الاستراتيجية الاميركية في العراق هل تؤدي الى اندلاع حرب اهلية؟

تعلمت القوة العظمى الوحيدة في العالم دروسا صعبة من حربها المستمرة منذ ثلاث سنوات في العراق وتتزايد الشكوك الان فيما اذا كانت ستتمكن من تحقيق أهدافها هناك.

ويقول الخبراء انه بعد مضي ثلاث سنوات والضحايا يتساقطون في شوارع بغداد كل يوم ونذر الحرب الاهلية تقترب اصبحت طموحات الولايات المتحدة الاطول أمدا وهي بناء دولة مستقرة وديمقراطية في العراق تبدو أيضا عسيرة التحقيق.

قال أنتوني كوردسمان المسؤول السابق بوزارة الدفاع "الامر في غاية الوضوح فالولايات المتحدة لم تحقق أهدافها في العراق لان هذه الاهداف كانت خطأ في الاساس."

وتابع في حديث مع رويترز "العراق لا يملك برنامج اسلحة دمار شامل وعلى ذلك فقد ذهبنا الى الحرب لسبب خاطئ من اجل التعامل مع تهديد غير موجود."

واضاف كوردسمان الذي يعمل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ان الغزو الامريكي عزز المتطرفين الاسلاميين في الشرق الاوسط بدلا من التخلص منهم وان القاعدة تمثل تهديدا اكبر في العراق.

ورغم ان المسؤولين الامريكيين لا يزالون متفائلين بشأن الاحتمالات في العراق تظهر استطلاعات الرأي انقساما عميقا بين الامريكيين العاديين. وتراجعت شعبية بوش الى ادنى مستوى منذ توليه السلطة قبل ستة أعوام كما انخفض التأييد للابقاء على القوات الامريكية في العراق وهناك مخاوف متنامية بشأن مستقبل العراق.

ويشعر الزعماء السياسيون في الولايات المتحدة بالقلق الى درجة أنهم شكلوا مجموعة بحثية من الحزبين الرئيسيين الاسبوع الماضي لدراسة بدائل للسياسة الامريكية في العراق يمكن أن تعمل على توحيد الامريكيين. ولم يحدد المشاركون في هذه المجموعة الذين يقرون بأن مهمتهم ستكون في غاية الصعوبة أجلا نهائيا لانجاز عملهم.

ونوهت جوديث يافي الخبيرة في الشؤون العراقية الى أن الغزو الامريكي للعراق نجح في الاطاحة بالرئيس السابق صدام حسين وتقديمه للعدالة.

لكنها أضافت ان العراق لا يزال بعيدا عن تحقيق ديمقراطية مستقرة يمكن أن تصبح نموذجا للتغيير في المنطقة وانه من المؤكد ان الولايات المتحدة لم تكن تستهدف اثارة حرب اهلية.

وتابعت قائلة "من التبسيط الاعتقاد انه يمكن التخلص من صدام ثم تصبح الاوضاع جيدة... لم يكن لدى الحكومة الامريكية قدر يذكر من الفهم عن العراق وكيف يمكن لدولة تماسكت اطرافها طوال 35 عاما بالقمع أن تخرج عن نطاق السيطرة بسرعة وسهولة."

ومع ذلك واثناء الاستعداد للحرب تلقى بوش وفريق السياسة الخارجية الخاص به وهو الاكثر خبرة في التاريخ الامريكي الحديث تحذيرات متكررة بشأن الصعوبات التي يمثلها العراق وذلك من حلفاء وخبراء ومسؤولين امريكيين اخرين.

وأقرت دانييل بليتكا الباحثة في معهد اميريكان انتربرايز بأنه لا يمكن على الارجح بناء ديمقراطية على النمط الامريكي في العراق.

لكنها شددت على ان "اذا كان الهدف هو اقامة ديمقراطية مستقرة نسبيا وبيئة امنية اخذة في التحسن حتى ولو ببطء فاعتقد اننا سائرون على الطريق نحو ذلك."

وهناك اتفاق عام في الرأي بين الخبراء على ان عدم التخطيط لفترة ما بعد الحرب كان يشكل خللا رئيسيا سمح للتمرد بتعزيز وضعه.

وحاولت الادارة الامريكية ان تصحح هذا النقص بعدة امور منها انشاء مكتب لوزارة الخارجية يختص بتنسيق جهود الاستقرار واعادة الاعمار في فترة ما بعد الحرب لكنه غرق في مشاكل بيروقراطية.

وتظهر دروس اخرى في وثائق امريكية عن سياسات واشنطن. وقال كوردسمان ان استراتيجية الامن القومي التي نشرت مؤخرا ودراسة حديثة عن تخطيط شؤون الدفاع يشددان على التعاون مع الحلفاء ويقللان من شأن النزعات الاحادية التي اظهرتها الولايات المتحدة في العراق.

وتابع "تعلمنا الكثير وكانت مجموعة من الدروس المريرة.

"تشمل هذه الدروس الحاجة الى قوات امريكية تخوض حروبا تقليدية وتشن عمليات لمكافحة التمرد وقدرات قوية لبناء الامم ووزارة خارجية قوية تستطيع التعامل مع الدبلوماسية كما تتعامل مع المعونات في تدريب قوات الشرطة في أوضاع ما بعد الصراعات."

واضاف كوردسمان ان من الامور الاخرى التي تم ادراكها ان الخيارات العسكرية يمكن ان تخلق مشاكل بقدر ما تحلها.

وقالت بليتكا ان الادارة الامريكية تدرك ايضا اهمية وجود ممثل رئيسي في العراق مثل السفير الامريكي زالماي خليل زاد وان تدعيم التصدعات القائمة في المجتمع العراقي بضم ميليشيات طائفية الى الجيش ليس فكرة جيدة.

وقال الضابط السابق خبير الشؤون العسكرية في جامعة بوسطن الاميركية آندرو باسيفيتش "كان هناك استراتيجية لمواجهة المتمردين. وحتى الساعة لا يبدو ان هناك استراتيجية لمواجهة حرب اهلية".

وتحاول هيئة اركان الجيوش الاميركية التأقلم مع المشهد المستجد في العراق منذ تدهورت الاوضاع بعد تفجير مرقد الامامين الهادي والعسكري في سامراء شمال بغداد في 22 شباط/فبراير.

وتمكن قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال جورج كايسي المتخوف من تفاقم اعمال العنف في ذكرى اربعين ايام الحسين التي تبلغ ذروتها 20 آذار/مارس من تعزيز قواته بفوج مشاة مؤلل مؤلف من 700 الى 800 جندي.

ومع ان هذه التعزيزات التي استقدمت من الكويت محدودة الا انها مؤشر الى ان تخفيض عديد القوات الاميركية العاملة في العراق والبالغ 133 الف جندي قد لا يكون مطروحا على المدى القريب.

وبدأت المخابرات العسكرية الاميركية بدراسة تصورات مختلفة للحرب الاهلية المحتملة.

وقال وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد للصحافة الاميركية "نحاول تحديد وتعريف مختلف عناصر الحرب الاهلية اضافة الى مظاهرها وتطورها" معترفا ان "الامر ليس سهلا".

ولا تزال الاستراتيجية الاميركية مبنية حتى الساعة على دفع الجيش العراقي والشرطة العراقية الى الخطوط الامامية في مواجهة اعمال العنف الطائفي.

وبلغ عديد القوات الامنية العراقية حتى الساعة 230 الف عنصر. وتم تدريب حوالى مئة فوج (نحو ثمانين الف عنصر) وتجهيزها على عمليات ضد المتمردين وقد تسلم 49 فوجا السيطرة على مناطق مختلفة من العراق.

وثمة 27 فوجا من عناصر الشرطة المدربين والمسلحين تابعين لوزارة الداخلية العراقية.

بيد ان الحالة في العراق تطورت من مواجهة مع المتمردين السنة الى اعمال عنف طائفي قد لا تكون القوات العراقية قادرة على مواجهتها.

واعرب القادة العسكريون الاميركيون عن ارتياحهم لاداء القوات العراقية خلال احداث سامراء في 22 شباط/فبراير.

بيد ان المحلل في معهد بروكينغز للدراسات مايكل هانلون يشكك في حظوظ نجاح استراتيجية تقوم على دفع القوات العراقية الى الخطوط الامامية في حين يشير محللون آخرون الى ان هذه القوات هي احد العوامل المسببة لاندلاع اضطرابات طائفية.

ويرى المحلل في معهد العلاقات الخارجية ستيفان بيدل ان استرايجية الاعتماد على القوات العراقية كما هو الحال الان كانت لتكون صالحة لو كانت البلاد تعيش حالة تمرد شعبي على الطريقة الماوية. ولكنه اضاف في حوار مع صحيفة "انترناشونال هيرالد تريبيون" انه " في حالة اندلاع حرب اهلية فان وضع القوات العرقية في الواجهة يصب الزيت على النار".

واضاف "ينظر السنة الى القوات العراقية على انها ميليشيات خاصة كردية وشيعية . وسيزيد تعزيز قوتها من تصاعد الشعور بالخطر عند السنة الذين سيكافحون من اجل البقاء".

وعبرت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش عن تفاؤلها بعد ثلاث سنوات من غزو العراق ورفضت ان ترى في اعمال العنف الطائفي في هذا البلد مؤشرات على احتمال اندلاع حرب اهلية.

وفي تعليق على اعمال العنف التي ترتدي طابعا طائفيا وشهدتها الاسابيع الاخيرة تحدث نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني عن "جهد حقيقي (يبذله الارهابيون) لافتعال حرب اهلية" مؤكدا انه "لا يعتقد ان ذلك سينجح".

واضاف تشيني في حديث لشبكة تلفزيون "سي بي اس" انها "استراتيجيتهم منذ البداية لكنني ارى انهم بلغوا حد اليأس".

من جهته اكد الرئيس بوش بدون ان يشير الى اعمال العنف ان الولايات المتحدة "تطبق استراتيجية ستقود الى النصر في العراق (...) مما سيرسي اسس السلام للاجيال المقبلة".

اما الجنرال جورج كايسي قائد قوات التحالف في العراق فقال ان هذا البلد "لا يغرق في العنف الطائفي".

وفي برامج سياسية بثتها قناة التلفزيون الاميركية "فوكس" الاحد قال كايسي "لا اعتقد (...) ان الحرب الاهلية وشيكة (...) وان اندلاعها حتمي".

وكان تشيني وكايسي يردان على تصريحات رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي الذي قال في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) "نحن في حرب اهلية مع الاسف".

كما رفض الاقرار بهذا الرأي الرئيس العراقي جلال طالباني الذي اكد ان الحرب الاهلية "غير واردة".

واكد طالباني للصحافيين عقب لقائه الكتل البرلمانية "نحن بعيدون عن الحرب الاهلية ونسير باتجاه الوفاق الوطني الشامل وتشكيل حكومة وحدة وطنية قريبا".

ورغم هذا التفاؤل حذر وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفلد من اي انسحاب متسرع للقوات الاميركية غداة تظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف من الاشخاص في العراق. وقال رامسفلد "اذا انسحبنا الان (...) فان الصداميين والارهابيين سيسدون الفراغ وقد لا تتوفر الارادة في العالم الحر لمواجهتهم مرة ثانية".

واضاف ان التخلي عن "عراق ما بعد الحرب اليوم سيكون اشبه بتسليم المانيا بعد الحرب الى النازيين مرة اخرى (...) وسيكون كما لو قلنا للشعوب التي تحررت في اوروبا الشرقية ان تعود الى الهيمنة السوفياتية".

ورحب بوش بالتقدم السياسي لكنه "شجع ايضا العراقيين على مواصلة العمل لاقامة" حكومة "تعكس ارادة الشعب".

كما رحب تشيني بالتقدم الكبير في مجال تأهيل وتجهيز القوات العراقية. وقال "اليوم نصف المهمات التي تجري هناك يقوم بها عراقيون".

وقال تشيني ان "الارهابيين" مثل أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة بالعراق وغيره يحاولون منع تشكيل حكومة منتخبة بشكل ديمقراطي في العراق باستخدام العنف مثلما حدث بتفجير المسجد الذهبي في سامراء أحد أقدس المزارات الشيعية في 22 فبراير شباط.

وفي طريق عودته من كامب ديفيد يوم الاحد قال بوش "اننا ننفذ استراتيجية ستقودنا لتحقيق النصر في العراق. كما أن النصر في العراق سيجعل هذا البلد أكثر أمنا ويساهم في ارساء أساس السلام لاجيال قادمة."

وحث بوش الزعماء العراقيين على اقامة حكومة وحدة وطنية وقال "لقد شجعني موقف الكونجرس". وتجاهل بوش الرد على صحفي رفع صوته بسؤال عن تصريحات علاوي بشأن الحرب الاهلية.

وقال الجنرال جورج كيسي قائد القوات الامريكية بالعراق أيضا ان الحرب الاهلية لم تبدأ بالعراق كما أنها ليست وشيكة أو حتمية. واضاف في تصريحات نقلتها شبكة سي.ان.ان. الامريكية "هل هناك أعمال عنف ارهابية بالعراق .. نعم. ولكن المسافة التي تفصلنا عن حرب أهلية مازالت بعيدة."

وتابع كيسي "ولكني لا أريد أن أقلل من خطورة الوضع. انه وقت حرج للغاية". ومضى يقول ان الناس يسقطون قتلى فيما يحاول الارهابيون اخراج العملية السياسية عن مسارها.

ووجه الديمقراطيون انتقادات حادة لسياسات الادارة الامريكية في العراق.

وقال السناتور الديمقراطي ريتشارد ديربن عن ولاية الينوي في برنامج "فوكس نيوز صنداي" يوم الاحد "أعتقد ان الزعماء السياسيين في واشنطن فشلوا فيما يتعلق بسياستنا في العراق. لقد ضللونا بالاعتقاد ان هناك أسلحة دمار شامل ووجود صلة بين (هجمات) 11 سبتمبر وصدام حسين. لا وجود لاي شيء من هذا القبيل."

واضاف "ها نحن في الذكرى الثالثة (للغزو) ولا تلوح نهاية في الافق".

وقال تشيني ان من المهم للمنطقة كلها ولامن الولايات المتحدة الا ينجح التمرد في العراق.

وأضاف "ثمة أمور كثيرة على المحك هنا. الامر لا يتعلق فقط بالعراق .. الامر لا يتعلق فقط بالوضع في العراق اليوم بل يتعلق بما سيكون عليه الوضع بالشرق الاوسط بعد عشر سنوات من الان."

وتابع تشيني "اذا نجحوا (الارهابيون) فعندئذ يكمن الخطر في أن العراق سيصبح دولة منهارة مثل افغانستان قبل بضع سنوات عندما كانت تحت حكم طالبان". ومضى يقول ان هذا الوضع هو ما سمح لاسامة بن لادن وتنظيم القاعدة بشن هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

وقال تشيني ان "اكبر تهديد" يواجه الولايات المتحدة الان ليس تكرار هجمات 11 سبتمبر ايلول بطائرات مخطوفة بل خطر حصول المتطرفين على أسلحة نووية أو بيولوجية لاستخدامها ضد الولايات المتحدة.

وأضاف ان استراتيجية الادارة الامريكية الصارمة في ملاحقة المتشددين منذ هجمات 11 سبتمبر ايلول تعتبر أحد الاسباب الرئيسية لعدم تعرض الولايات المتحدة لهجمات جديدة على اراضيها.

ومضى يقول "أعتقد أننا نحرز نجاحا في العراق .. اعتقد أن الدليل واضح للغاية."

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 21/اذار/2006 -20/صفر/1427