شعراء عراقيون يتغنون بالحياة ويسخرون من الحروب

 ستة دواوين لشعراء عراقيين تجاوزوا المشهد العراقي الماثل وسطروا مشهدا أسطوريا أطل فيه جلجامش الباحث عن عشب الخلود في أقدم ملحمة بشرية مكتوبة. وأهدى الشاعر أحمد ادم ديوانه (دواخل) الذي لم يره حيث اغتيل العام الماضي الى جلجامش "الذي رأى كل شيء". كما يقول في مطلع قصيدة (وحيدا بشمسه).. "في الارض التي تشبه الملح/نبتت للزهرة أجنحة. بها تلونت/وبها أقامت لسمائها يدا تشير باتجاه الاعالي."

 وفي قصيدة (المبرعمون) تعال على مأساة الفقد يصوره ادم في مشاهد يلعب فيها بالازمنة "نعد على الاصابع أفراحنا/نعد قتلانا بالحصى/فتبكي النساء/رجالا على خطى ابائهم. نلوذ بأمانينا للنخيل/ونقذف أسئلتنا في الماء/نتخطى أقدارنا غناء يفضح الموت... نحن الظاهرون حين نغيب/مشاؤون نتقن التعب. وبعد.. حين تلد الارض أسلافنا/نعد على الاصابع قتلانا/نعد أفراحنا المؤجلة بالحصى. هكذا نبرعم تاريخنا/ونحن راحلون."

وصدر ديوان (دواخل) بالقاهرة عن الدار المصرية اللبنانية في 131 صفحة من قطع متوسط صممه الفنان التشكيلي المصري محمد حجي للدواوين الستة التي أصدرتها الدار بالاشتراك مع دار (ديوان المسار) العراقية.

وباستثناء ديوان (ألوان باسلة) للشاعر علي حسن الفواز فان الدواوين الاربعة الاخرى فازت في (مسابقة ديوان للشعر) التي أعلنت نهاية ديسمبر كانون الاول الماضي ونظمها اتحاد ديوان الشرق-الغرب ببرلين ضمن أنشطة أول فرع عربي له ببغداد حيث خصصت الدورة الاولى للشعراء داخل العراق على سبيل الاستثناء نظرا لظروف الاحتلال الامريكي للبلاد في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات بعد حرب قادتها الولايات المتحدة لاسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين.

وتأسس (اتحاد ديوان الشرق-الغرب) عام 2002 كمؤسسة ثقافية ألمانية خيرية لا تهدف الى الربح وترأسه الشاعرة العراقية المقيمة في برلين أمل الجبوري. والدواوين الاربعة هي (النصوص فاكهة السواد) لرعد كريم عزيز و(عشب أرجواني يصطلي في أحشاء الريح) لمحمد صابر عبيد و(عشبة سومرية) لعلاوي كاظم كشيش و(صواريخ العائلة السعيدة) لعلي حبش.

 وتكونت لجنة التحكيم من الناقدين العراقيين فريال جبوري غزول أستاذة الادب الانجليزي والمقارن بالجامعة الامريكية بالقاهرة وحاتم الصقر أستاذ الادب العربي الحديث بجامعة صنعاء والشاعرين اليمني عبد العزيز المقالح والمصري عبد المنعم رمضان. ويرى رمضان أن دواوين المسابقة أتاحت له "رؤية قلب العراق الشاب عن طريق تجارب اجتمعت حول تشخيص حالة لا نعرف عمقها ولم نقدر بعد على الغوص بعيدا في اتجاه هذا العمق." وأضاف أن الشعر يقوم "في العراق تحديدا مقام النبوة. مقام الولاية. مقام الملك. مقام الخروج.

 ويقوم الشاعر مقام الكائن الذي لا نظير له. ولكن الحروب التي امتدت أكثر من عقدين من الزمان تبدو وكأنها جعلت انسان العراق على الفطرة كأنه في أول الخليقة فالرجل يبني الحلم ويصنع القصائد والمرأة تعمر الارض وتصنع الحياة.. هذا تمثال (التشكيلي الرائد 1919 - 1961) جواد سليم الضائع. ادم الشعر وحواء الوجود." ويقع ديوان عزيز (النصوص فاكهة السواد) في 30 صفحة وتدل قصائده العشرون شديدة الاختزال كما قالت فريال غزول على "بصيرة استثنائية" في تناول أفكار الحرية والحياة والحرب والعلاقات الانسانية. وديوان (النصوص فاكهة السواد) هو الوحيد الذي أجمع عليه المحكمون. ويقول عزيز في قصيدة (الهيكل العظمي أو محاولة للتبرير).. "كان له رأس/فقده في أول الحروب/لانه ماشارك بها. وكان له ذراعان/فقدهما في أول محاولة للتصفيق/لانه تعذر عليه أن يفعل ذلك. ولم يؤرقه غير عموده الفقري/بقابليته للانحناء/رغم ثبات القدمين."

 ويورد كشيش في صدر ديوانه (عشبة سومرية) سطرا من ملحمة جلجامش. ثم يقفز من الاسطورة الى العصر الحديث مناديا الشاعر الامريكي الذي لايزال من "مقدسات بلاده" والت ويتمان (1819 - 1892) في قصيدة (والت ويتمان) قائلا.."دم الزنوج في فنجان قهوتك/أيها الغريب عن العشب والحكمة... أيها الغريب عن البسطاء والملائكة/اختبيء وراءك. سأحرض العشب عليك وأحذر ولدي أبا القاسم من قصائدك المرقطة. أمريكا التي روضت انجيل خضرتك/لتزهر فيها أسفار اليورانيوم. أمريكا التي رتلت أغانيك للجنود الميكانيين. أمريكا التي تصب لك دم الزنوج في فنجان قهوتك الصباحية. أحذر ولدي أبا القاسم من أحلامها وعسكرة العصافير والازهار. أيها المغفل البتولي. أيها الساذج كصفصاف مانهاتن. عندي نخلة برية على ضفاف الفرات/ترتل ايات خضرتها. لقد أرضعتني الاغاني وظللتني. ربما أنكسر وأطيح ولكنها لن تدعك تشرب فنجان قهوتك من دمي."

وقال الصقر عضو لجنة التحكيم ان ديوان (عشبة سومرية) المكون من 62 صفحة يسحب الاسطورة العراقية التي ضمتها ملحمة جلجامش الى الحاضر وكأنه يسقط العشبة الموعودة التي تعيد الميت حيا على شواهد من حياته كما يمزج النثر بالوزن ويستعين بالعامية. ويقول كشيش في قصيدة (للحروب سواد ريبتها.. وأمي تتمر أولادا).. "مثلما أرضع ليمونة/أمسكت بحياتي كلها وقشرتها من الدبق والحروب. ولم أجد أمي.. تلك البعيدة وراء ليل عباءتها/الحزينة الفراتية النخلة التي تهتز فتتمر أولادا وتنش عنهم الحروب فتخذلها البساطة. قالت الحرب.. أنا أمهم. وقالت المدرسة والكتب والليالي والنايات والحقول.. نحن أمهاتهم. والبعيدة أمي شاعرة تقفي الدمع القمح وتدلي ثدييها كل غروب في التنور وتندب الزهراء. انهم أولادك يا مفجوعة. فاشفعي لهم. كانت الحروب تأكل ستائر أيامها والشجن الاخضر يغزوها.. يا رب لم أعطيتني اياهم.." ولعل لفظ الحرب هو الاكثر تكرارا في الدواوين الستة وفي عنوان القصائد كما في قصيدة كشيش (لن أطيل عليك الحروب) وقصيدة (أنا عاطل عند حدائق الحرب) التي يفتتح بها الفواز ديوانه (ألوان باسلة) ويقول في بعض سطورها.. "الحرب ليست حربنا/لكنها أخذت أعمارنا للتجوال واللهاث والكلام المسلوق بالاكاذيب. أدمنتنا كأسمائنا وعويل الامهات/فماذا سنفعل من دون تلك الحرب... الحرب أخذت ثيابها القديمة وأسماء العائلة. حملت زوادتها أسماءنا. أعطتنا عناوين مغشوشة وجبالا من هواء... علمتنا أننا مؤجلون للموت الوطني." 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 10/نيسان/2006 -11/ربيع الاول/1427