9-4 ذكريات (سقوط النظام) أو ( سقوط الصنم) أو (سقوط بغداد)

 لا تزال ذاكرة العراقيين عموما والبغداديين خصوصا تختزن العديد من الذكريات والمشاهد الخاصة بيوم سقوط النظام في التاسع من أبريل نيسان 2003 الذى يوافق يوم الاحد، ويختلفون في تسميته من (سقوط النظام) أو ( سقوط الصنم) أو (سقوط بغداد).

وينفرد أهل بغداد بالعديد من الذكريات الخاصة بذلك اليوم لكون عاصمتهم شهدت أكثر المعارك ضراورة بين القوات العراقية التابعة للرئيس العراقى السابق صدام حسين وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.

ويبدو أن سقوط تمثال الرئيس المخلوع صدام حسين أو كما يسمى في العراق (سقوط الصنم ) هو أكثر مشهد يشترك فيه العراقيون من ذكريات عن تلك الايام، فعلى الرغم من اختلافهم في ما تختزنه ذاكرتهم وتنوعها ما بين مشاهدة وتذكر أمور عدة يتفق البغداديون على أن إسقاط تمثال صدام والمتمركز في ساحة الفردوس في ساحة الاندلس وسط بغداد كان أكبر مشهد مؤثر فيهم ايجابا أو سلبا على الرغم من أن ساحة الفردوس لم تكن الوحيدة التي بها تمثال أو جدارية لصدام حسين.

ولكون الاقمار الصناعية (الستالايت) كانت ممنوعة في عهد صدام وكانت تصل عقوبة من يمتلكها للسجن المؤبد او الموت ولسبب انقطاع التيار الكهربائي عن معظم مناطق بغداد، فقد شاهد معظم أهالي بغداد والمناطق الوسطى والجنوبية المشهد من خلال قناة العالم (تابعة لايران) والتي كان يصل بثها الى بغداد يومها وباستعمال بطارية السيارة لاشغال التلفاز، وهناك من شاهد المشهد بعينه فيما عدا المناطق الشمالية والتي شاهدت المنظر من خلال الستالايت لكون مناطقهم كانت تتمتع بالحكم الذاتي.

وتقول أم فارس (من سكنة شارع 52) لوكالة (أصوات العراق) "لا أصدق نفسي عندما أتذكر تلك الايام وكم كانت مخيفة، وأصوات الطلقات المتبادلة بين المقاومة العراقية والقوات الاميركية، لكن أكثر ما أتذكره مشاركتي مع الجيران في مشاهدة كيفية إسقاط تمثال صدام في ساحة الفردوس."

وتابعت "فرحت جدا وقتها لتصوري أن الوقت قد حان لنحيا حياة تشبه البشر، لكني الان أدرك أني كنت مخطئة إذ جاءت أيام أسوأ" .. مشيرة الى اضطرار اثنين من ولديها للسفر للخارج بحثا عن الامان وفرصة العمل وهربا من القتل على الهوية.

وزادت "عبثا حاولت منع أولادي من الذهاب مع أصدقائهم الى الساحة لانها لاتبعد غير مسافة نص ساعة سيرا على الاقدام، لكنهم صممو اعلى الذهاب ورؤية ما يجري هناك."

وتدخل ابنها الاصغر عدي قائلا "تسابقت مع أخوتي واصدقائي للساحة وهناك كانت تقف دبابة أمريكية وعدد من الجنود، وكنا لانزال نسمع صوت الاطلاقات هنا وهناك، حاولوا إسقاط الصنم لكنه كان ثقيال فربطوه بسلسلة لسحبه، وتمكنوا من ذلك بعد وقت استغرق نصف ساعة لكن ظلت رجليه عالقة في الصبة التي يرتكز عليها."

وأضاف "وما إن تم انزاله حتى تسابق الناس لضربه وشتمه والبصق عليه وكأنما هو شخصية حية يحاولون الثأر منها، تاثرت للمشهد وتسمرت في مكاني لا أعرف ماذا أفعل، ولا اخفيك سرا لم أكن واثقا من سقوط صدام، لتجربتنا السابقة مع أمريكا في حرب الخليج عام 91 وكنا نتصور أن الامور مجرد وهم."

ويقارن بين أيام صدام والايام الحالي قائلا "على الرغم من أن الان الظروف أسوأ الا أنه تبقى أفضل بعدم وجود دكتاتور."

وفي حرب الخليج عام 1991 لتحرير الكويت شهدت معظم المحافظات الجنوبية والشمالية سقوط المؤسسات الحكومية وتصور الناس أن نظام صدام سقط الا أنه وبعد أيام من وقف الحرب عاد صدام واسترجع سلطته على المناطق الجنوبية وهو ماجعل الناس غير مصدقة بوعود امريكا من إزالة النظام.

ويبدو أن عدم تصديق ما كان يسمع ويقال هو ما دفع ليث خليل (من أفراد الحرس الجمهوري – سكنة كمب الارمن ) هو للتوجه الى الساحة لرؤية السقوط، وقال "التزمت بالدوام أيام عسكريتي أثناء الحرب رغم فرار العديد إلا أن عدم ثقتي من إسقاط أمريكا لصدام وخوفي أن تنتهي الحرب ويستمر صدام بوجوده وبالتالي محاسبتنا بالموت على فرارنا جعلني التزم بالدوام، لكن في هذا اليوم كان الوضع يختلف."

وأوضح "الآمر (قائده المباشر) فر وابلغني انه لايتحمل مسؤوليتي ونصحني بالذهاب للبيت، وعندما سمعت العلوج كما كان يسميهم الصحاف (وزير الاعلام العراقي انذاك) وصلوا للفردوس ذهبت لارى وأتاكد بأم عيني مما يحصل."

ويصمت برهة ثم يكمل ونظراته شاردة "فرحت لمنظر سقوط التمثال لا لشيء إلا لانه تعويض لنا نحن الشباب مما أذاقه لنا الطاغية، لو كنت شابا لعرفت مذلة العسكرية وكيف كان يتم التعامل معنا ، وكيف هدرت أحلى أيام العمر هربا من الجيش الشعبي، وجيش القدس وغيرها ، ولكنت تذوقت المذلة من عدم قدرة رواتبنا على توفير معاشنا ومتطلبات الامر لمنح الاجازة لنا."

ويبدو أن ما عاناه ليث في أيام النظام السابق جعله يشعر بالتفاؤل من أن الامور ستكون أفضل في المستقبل على الرغم من سوء الظروف الامنية الان.

بعض أهالي الرصافة كانوا قريبين من المكان الذي شهد إسقاط التمثال، الا أن أهالي الكرخ لم يتمكنوا من مشاهدة الحدث بأم عينهم وأكتفوا بالمشاهدة من خلال التلفاز إضافة الى أن قرب بعض المناطق من مطار بغداد وهي التي المنطقة التي شهدت المعركة الحاسمة بين القوات العراقية والتحالف منعت معظم الاهالي من معرفة ماذا يدور حولهم.

وهنا تقول أميرة (سكنة اليرموك) "لا أريد استرجاع تلك الايام السوداء والرعب الذي كنا نعيش فيه واضطرارنا للتجمع في غرفة واحدة مغلقة."

ثم توقفت عن الحديث لحظات وقالت بعدها بعصبية بادية على ملامحها "عن أي سقوط يتحدثون؟ وأي تحرير؟ وهل نحن أفضل إن كنا فى تلك الايام نتجمع في بيوتنا خوفا من الرصاص، فاليوم وخوفا من كل شيء نكون في البيت منذ الساعة السادسة كالدجاج."

لكن أخوها سمير يقول وهو يشير لاخته "أنا لم أكن أختبأ مثلها بل كنت انتهز الفرصة وأغافل والدي للخروج ورؤية ما يجري، ولن أنسى ما حييت منظر جنودنا والحرس والفدائيين وهم يفرون وينزعون ثيابهم لكي لا يستدل عليهم من قبل الامريكان وتوسلهم بمن كانو يرونه من أهالي المنطقة لاعطائهم ملابس لكي يرتدوها ويصلوا لاهاليهم."

وتابع "تصوري بعضهم لم يكن يملك حتى دينارا ليستأجر سيارة او أي وسيلة ليصل الى أهله، مما دفعه للتوسل من الناس والتسول للحصول على المال."

ويشيد سمير بموقف بعض أهالي منطقته والذين أثرو البقاء في بيوتهم أثناء الحرب وعدم مغادرة بغداد كغيرهم ويقول "للامانة حاولنا مساعدتهم واعطائهم ما تيسر من ثياب ومأكل ونقود لكن أعدادهم كانت كثيرة وبقي قسم منهم بثيابه الداخلية، ثم سمعنا بسقوط النظام أو سقوط بغداد، لافرق لدي لان بغداد هي الان ساقطة، ومايجري في الشارع من ذبح وقتل وأنفلات هو أكبر دليل على ذلك."

وختم قوله "لاداعي للتفلسف، سقوط صدام أو سقوط الصنم أو سقوط بغداد كلها مرادفات لكلمة واحدة."

في حين يقول ثامر وهو يشير للشارع الذي شهد أشد المعارك (شارع المطار بالقرب من جامع أم الطبول ) "هنا كنا نعيش في جحيم حقيقي صوت الطائرات وهي تقصف والقاذفات والاطلاقات والجثث المرمية في الشارع وأنين الجرحى والمصابين وصرخات الاستغاثة والتي لم نكن نعرف مصدرها كنا نسمعها فقط وبعدها لم نرى الا السواد في الشوارع، حتى أشجار النخيل كانت سوداء ، وبالرغم عن ما يقال حول معركة المطار وما يكتنفها من غموض يظل لا أحد يعرف حقيقة ما جرى وماتم استعماله حينها كل الذي نعرفه السواد المنتشر في كل مكان وقتها."

ومنظر سقوط التمثال ان كان قد أشاع الفرحة في قلوب البعض، فإنه اشاع أيضا الحزن والتشاؤم في قلوب اخرين، أبو سيف من الاعظمية يقول"بكيت يوم رؤيتي منظر الدبابات الامريكية تجول في الشوارع، وتمزقت حزنا لرؤيتي التمثال ومحاولة الرعاع إسقاطه، الا يفهمون أنه كان رمز العراق وليس رمز شخص، بسقوطه سقطنا نحن أيضا، فبسقوطه سقطت الحكومة والمؤسسات والمراكز وسقط كل شيء."

وتابع "وسقطنا نحن في دوامة العنف الطائفي، والقتل على الهوية، والاختطاف والسلب، والتسابق لخدمة العملاء والخونة."

وتساءل "بربكم هل كان سيحدث هذا كله لو لم يسقط التمثال؟".. وهنا استدرك قائلا "طبعا أنا لم أحزن على صدام كشخص و لا أقول أن النظام كان جيدا لكنه كان أفضل من الان، وكنت سافرح بالتأكيد لو أن العراقيين قامو بتغيير النظام ، وليس الرعاع القادمين من الغرب ومعهم العملاء."

وتتفق معه زوجته بقولها "ما الذي جنوه بعدها، هللوا لسقوط تمثال، واليوم يندبون ويلطمون لشيء و للاشيء، واليوم يترحمون على أيام ما يسموه الدكتاتورية."

ويبدو أن سقوط التمثال لم يكن ماتختزنه ذاكرة العراقيين فقط بل الاميركان وحكومتهم أيضا واعتبار ذلك "منجزا عظيما."

فقد صرح يوم أمس السفير الامريكي ببغداد زلماي خليل زاد وقائد قوات التحالف في العراق الجنرال جورج كيسي بمناسبة ما سموه " الذكرى الثالثة ليوم حرية العراق" عن ماتم إنجازه من ذلك اليوم للان.

وتطرقا للتمثال المنتصب في ساحة الفردوس بقولهم في بيان صدر عن السفارة الامريكية ببغداد "وفي هذا اليوم في عام 2003 تمكن العراقيون بمساعدة جنود المارينز من اسقاط تمثال الرئيس العراقي السابق صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد. ولم يكن هذا العمل رمزيا فقط لانه كان يدل على الديمقراطية الوليدة التي ما برحت تنضج في العراق."

وعلى الرغم من سقوط التمثال قبل ثلاث سنوات واختلاف العراقيين في تفاعلهم مع ماحدث، الا أنهم يتفقون أيضا في التفاؤل بالتطلع للمستقبل والذي يتمنون أن يحمل لهم الافضل، فهل سيتحقق لهم مالم يتحقق في ثلاث سنوات مضت؟. 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد9/نيسان/2006 -10/ربيع الاول/1427