بغداد تسعى للسلام وميليشياتها تستعد للحرب

يقول مسلحون على الجانبين في بغداد المقسمة على أساس طائفي انهم يريدون السلام ولكنهم - على عكس ما يبغي القادة ألامريكيون والعراقيون الذين يناضلون لمنع نشوب حرب أهلية - يستعدون في الواقع للحرب.

وقال قائد محلي بجيش المهدي في شرق بغداد ان الميليشيا التابعة للزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر مستعدة للدفاع عن الشيعة والمناطق الاخرى بالعاصمة ضد العنف.

وعبر نهر الفرات غربا قال متحدث باسم جماعة سنية مسلحة ان مسلحين من المناطق السنية المجاورة ينتقلون بهدوء الى بغداد في محاولة لزيادة عدد القوات غير النظامية الموجودة هناك والمستعدة لحماية أحياء السنة ومساجدهم في حالة تصاعد العنف الطائفي.

ويقول المتحدث (40 عاما) الحاصل على شهادة جامعية والذي اكتفى بتعريف نفسه باسم أبو محمد "المقاومة الوطنية العراقية ستقف ضد خطة اذكاء حرب أهلية في العراق ونحن مستعدون للقتال لمنعها."

ولا يوجد تأكيد مستقل بأن مقاتلين سنة يدخلون بغداد رغم أن مسلحا اخر بمدينة الرمادي غربي البلاد ايضا قال ان بعض المسلحين توجهوا الى العاصمة.

واودت اعمال القتل الطائفية المتبادلة منذ تفجير قبة المسجد الذهبي أحد أقدس أربعة أضرحة شيعية بالعراق في 22 فبراير شباط بمدينة سامراء بحياة المئات وأشاع الخوف بين سكان بغداد البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة.

وفر البعض من ديارهم خوفا من الجيران أو من فرق الموت الطائفية بينما أقام اخرون متاريس في الشوارع وشكلوا دوريات من السكان لحماية أحيائهم.

وكان الرجل الذي ينتمي الى جيش المهدي والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه مصمما مثل نظيره السني على أن قواته لن تقاتل الا من أجل تقليل التوترات الطائفية.

وقال القائد المحلي في ميليشيا المهدي المحظورة رسميا وهو في أوائل الاربعينات من العمر "ما حدث لن يتكرر مرة أخرى ... نحن مصممون على اخماد أي نزاع طائفي يمكن أن يحدث في المرحلة القادمة."

وتتهم الاقلية السنية مقاتلي جيش المهدي وقوات شرطة تنتمي الى منظمة بدر الشيعية المنافسة بارتكاب المئات من أعمال القتل في محيط بغداد. وينفي قادة الشيعة ذلك نفيا قاطعا ولكنهم يتهمون مسلحين سنة بشن هجمات طائفية مماثلة.

ورغم قلة من يريد الحرب من العراقيين فان هناك مخاوف متزايدة من أن الاعمال "الدفاعية" من جانب الجماعات المسلحة المتنافسة قد تتصاعد لتتحول الى مواجهة شاملة يمكن أن تقسم بغداد على غرار ما حدث في بيروت في السبعينيات والثمانينيات مما يحد من قدرة القوات الحكومية والقوات الامريكية على وقف اراقة الدماء.

وقالت الحكومة العراقية يوم السبت انها مازالت عازمة على حل الميليشيات ودمج اعضائها في قوات الامن الوطني. ولكن لا تظهر أي مؤشرات على التحرك في هذا الاتجاه.

ويثير انتماء الكثير من رجال الشرطة والجنود سابقا للميليشيات تساؤلات عديدة بشأن ولائهم في حال حدوث مواجهة مع قوات غير نظامية.

كما أن حقيقة أن زعماء الحكومة المؤقتة التي يهيمن عليها الشيعة والاكراد كانوا هم أنفسهم قادة ميليشيات أثناء معارضتهم لصدام حسين تثير تساؤلات بشأن التزامهم بحل هذه الميليشيات رغم الضغوط الامريكية للقيام بذلك.

وفي بلد تمتلك فيه كل اسرة بندقية كلاشنيكوف فان من المستحيل تقدير عدد المقاتلين المحتملين في بغداد ولكن من الواضح أن عددهم يقدر بعدة الاف.

وسوف تؤدي مواجهتهم الى مزيد من الضغوط على القوات الامريكية المدججة بالسلاح والتي يزيد عددها عن 20 الف جندي في بغداد مع الاخذ في الاعتبار ان الميليشيات على الجانبين يجمعها السخط على الاحتلال الامريكي.

وقال عضو الميليشيا الشيعي "الامريكيون بذلوا قصارى جهدهم لاشعال الازمة بشكل مباشر وغير مباشر ولدينا الدليل على ذلك."

واقسم أبو محمد السني الحاصل على الماجستير في التاريخ من جامعة بغداد والذي كان يتحدث بهدوء على أنه لن يستريح حتى يخرج الامريكيون من العراق. وقال "استراتيجيتنا الاساسية واحدة ... نريد خروج المحتلين."

هذا وقد وعد العراق يوم السبت بحل الميليشيات الطائفية ودمجها في قوات الامن بالبلاد وهي خطوة تعهد بالقيام بها عدة مرات في الماضي ولكن لم تنفذ قط بنجاح.

وجاء القرار على لسان وزير الداخلية بيان جبر المتهم بالسماح لميليشيات شيعية بالعمل انطلاقا من وزارته لكنه اضاف في الوقت نفسه انه لا يرى أي ضرورة للإسراع بتفكيك الميليشيات القوية المخيفة.

وأضاف جبر وهو عضو بالمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي يشرف على منظمة بدر الشيعية المُسلحة ان الوزارة مُستعدة لاستقبال عدد محدود من أفراد الميليشيات وتوزيعهم على قواتها للحيلولة دون تجمع الميليشيات في منطقة واحدة.

وقال ان الأعضاء السابقين بالميليشيات سيتم توزيعهم على مناصب بالشرطة العراقية وحماية الحدود والقوات الخاصة والتحقيق الجنائي.

وأعلن جبر انه سيرأس لجنة لبحث تفكيك الميليشيات وقال ان نزع أسلحتها سيستغرق وقتا.

وبالإضافة الى بدر هناك عدة ميليشيات أُخرى تعمل في العراق منها جيش المهدي التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والبشمركة وهي قوة عسكرية كردية . ويوجد إجمالا نحو 100 الف شخص مرتبطين بالميليشيات.

وقال وزير الداخلية العراقي في مؤتمر صحفي ان هذا الموضوع يحتاج الى وقت ولا يوجد أي مبرر معقول لأي مخاوف من الميليشيات في الوقت الراهن في تهوين لما يعتبره الكثير من العراقيين تهديدا حقيقيا.

وتراجعت آمال واشنطن في إعادة نحو 133 الف جندي في العراق الى بلادهم مع تزايد نشاط الميليشيات.

وفي الشهر الماضي قال السفير الامريكي لدى العراق زلماي خليل زاد ان واشنطن لن تسمح بالطائفية أو الميليشيات في الحكومة أو في قواتها الأمنية.

وعبر مسؤولون امريكيون عن قلق متزايد من ان العنف الذي تقوم به ميليشيات موالية للحكومة وموالية لايران قد يُطيل أمد الاضطرابات من خلال استعداء السنة ويؤجل انسحاب القوات الامريكية.

والكثير من رجال الشرطة والجنود كانوا أعضاء سابقين بميليشيات مسلحة الأمر الذي يثير التساؤلات بشأن ولائهم اذا اضطروا للدخول في مواجهات مع قوات غير نظامية في حرب شاملة. ويتعذر التمييز بين قوات الشرطة والميليشيات في العديد من المدن الشيعية بجنوب العراق.

وكان قادة الحكومة التي تتألف بشكل كبير من الشيعة والأكراد من زعماء الميليشيات عندما كانوا في صفوف المعارضة في عهد صدام وهو ما يثير الشكوك بشأن التزامهم بتفكيك الميليشيات.

وشكلت ميليشيا بدر في باديء الامر في المنفى بايران في أوائل الثمانينات وحاربت ضد قوات صدام حسين في الحرب العراقية الايرانية التي استمرت من عام 1980 الى عام 1988.

والتقى الرئيس جلال الطالباني وهو كردي مع الجنرال جون ابي زيد قائد القيادة المركزية التي تشرف على عمليات الجيش الامريكي في الشرق الاوسط ودعا عقب اللقاء الى حل الميليشيات لكن وحدات البشمركة الموالية له ما زالت تنشط في شمال كردستان.

وانضمام ميليشيات لها خلفيات طائفية الى التحقيقات الجنائية سيبرهن ايضا انه إجراء معقد. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  5 /اذار/2006 -4 /صفر/1427