بعد ثلاث سنوات من العنف والدم صحفيون عراقيون يفكرون في هجر مهنتهم

 لو قال أي صحفي عراقي أو صحفي أجنبي يعمل في العراق إنه يفكر في هجر مهنته والبحث عن سبيل آخر لكسب العيش ،فلا ينبغي أن يلومه احد ..بل يجب أن يلتمس له العذر ،وخاصة بعد ان أصدرت لجنة حماية الصحفيين في امريكا تقريرا يقول إن العراق هو الاكثر قتلا للصحفيين وإنه قتل في العراق منذ مارس 2003 نحو 80% من الصحفيين والإعلاميين المساعدين الذين لقوا حتفهم أثناء آدائهم مهامهم حول العالم.

وقال بيان للجنة صدر من مقرها في الولايات المتحدة في الايام القليلة الماضية إن "ما لا يقل عن 76 صحفيا و 42 إعلاميا قتلوا في العراق منذ مارس 2003 ليكون بذلك الصراع الأكثر قتلاً للإعلاميين في التاريخ الحديث."

وشهدت الفترة الأخيرة تسارعا في وتيرة استهداف الصحفيين العراقيين بعد تعرض عدد كبير منهم للاعتقال والضرب والخطف..والأدهى و الأمر مسلسل القتل الذي بدأ و لا أحد يعرف متى يتوقف.

ثلاثة أعوام من المخاطر الحقيقية والمباشرة في الشارع لم يشهد مثلها الصحفي العراقي حتى في زمن المطاردة من قبل النظام السابق..فماذا يفعل الصحفي في بيئة تتسم بالعنف..هل يبقى مكتوف اليدين أم يحاول أن يحمي نفسه، وما هي الضمانات التي تقدمها مؤسسته للحفاظ عليه.

يقول أحد الصحفيين لاصوات العراق الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية" لقد فكرت سابقا بالتخلي عن هذه المهنة في ظروف أقل وطأة و لكنني كنت أقول لنفسي ، لا بد من إيصال صوت العراق للعالم و لا بد من التضحيات في هذا المضمار.. أنا لا أقول هذا من باب البطولة و لكن لأنني مؤمن بالرسالة التي أحملها."

ويضيف " حقيقة أنا ضد مبدأ حمل السلاح من قبل الصحفي الذي سلاحه القلم ولكن أنا أتبع مجموعة من الوسائل التي أفترض أنها توفر و لو جزءا بسيط من الحماية المطلوبة."

ويستطرد موضحا " أولا.. أغير طريق العمل سواء في الذهاب أو الإياب وكذلك عدم الذهاب إلى العمل في وقت محدد أو ساعة معينة من اليوم..و ثانيا عندما يقع أي حادث في أي منطقة من بغداد فإنني أحاول أن لا أذهب إلى المكان إذا كانت المنطقة من المناطق الساخنة و اكتفي بالاتصال بالمصادر المتوفرة."

ويتابع " ثالثا بالنسبة لهويتي الصحفية (الباج) والتي تثبت أنني أعمل في مجال الصحافة ، لا أبرزها في الشارع لأي رجل أمن عراقي مهما كانت الظروف لأنني لا أعرف إذا كان رجل أمن حقيقيا أم مزيفا."

ويسترسل "رابعا وهو أخطر موضوع ،أنا أتحاشى أن أغطي مواضيع قد تثير حساسيات لدى أطراف معينة وأعيد التفكير فيها مرارا قبل أن أقدم عليها كما إنني أقف عند كل كلمة استعملها.

فمثلا ،يواصل الزميل شكواه، "لا أستطيع استعمال كلمة انتحاري أو حتى كلمة استشهادي لأن الجهات المتنازعة في العراق قد تعتبر المسألة ضدها ..فالجأ إلى قول شخص فجر نفسه."

وحول الضمانات التي تقدمها مؤسسته يقول " هناك تأمين على الحياة و لكن ما فائدته إذا فقد الإنسان حياته و بالنهاية فهو ليس لي بل لأسرتي."

ويقول صحفي آخر يعمل في محطة تلفزيون ممولة من الدولة "بالنسبة لي فأنا حقيقة أحمل السلاح لأنني مستهدف منذ زمن و ليس في هذه الموجة من الاستهداف.. ومع ذلك فانا أحاول قدر الامكان إتباع أساليب في العمل أعتقد أنها توفر لي أمنا."

ويضيف " أخطر ما في مهنتنا هو أن تكون مراقبا أي مبلغين في وحول المكان الذي تعمل فيه ،لذا فأنا لا أحدد وقتا لقدومي للعمل ولا أخبر أي أحد حتى زملائي عن وجهتي ، كما إنني أحاول أن أغير سيارتي باستمرار لكي لا يعرفها أحد فيتبعها ، وكذلك فأنا لا أعمل في كل مناطق بغداد بل هناك أماكن أحس أنني فيها بأمان أذهب إليها."

وعن الضمانات المقدمة له ولزملائه يقول "ليس هناك أي ضمانات مالية كما هو حال المؤسسات الأجنبية و لا نعرف لماذا أسلوب التعامل هذا مع الصحفي العراقي من قبل المؤسسات العراقية و نتمنى أن يتغير هذا الأمر ويعاد النظر في الأمر لأننا في كل يوم نضحي بحياتنا لا من أجل الشهرة أو المجد فنحن نضع أكفاننا على أكتافنا و لكن من أجل أن يعرف الناس الحقيقة."

وهناك صحفيون لديهم هموم وهواجس أخرى غير التي يفكر فيها الصحفيون في بغداد ، كما هو حال الصحفيين في كردستان إذ يقول أحد الزملاء العاملين في السليمانية إن "الخطر الأكبر الذي نخشاه ليس الموت أو الاختطاف بل هو الضرب و الاعتقال كما حصل في حلبجة يوم السادس عشر من هذا الشهر لأحد الزملاء الذي كان يغطي الأحداث مباشرة عبر الهاتف."

واضاف "همنا الأول و الأخير هم الأجهزة الأمنية و الأحزاب المسيطرة في كردستان . فنحن نفكر مليا قبل أن نتجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها المؤسسات الحاكمة في المنطقة."

ويقول "لكننا نعاني نفس المسألة من حيث عدم وجود تأمين على الحياة أو اهتمام بالصحفي أو حقوقه."

ومن جانبه ،قال رئيس تحرير إحدى الصحف المحلية إن "الصحفي العراقي يفتقد الحصانة والقوانين التي تحميه و كذلك الضمانات التي يجب توافرها لأسرته في حال تعرضه لأي مكروه."

وبين هذا وذاك..يبقى الصحفي في العراق حائرا بين مطرقة البحث القاتل عن الحقيقة ..وسندان الثمن الذي يمكن أن يدفعه إذا حصل على الحقيقة ثم نشرها كاملة.

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 25/اذار/2006 -24/صفر/1427