بوش يبدد المخاوف من حرب اهلية ويعد العراقيين باستراتيجية.. تطهير وسيطرة وبناء

تعهد الرئيس الامريكي جورج بوش الا تتخلى الولايات المتحدة عن العراق وحاول تهدئة مخاوف الامريكيين من ان اعمال العنف الطائفي والهجمات التي لا تلين مستهدفة القوات العراقية والامريكية على السواء قد تتطور الى حرب اهلية طاحنة.

وفي كليفلاند وفي اطار سلسلة من الخطب يلقيها بوش في محاولة لاقناع المواطنين الامريكيين المتشككين ان لديه استراتيجية فائزة للعراق بعد مرور ثلاث سنوات على الغزو الامريكي للعراق أصر الرئيس الامريكي ان تقدما قد احرز بالفعل لكنه أقر بان امامه معركة طويلة وشاقة مستمرة.

وقال بوش في كلمته في كليفلاند "في مواجهة التقارير المتواصلة عن حوادث القتل والاعمال الانتقامية أتفهم كيف أن بعض الامريكيين وجدوا ان ثقتهم قد اهتزت. وهم يتساءلون ما الذي أراه ولا يرونه."

وأصر بوش على أن تقدما يتحقق في العراق واستشهد ببلدة تلعفر مثالا على ذلك. وقال ان قوات امريكية وعراقية حررت المدينة من قبضة مقاتلي القاعدة والمسلحين وانها الان "مدينة حرة الامر الذي يبعث الامل في عراق حر."

وقالت القوات الامريكية والعراقية ان تلعفر كانت تستخدم ممرا لتهريب العتاد والمقاتلين الاجانب من سوريا في طريقهم الى المدن في أنحاء وسط العراق.

وحالة الفوضى السائدة في العراق عنصر اساسي من اسباب انخفاض شعبية بوش.

واكد الرئيس الاميركي جورج بوش "ثقته" في مستقبل العراق مشيرا الى التقدم الذي تحقق في هذا البلد خلافا للصور التي تنقلها محطات التلفزيون وتثير مخاوف من ان يغرق هذا البلد في حرب اهلية بعد ثلاثة اعوام من الغزو الاميركي.

وتحدث بوش عن مدينة تلعفر في شمال العراق ليؤكد ان "التقدم هناك حقيقي" وان القرار الذي اتخذ في 2003 "صائب" وان "الحرية ستنتصر" في العراق وان كانت اخطاء ارتكبت و"الوضع ما زال متوترا".

وقال بوش في سلسلة ثانية من الخطب للدفاع عن سياسته في العراق التي تواجه انتقادات شديدة في الذكرى الثالثة للغزو الاميركي لهذا البلد ان "الارهابيين" استولوا في خريف 2004 على مدينة تلعفر التي تضم مئتي الف نسمة معظمهم من السنة.

واضاف الرئيس الاميركي الذي كان يتحدث في كليفلاند (اوهايو شمال) انهم "زرعوا الرعب" مشيرا الى اعمال "وحشية" مثل قتل طفل تم "تلغيم" جثته التي وضعت على جانب الطريق لتنفجر عند اقتراب والده لنقل الجثة.

واوضح ان قوات التحالف والعراقيين عثروا في ساحة على ساطور كتبت عليه اسماء الذين قطعت رؤوسهم به.

وتابع ان تلعفر التي "كانت في الماضي مركزا اساسيا للقاعدة اصبحت اليوم مدينة حرة تشكل احد اسباب الامل في عراق حر".

وتمكنت القوات العراقية المدعومة من قوات التحالف بالتغلب على المسلحين في هجوم واسع النطاق اعد بدقة وانتهى بمقتل 150 "ارهابيا" واسر 650 آخرين.

وقال بوش فيما غالبية من الاميركيين تشكك في وجود استراتيجية في العراق انه تم تصحيح الاخطاء وفق استراتيجية جديدة عنوانها "تطهير وسيطرة وبناء"

وشدد على المساعدة الانسانية وجهود اعادة الاعمار. وقال ان "تلعفر تشكل نموذجا يمنحني الثقة في استراتيجيتنا لاننا نرى في هذه المدينة ملامح هذا العراق الذي يناضل من اجله العراقيون ونحن".

واضاف انه "ليس من السهل نقل مشاهد التقدم الذي نحققه نحن والشعب العراقي في نشرات الانباء المسائية القصيرة" مشيرا الى ان منظر اطفال يلعبون لن يثير "الذهول" الذي يسببه تدمير مسجد.

وتابع "مع ذلك التقدم الذي نحققه نحن والعراقيون حقيقي".

وتحدث بوش عن المشاركة الكثيفة في الانتخابات التشريعية الاخيرة في 15 كانون الاول/ديسمبر في تلعفر والمسؤوليات التي تتولاها قوات الامن العراقية. لكنه اعترف بان "التقدم الذي تحقق في تلعفر لم يسجل في جميع انحاء البلاد".

وقال بوش انه يتفهم الاميركيين الذين يعتقد الجزء الاكبر منهم ان العراق على طريق حرب اهلية ويتساءلون وهم يراقبون التلفزيون "كيف يمكنه ان يكون متفائلا".

واقر الرئيس الاميركي بانه "ستكون هناك ايام اخرى من التضحيات والمعارك القاسية قبل ان نحقق النصر" مؤكدا في الوقت نفسه ان "قرار طرد صدام حسين كان القرار الصائب". وتابع ان "الحرية ستنتصر في العراق والحرية ستنتصر في الشرق الاوسط".

واكد ان الجنود الاميركيين لن يغادروا العراق الا عندما يصبح "في موقع قوة". ولم يحدد اي موعد لانسحاب القوات الاميركي الذي يطالب به مزيد من الاميركيين.

وقال بوش ان "الاميركيين لم يتراجعوا يوما امام المارقين والقتلة ولن يفعلوا ذلك الآن".

وعمل نحو عشرة الاف جندي وشرطي على حراسة مئات الالاف من الشيعة الذين احتشدوا لاحياء اربعينية الحسين وهي مناسبة استهدفها مفجرون انتحاريون من العرب السنة من قبل.

وأخذت حشود العراقيين الشيعة المتشحين بالسواد ويحملون الرايات السوداء والخضراء ويجلدون انفسهم تتوافد على مدينة كربلاء لاحياء اربعينية الامام الحسين الذي قتل في القرن السابع ميلادي.

وتهدد العمليات المسلحة ضد الحكومة المؤقتة التي تدعمها الولايات المتحدة بالتوسع لتتحول الى صراع طائفي دموي بين الاغلبية الشيعية والاقلية السنية.

وأبرزت المخاوف من حدوث أعمال عنف وفشل زعماء الشيعة والاكراد والسنة في تشكيل حكومة وفاق وطني قد تبعد شبح الحرب الاهلية عن البلاد حالة عدم الاستقرار التي يعيشها العراق بعد ثلاثة أعوام من الاطاحة بالرئيس السابق صدام حسين.

وقال مسؤولون انه على الرغم من نداءات واشنطن وعواصم أخرى التي تحث على سرعة التوصل الى اتفاق بين الزعماء الشيعة والاكراد والسنة لتشكيل حكومة وحدة وطنية فان كبار القادة لن يعقدوا الان اي اجتماعات حتى نهاية الاسبوع.

ولا يزال الخلاف قائما حول من سيرأس الحكومة العراقية القادمة رغم مرور ثلاثة اشهر على اجراء الانتخابات. وبدلا من ان تحتفل واشنطن وحلفاؤها بنجاح مشروعهم في العراق اصبحوا في موقف المدافعين ويصرون على ان عملية حرية العراق التي بدأت منذ ثلاث سنوات ستنتهي بالنصر مع انهم اصبحوا اقل يقينا عن ذي قبل.

وقال رئيس الوزراء الاسترالي جون هاوارد احد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الحرب "الانتقال من الاستبداد الى الديمقراطية لم يكن قط سلسا او سهلا."

وقال رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري "لقد عانينا خلال العام الماضي والطريق سيكون شاقا".

لكنه اضاف في مقال نشره في صحيفة واشنطن بوست قائلا "يجب على المجتمع الدولي الا يتردد في مثل هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ."

وفي لندن قال وزير الدفاع جون ريد "الوضع في العراق خطير لكنه ليس مميتا ... لا شيء يحتم الانزلاق الى حرب أهلية."

واضاف قوله "من الضروري الان عليهم (الزعماء السياسيين والدينيين) مواجهة الارهابيين لتفرقتهم عن طريق الاتحاد وسرعة تشكيل حكومة وحدة طنية قوية وتمثل الشعب."

واعترف وزير الخارجية البريطاني جاك سترو بان "الوضع الامني في العراق خطير.. وعدد الذين يفقدون ارواحهم يفوق بكل اسف ما كنا نتوقعه قبل ثلاث سنوات."

وعبر العراقيون الذين استطلعت رويترز اراءهم عن نظرة تشاؤمية تجاه المستقبل وتشككوا في ان تتمكن حكومة وفاق وطني من وقف التصدع المتزايد بين الشيعة والسنة والذي ارغم بالفعل البعض على الفرار الى احياء امنة نسبيا.

وقال تاجر من البصرة يدعى جاسم حمود اثناء انضمامه الى مئات الالاف من الشيعة للاحتفال باربعينية الحسين "توقعنا امورا ايجابية بعد 35 عاما من الدكتاتورية لكن الامور سارت في الاتجاه المعاكس. سادت عمليات القتل والدمار."

وحث زعماء اجانب يشعرون بالقلق خشية ان يتسبب المأزق السياسي في حدوث فراغ خطير في السلطة القادة العراقيين على التحرك بسرعة لتشكيل حكومة وفاق وطني.

ولايزال قادة العراق في حالة جمود بشأن من يتولى اول حكومة بفترة ولاية كاملة بعد الحرب وذلك بعد ثلاثة اشهر من اجراء انتخابات ديمقراطية كانت تهدف الى تحقيق هدف رئيسي للغزو.

وفي حادث يصور الفوضى التي تعصف بالعراق أغلق أطباء مضربون أحد أكثر مستشفيات بغداد ازدحاما يوم الاثنين وقالوا ان الحكومة تواجه احتمال هجرة الاطباء بشكل جماعي اذا لم تقم بحمايتهم من العنف على ايدي الشرطة.

وقال مسؤول أمني بمستشفى اليرموك الذي استقبل الاف الضحايا منذ الغزو الامريكي قبل ثلاث سنوات ان الاطباء والممرضين غادروا وأغلق المستشفى ابوابه بعد أن ضربت قوات الامن أحد العاملين بالمستشفى.

وساهمت حالة السخط المتزايدة بشأن حرب العراق في تراجع شعبية بوش الى ادنى مستوياتها خلال رئاسته. ولقي اكثر من 2300 جندي امريكي حتفهم في الحرب. وباستثناء 140 جنديا قتل هذا العدد كله بعد ان اعلن بوش في مايو ايار 2003 انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في العراق.

واظهر استطلاع للرأي نشرته مجلة نيوزويك في الاونة الاخيرة ان 65 في المئة من الامريكيين مستاءون من نهج بوش في ادارة حرب العراق.

وقال السناتور جوزيف بايدن عن ديلاوير واكبر الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ "تخلصنا من دكتاتور وحشي وهذا أمر طيب لكننا قد نكون على حافة مبادلته بالفوضى وملاذ جديد للارهاب في الشرق الاوسط."

ودعا بايدن بوش الى ان يبذل جهدا أكبر لاقناع زعماء العالم الاخرين بالضغط على الفصائل العراقية لتتوحد.

وانعشت المحادثات المنتظرة هذا الاسبوع بين ايران والولايات المتحدة بشأن استقرار العراق الامال في الخروج من مأزق محادثات تشكيل الحكومة العراقية.

واتفق زعماء سياسيون عراقيون على تشكيل مجلس امن قومي يمثل جميع الكتل السياسية في البرلمان رغم ان صلاحياته لم تتضح بعد.

وقالت مصادر سياسية ان الاتفاق يجسد الجهود الرامية الى الحد من سلطة الاسلاميين الشيعة وايجاد مخرج من المأزق الذي تواجهه محادثات تشكيل حكومة الوفاق الوطني. ويثير الاتفاق امكانية وجود حكومة ظل قوية تسيطر بشكل كامل على الامن والاقتصاد.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 23/اذار/2006 -22/صفر/1427