.

وتعتقد بعض وسائل الاعلام أن أردوغان الذي سجن ذات يوم لالقائه قصيدة دينية سيرشح نفسه للرئاسة.

لكن المحللين يقولون ان حزب العدالة والتنمية سيظل في حاجة للحصول على موافقة الجيش الذي يتمتع بنفوذ قوي كي يواصل اصلاحاته الحساسة.

كما يضيف المحللون أنه لا ينبغي للاقتتال السياسي الاحدث أن يضر بالانتعاش الاقتصادي القوي الذي يرجع أساسا الى احترام الحكومة الصارم لتعهداتها بالاصلاح التي قدمتها لصندوق النقد الدولي والمضي قدما في خططها للانضمام للاتحاد الاوروبي.

وكاد الحجاب أن يتحول مجددا للمرة الألف الى حرب بين الحكومة والعساكر الذين يراقبون بعصبية محاولات حزب رجب طيب اردوغان الحاكم لتهميش دورهم في الحياة السياسية في البلاد.

وللمرة التالية تخرج الصحافة التركية عن العرف الصحافي العالمي في مثل هذه الحالات وبدلا من نشر النبأ في صفحة داخلية وبأحرف صغيرة قامت جريدة «حرييت» الاوسع انتشارا والمقربة من الجيش بمانشيت رئيسي قبل ايام «بطلته» زوجة وزير الخارجية عبدالله غول التي يطلق عليها الأتراك تسمية «خير النساء» ليصبح «حجابها» الشاغل الاساسي للناس والصحافيين على حد سواء.

وتعود تفاصيل القصة الى القيود التي فرضتها تقاليد الدولة العلمانية التركية وتحريمها «الحجاب» في الدوائر والمؤسسات العامة بل في المستشفيات التي استقبلت زوجها غول بعد اصابته المفاجئة بعطب حساس في اذنه وبالتالي سمعه مما استدعى اخضاعه لعملية جراحية مستعجلة.

كان غول يرقد في الطابق السابع في المستشفى العسكري «غولخانه» المخصص بالأساس للقادة الكبار في الجيش ولكن منصب غول كنائب لرئيس الحكومة ووزير للخارجية اتاح له العلاج في هذا المستشفى العسكري الراقي.

ومع ان التوتر يسود العلاقة بين العساكر والحكومة وغول احد اقطاب حزبها الفاعلين، فان رئيس الاركان المنتهية ولايته في اغسطس المقبل كان اول من زار غول وكان اللقاء حميما وفق ما ذكرته وسائل الاعلام.

ولكن هذا الوئام بين الطرفين العسكري والمدني في الحياة السياسية التركية لم يدم طويلا وهبت عليه بشكل مفاجىء «زوبعة» افسدته وكادت تستفز صراعا جديدا بينهما يعقد علاقاتهما المعقدة اصلا منذ انفجار فضيحة الجنرال ياشار يويوك، حينما طلبت زوجة غول «خير النساء» زيارته في المستشفى الذي يعد دخول المحجبات اليه ممنوعا بمقتضى قرارات العساكر والجنرالات وهكذا وجد الطرفان نفسيهما في حلبة صراع جديد لم يستعدا لها، إذ أن غول يريد أن تكون «خير النساء» الى جانبه والجنرالات يرون في ذلك خرقا للقوانين التي تحظر «الحجاب» في الأماكن العامة التابعة للدولة حتى ولو كانت المستشفيات.

وتعقدت المشكلة بوجود زوجة الجنرال المتقاعد فكرت كوبلي «غير المحجبة» بالطبع في المستشفى نفسه الى جانب زوجها الذي خضع لعملية، فكيف تمنع زوجة نائب رئيس الحكومة من مرافقة زوجها ويسمح لزوجة الجنرال المتقاعد بذلك ولكنه القانون الذي يسري على الجميع، كما قال مصدر عسكري.

ولم يدم النزاع طويلا، وبدأت الوساطات «التلفونية» دورها ووصل الأمر الى رئيس الجمهورية احمد سيزار ورئيس الحكومة اردوغان وقيادات الجيش التي أوعزت بالسماح لـ «خير النساء» بدخول المستشفى لزيارة زوجها غول.

الشيء الذي لم يعرفه الكثيرون هو «ان الموافقة (العسكرية) على دخول (خير النساء) المحجبة الى المستشفى كانت مشروطة بوقت ليس فيه (ذروة) في المراجعين من المرضى والزوار» لأن «ثوابت العسكر هي ثوابت الجمهورية» تمنح بعض المرونة في التعامل معها حينما يرتبط الأمر بوضع انساني.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد  16/نيسان/2006 -17/ربيع الاول/1427