الذكرى الثالثة للحرب الثالثة.. ارقام قياسية وتكاليف باهضة وآثار كارثية

لا يخفي الكثير من العراقيين سعادتهم بالتخلص من كابوس نظام حكم صدام حسين ولا أن شعورا بالفرحة غمرهم عند سقوط نظامه.. الحرب الثالثة في ذكراها الثالثة التي تمر هذه الأيام حملت بعض الظواهر في الحياة العراقية اللافت فيها ان حجمها وترتيبها قد أهلها لان تمثل أرقاما قياسية لم تشهدها أماكن عديدة من العالم ، وكانت بالأمس حكرا على جهات أخرى دون غيرها.

لا أحد يعرف كم كلفت هذه الحرب العراق ليس فقط من الناحية المادية وانما أيضا من الناحية الصحية والاجتماعية .. ولا أحد في ذات الوقت يخالجه أي شك أن الشعب العراقي وحده هو الذي يدفع الثمن.

العراق الذي لم يكن بعرف مشكلة المخدرات أصبح مصنفا الان في خانة المستهلك.

يقول تقرير صادر عن اللجنة الوطنية العراقية لمكافحة المخدرات ان نشاط مهربي المخدرات ينحصر بثلاثة منافذ مع دول الجوار هي ايران بشكل خاص وسوريا والاردن، واصفا الوضع عند حدود كل من تركيا والسعودية بـأنه الافضل.

كشف التقرير ان اكثر مدينتين يجري ترويج المخدرات فيهما هما بغداد العاصمة وكربلاء التي تستقبل اعدادا كبيرة من الزوار الاجانب وبخاصة الايرانيين.

معظم عمليات الاتجار بالمخدرات تتم مع إيران والأردن وسوريا فيما أبدت السعودية وتركيا تعاونا ملحوظا بمنع المتسللين عبر حدودهما.

يضيف التقرير أن العراق اعتبر في السابق معبرا فقط للمخدرات من البلدان المنتجة إلى البلدان المستهلكة، إلا أن الدلائل تشير إلى أنه (العراق) أصبح الآن في خانة المستهلك

حيث ان عدد المسجلين كمدمنين على المخدرات بلغ 2080 حسب احصائية غير رسمية .

مشكلة المخدرات في العراق تفاقمت بفعل موقعه الجغرافي الذي يربط دول شرق آسيا بدول أوروبا والخليج.الأولى من أكبر المناطق المنتجة للمخدرات فيما الثانية مستهلكة رئيسية لهذه السموم.

وبما أن المخدرات تزرع في بلد وتصنع في بلد آخر ليتم ترويجها بأشكال مختلفة، لذلك يتم اكتشاف أشكال جديدة من حيل وطرق التهريب كل يوم وبالمقابل كلما اكتشفت طريقة استبدلها المهربون بحيلة وبطريقة أخرى .

يقول التقرير ان المخدرات دخلت الى العراق بسبب الحدود المفتوحة وقلة الضبط الأمني وانشغال قوات الأمن بمسائل أخرى تعد أكثر أهمية في ظل هذه الأوضاع رغم خطورة مشكلة المخدرات وتأثيرها بشكل مباشر على الوضع الأمني.

المرض الفتاك و الاخطر هو الايدز ( نقص المناعة ) الذي يعاني منه العراق بامكانياته المحدودة.

في زمن صدام حسين، كان العراق بلدا مغلقا باستثناء وجود بعض الشركات والعمال الاجانب. ولكن بعد سقوط النظام، اصبح البلد مفتوحا امام الاستثمارات الاجنبية وفتح الحدود وزاد تدفق الوافدين الاجانب بدون رقابة في ظل انشغال المسؤولين بأمور اخرى.

بلغت نسبة الاصابات بمرض الايدز جراء شحنة بلازما الدم من الشركة الفرنسية ( ماريو ) عام 1982 ما اجماليه 189 وتكتم النظام السابق على الامر وفرض تكتما على المواضيع المتعلقة به.

مصادر صحية تقول ان عدد المصابين الان بلغ 450 مصابا بالايدز على اقل تقدير .

وزارة الصحة تسعى الى تخصيص اربعة مليارات دولار لضمان عدم انتشار المرض ولكي لا يتحول الى وباء في العراق.

وفي سعي الحكومة الحالية للحد من انتشار المرض وضعت الخطط والبرامج لفحص المتبرعين بالدم و المتزوجين الجدد و المرضى المصابين بالسل و الحوامل و المرضى الذين يعانون من امراض جنسية، وكذلك فحص الوافدين والسجناء.

قامت الحكومة بتوفير الرعاية الصحية المجانية للمصابين بهذا المرض مع منحهم 50000 دينار عراقي ( 34 دولارا) مخصصات شهرية لسد مصاريفهم واحتياجاتهم مع صرف مبلغ 100000 دينار سنويا بدل ملابس.وكذلك قرار مجلس الوزراء زيادة المخصصات الشهرية للمرضى وجعلها 200 دولار شهريا، .

كما تقوم وزارة الصحة باعطاء الموانع الجنسية مجانا وايواء المصابين المشردين في ملاجيء خاصة الى جانب استحداث مركز المعلومات حول فيروس اتش آي في المسبب للايدز. وهناك خطة لبناء 17 مركزا من هذا النوع.

وأفادت دراسة أجراها البروفيسور الأمريكي جوزيف ستيجليتز الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد أن حرب العراق ستكلف الولايات المتحدة نحو ألفي مليار دولار أمريكي. ويقول ستيجليتز، إن ثمن الحرب يصل إلى هذا القدر العالي بسبب اعتبار عدد من النفقات لا يريد المسؤولون السياسيون حسابها، مثل ثمن المعالجة الطبية مدى الحياة لأكثر من 16 ألف مصاب أمريكي في العراق. كما أن عدد الذين سيتأثرون جسدياً ومعنوياً بمضاعفات الحرب سيزداد حتماً. وتقدر الإدارة الأمريكية تكاليف الحرب حتى الآن بنحو مائتي مليار دولار.

لكن أحدا لم يقدر كم كلفت هذه الحرب وآثارها العراق.

وزارة التخطيط والتعاون الانمائي في خطتها التنموية للسنوات الثلاث المقبلة، اشارت الى ان هناك نمواً اقتصادياً في العراق بمعدل يتجاوز %30، بالرغم من بقاء البطالة عند مستواها، وأوضح أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي يتطلب سياسة نقدية سليمة ترتكز على الاستقرار السعري وتتسم بالشفافية، مع وجود صرف مرن من قبل بنك مركزي مستقل.

الاقتصاد العراقي «بدأ باستعادة نشاطه منذ سنة 2003، فتضاعف الناتج المحلي الاجمالي من حوالي 15 مليار دولار لعام 2003، الى 31.7 مليار عام 2004»

لكن الخطة، أوضحت أن هذا الناتج «مقيد بالانخفاض المتوقع في معدلات انتاج النفط» ، وتوقعت وزارة التخطيط في خطتها التنموية أن يكون«نمو الناتج المحلي الاجمالي بحدود%4، وهو أقل بكثير عن معدل النمو المستهدف من قبل برنامج مساعدات الطوارئ، والبالغ %17»

كذلك أوضحت أن «الناتج المحلي غير النفطي يقدر بـ %40، وسيبقى قوياً الى حد ما، وهذا يعود بشكلي كبير الى استمرار الاستثمار في البنى التحتية والخدمات، بالرغم من حالة التردد بسبب الظروف الأمنية» وتابعت أن «تحسين الظرف الأمني يرافقه زيادة كبيرة في تدفق المساعدات، بما يساعد على توليد طلب محلي أقوى.. وتحقيق نشاط أكبر في القطاع غير النفطي»

العنف المستشري في العراق ادى الى هجرة الكفاءات العلمية والتخصصية بعد مقتل العديد منهم، اذ تشير احصاءات الى مقتل اكثر من 182 شخصية علمية من أطباء ومهندسين واساتذة جامعات وكوادر متخصصة، اضافة الى مقتل الالاف من المدنيين حيث تشير الاحصاءات الى مقتل ما يقارب 30 الف عراقي خلال السنوات الثلاث الماضية وتعرض أكثر من الفي امرأة للخطف والاعتداء والقتل، وزادت نسب البطالة الى أكثر من %70 وفقا لاحصائيات غير رسمية.

في مقارنة اقرب ما تكون مفارقة بين العراق والعالم اجمع ، أجرتها صحيفة (الواشنطن بوست) الامريكية مؤخرا حول عدد العمليات الانتحارية ، فان العراق قد شهد أكثر من 400 عملية انتحارية في غضون ثلاثة أعوام من الحرب مقارنة ب 385 عملية انتحارية في كل العالم من عام 1980 الى عام 2003 ، أي بداية الغزو الأمريكي.

الرقم العراقي في ثلاث سنوات منذ عام 2003 فاق الرقم العالمي للعمليات الانتحارية في أكثر من 20 سنة.

على صعيد آخر ، تقول الأرقام ان ماكينة القتل الذي طال المواطنين العراقيين منذ انتهاء العمليات الحربية في آيار مايو 2003 تحصد يوميا أرقاما متصاعدة ،وبحسب تقرير منظمة (إحصاء ضحايا الحرب في العراق) الذي صدر حديثا في ذكرى الحرب الثالثة ، فان معدل سقوط ضحايا عراقيين في العام الثالث للحرب يقارب 40 شخصا يوميا ، وان شهر آب أغسطس لوحده من العام الماضي شهد سقوط أكثر من 2000 قتيل.

وهذه الأرقام تمثل ما اٌعلن رسميا ، أو ما يتم تغطيته وتسجيله من أحداث القتل في وسائل الإعلام أو الجهات ذات العلاقة ،أما العدد الحقيقي فهو ضعف ذلك بحسب رأي المتابعين والمحللين ، وربما المواطن البسيط.

وكانت مجلة (لانسيت) الطبية الأمريكية قد نشرت في عام 2004 دراسة أشارت فيها إلى سقوط نحو 100 ألف قتيل منذ بدء الحرب على العراق ، فيما أعلن الرئيس الأمريكي بعد عام سقوط 30 ألف قتيل ليعلن الناطق باسم البيت الأبيض ان الرقم الذي اعلنه بوش اعتمد على مصادر غير رسمية!

وفي مسلسل القتل الذي يميز دموية المشهد العراقي اليوم ،وبعد ثلاث سنوات على الحرب، يبرز رقم آخر أصحابه هم الباحثون عن الحقيقة من الصحفيين والإعلاميين ليصبح العراق بحسب الواقع قبل كل شئ وتقارير المنظمات الإعلامية الدولية اخطر مكان في العالم بالنسبة لتواجد الصحفي إذ قتل أكثر من 65 صحفيا أو 79 بحسب تقديرات أخرى . وهذا رقم آخر في سجل الأرقام القياسية التي اختبرها العراق في ثلاث سنين.

كما ان أرقام القتل القياسية التي منحت العراق مرتبة السبق تمتد إلى شريحة أخرى حصد منها 400 قتيل وهاجر منها أكثر من 2500 خلال السنوات الثلاث الماضية ، وهم شريحة الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات وغيرهم من الكوادر والنخب العلمية بشكل تجاوز حدود المؤشرات الطبيعية بحسب التقارير الدولية والمحلية بهذا الشأن.

وتأتي الطفولة في العراق لتأخذ مكانها في الصدارة إلى جانب الظواهر الأخرى التي اقترن مصيرها بتداعيات الحرب..وهذا تقرير صدر في بداية الشهر الحالي عن جمعية الأطباء النفسيين في العراق يقول إن الغزو الأمريكي للعراق قد اثر بشكل كبير على ( النمو النفسي ) لعدد كبير من الأطفال العراقيين."

ويوضح التقرير ان " 92% من الأطفال العراقيين يعانون من إعاقات في التعلم والمعرفة بسبب الخوف وعدم الاستقرار الأمني في عموم البلاد لاسيما أولئك الذين يعمل ذووهم في سلك الشرطة والجيش أو من أصحاب الشهادات العلمية والمدراء وما شاكل."

ويصل التقرير الى اخطر نتيجة توصل إليها الباحثون وهي ان " 50% منهم في حالة حرجة قد تؤدي بهم الى حالة من الاضطراب العقلي إذا لم يتم معالجتها بجدية."

ويذكر في هذا السياق ان تقريرا سريا صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قبل الحرب توقع ان 30% من أطفال العراق دون سن الخامسة سيكونون معرضين لخطر الموت.

وظاهرة البطالة بين الشباب في العراق مثلت رقما قياسيا آخر بحسب النشرة المتخصصة الصادرة عن المعهد الدولي للتخطيط التربوي لعام 2005، إذ وصل هذا الرقم الى 55% من مجموع الشباب الخريجين في المرحلة الثانوية بسبب عدم التحاقهم بالتعليم العالي نتيجة تداعيات الوضع السياسي والأمني وسوء الإدارة.

وعلى ذكر سوء الإدارة ، مثلت ظاهرة الفساد الإداري نسبة جعلت العراق يحتل موقعا " رياديا " بين دول العالم الموبؤة بهذه الظاهرة .

وحسب تقرير الفساد العالمي لعام 2005 الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية فان العراق "يشهد ظاهرة من الفساد الإداري هي الأكبر في التاريخ المعاصر" ،وعمليات إعادة البناء والاعمار هي" أضخم مشروع للنهب والفساد في التاريخ."

ووفق هذا التقرير فان العراق أيضا هو الدولة العربية الأكثر فسادا ويحتل مركز الصدارة عالميا بترتيبه ال 129.وهو رقم قياسي لم تصله الدولة العراقية منذ تأسيسها إلا بعد ثلاث سنين من حرب التحرير.

ويضيف التقرير ان ما يتعرض له العراق من نهب لموارده وثرواته غير مسبوق في التاريخ ويشمل كافة القطاعات بما فيها قطاع النفط وقطاع الإنشاءات والمقاولات..فالفساد المنتشر في قطاع المقاولات والإنشاءات يكاد يكون أكثر عمقا ووضوحا خلال عمليات إعادة البناء."

والملفت للنظر في ظاهرة الفساد الإداري في العراق هو دخول شركات أمريكية في صنع هذه الظاهرة ودفع العراق الى ان يكون هو صاحب السبق بين العالم في حجمها وانتشارها. وقضية اختفاء تسعة مليارات دولار في عهد الحاكم بول بريمر دون ان يجد لها احد أثرا لحد الآن ، فضلا عن 100 مليون دولار أخرى في الجنوب ، لازالت مثالا بسيطا لهذا الوباء.

وهناك مفارقة في هذه السياق ذكرها خبير تتعلق " بنشاط اقتصادي لا مثيل له في كل بلدان العالم من حيث حجمه وآلية تنفيذه على الأقل" كما قال .

ويوضح " هناك مقاولات تعطى من الباطن سببت ضياع الملايين من الأموال ، فالشركة الحاصلة على مشروع معين تقوم بإعطائه من الباطن إلى شركة أخرى أو مقاول آخر ، وهو بدوره يعطيه لآخر ، حتى يصل الأمر إلى ان المقاول الأخير لا يعرف مصدر المقاولة الرئيسي."

ويضيف "هذه السلسلة من المقاولين قد وصلت في بعض المشاريع إلى 40 مقاولا وهو رقم لا تجده في أية عملية اقتصادية في أي مكان من العالم ، فضلا عن سلبياته على المشروع الاقتصادي."

إنها مجرد حلقات معدودة في سلسلة الظواهر التي مثلت ، من حيث طابعها السلبي والتشاؤمي، أرقاما قياسية على المستوى العالمي في غضون ثلاث سنين مرت على عراق ما بعد الحرب الأمريكية البريطانية..وإذا كان من ظواهر تقف على الضد منها ، بإيجابيتها وحلاوتها ، فإنها موجودة بلاشك ، لكنها ليست الغالبة على حياة العراقيين في ظل الأوضاع التي يعيشونها ، وهذا قدرهم منذ أجيال وأجيال.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 26/اذار/2006 -25/صفر/1427