ملوك صاحبة الجلالة من التيار الإسلامي

بقلم الباحـث العـراقي فـؤاد عـبـاس

وجـهـاً لـوجـه مـع ملوك صاحبة الجلالة من التيار الإسلامي في العـراق ومـصـر وفلسـطـيـن للحديث عن فوز بعض مكونات التيار الإسلامي كحماس، وبلا حماس:

بعد الفوز الكاسح الأخير لحماس في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية أصبح نبأ الفوز الخبرَ

الملك في نشرات الأخبار، والتحليل الملك في تحليلات وسائل الإعلام المختلفة، والمقال الملك في الصحف والمجلات والجرائد، والتصريح الملك في تصريحات الرؤساء والملوك، وما زالت التحليلات والتصريحات تتوالى من كلّ صوب وحدب في أسباب ودلالات ومعنى هذا الإكتساح الإنتخابي بين منذر ومحذر ومتخوف ومشكك.

وأختلفت المواقف والأراء بين منْ شرّقَ، ومنْ غرّبَ، ومنْ شرّقَ وغرّبَ في أنٍ واحد !،

وكما حدث بعد الإكتساح الإنتخابي للاخوان في مصر، وكما وقع بعد أن فازت التيارات الإسلامية في العراق، وعلى رأسها قائمة الائتلاف العراقي الموحد في الإنتخابات البرلمانية الاخيرة، مع ما بين المشاهد الثلاث من إختلافات جوهرية هناك مشتركات عديدة منها:

كون الفائزين من التيار الديني المضطهد المُغيّب المتهم بالجمود ومعاداة الحداثة والديمقراطية، وكون الديمقراطية وعبر صناديق الإقتراع هي التي منحتهم وسام الفوز، وبأصوات مواطنين ينتمون الى مجتمعات مسلمة (بأكثريتها) ثلاث تعاني الأمرين من الغياب الطويل للديمقراطية أولاً، وللرفاه ثانياً، وللبرامج الإنتخابية الواضحة وغير الفضافضة للمرشحين الفائزين والخاسرين ثالثاً.

لماذا أنتخب أكثر المصوتين التيار الإسلامي في العراق وفلسطين ؟

لماذا صوت الكثير من المصوتين للإخوان في مصر ؟

ما هي دلائل ونتائج هذا الإكتساح ؟

هل هو إزدهار عابر لا يدوم في شعبيته ؟

في تصوري: ذلك الفوز يعود الى عوامل منها:

- حبّ وتمسك المقترعين بالإسلام كدين ومنهج للحياة، وفشل العلمانية اللادينية وما نحوها في الحصول على جذور شعبية يُعتد بها.

- رفض المقترعين للتطرف والإرهاب المنسوب للإسلام زوراً، وتمسكهم بالشورية (الديمقراطية) كمبدأ وطريق للخروج من الإنسداد السياسي والإقتصادي، فنفث الروح في الأمن والإستقرار والسلام  والرفاه والعدالة التي ينشدها الإنسان بما هو إنسان، والمشاركة العالية في التصويت رغم تحريم المتطرفين الإرهابين الذين ينسبون أفكارهم للإسلام خير دليل على ذلك.

- وقوف المقترعين الى جانب المظلوم، فالإنسان بطبيعته يقف الى جانب المظلوم عاطفياً على الأقل، فلمظلوم كاريزما وجذابية فريدة وخاصة به، ولا شك ان التيار الديني الفائز في العراق او فلسطين او مصر كان مضطَّهداً، ومغّيباً من الحياة السياسية لعقود طويلة حيث لم

يكن أيضاً في الإمكان تجربة شعاراته وبرامجه العامة الكلية المستنبطة من بعض النصوص الدينية بحسب قراءته وفهمه وإنتقائه لها.

- المراجعة المحدودة لبعض مكونات القوى المؤثرة دولياً في صحة النظرية القائلة بدعم الإنظمة الإستبدادية بصورة مطلقة لحماية أمنها وإستقرارها ومصالحها القومية، وذلك  لترسيخ مقومات أمنها وإنعاش مصالحها طبعاً، وعدم مقاطعة بعض او أكثر أجزاء التيار الديني الفائز لنتائج وتبعات المراجعة المذكورة.

هذا ومن العوامل الأخرى التي دفعت المقترعيين للتصويت لصالح الفائزين او المكتسحین في الدول الثلاث ما يرجع الى رفض الإنسان لتجربة المُجرَّب الذي طالت تجربته، ولا سيما حين يكون البديل متاحاً وحرية الإختيار متوافرة.

هلْ سيستمر إزدهار شعبية التيار الإسلامي المذكور ؟

شعبية أي تيار تظل متأرجحة بين الإرتفاع والهبوط تبعاً لعوامل عديدة متشابكة على رأسها

أداء ذلك التيار على الارض، ومكاسب ذلك الأداء المحسوسة الملموسة المادية المعنوية للشعب، فالإنتصار مهم لكن الإحتفاظ به هو الأهم، ولذلك لابدَّ من أن يقف ملياً هذا التيار ليقيّم

بتواضع وجدية وصراحة وموضوعية محاور عديدة منها:

- تجاربه غير المجدية للتغير والتأثير في القرار خلال الحقبة الماضية، وبعواملها الذاتية

والإجتماعية والداخلية والخارجية.

- تجربته الناجحة في الفوز او الإكتساح الأخير.

- تجربة التيارات الخاسرة في الإنتخابات الأخيرة.

ليسألوا أنفسهم:

لماذا فشلنا في الماضي على طريق الوصول الى مواقع القرار او التأثير في القرار ؟

لماذا نجحنا اليوم ؟

لماذا خسر من خسر اليوم ؟

فالتجارب ثمينة حلوة كانت أم مُرة... عليكم كانت أمْ لكم... لكم كانت تلك التجارب أمْ لغيركم،

فعن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام):

((ومن التوفيق حفظ التجارب))

((السعيد منْ اتعظََ َ بتجارب غيره))

ومن العجز والتبسيط والتسطيح الإتكاء فقط وفقط على نظرية المؤامرة لتبرير الفشل في الماضي، وكما هو كذلك الإتكاء على نتائج وإفرازات الإنفتاح والدمقرطة لتفسير النجاح في الحاضر. والإجابة على الاسئلة المتقدمة بحاجة الى دراسات وبحوث بالمواصفات المتقدمة ومن جهات متعددة ومختلفة ايضاً لكن وكمدخل اشيرهنا الى بعض النقاط التي ترتبط بأسئلة النجاح والفشل المذكورة والتي أتصور أنها يمكن أن تضمن والى حد كبير إستمرارية إزدهار شعبية التيار الفائز او المكتسح:

1- حذر التبسيط، التسطيح، الأحلام، التنميات، الحلول الفورية والزهد في المرحلية.

2- حذر الغموض، ثنائية اللغـة، العشوائية، الإرتجالية العاطفية في الخطاب أوفي برامج العمل لتحقيق الشعارات الإنتخابية، فلا بدّ من برامج وخطط مرحلية متوازية مرنة مدروسة وبأليات وإمكانات واضحة ومحددة، فبصيرة القيادة العليا ليست بديلا للتخطيط، كما أن التخطيط ليس بديلاً لبصيرة القيادة العليا.

3- حذار الإنتهازية، الوصولية، الفساد، الإقصائية، الديكتاتورية، المنسوبية، المحسوبية، العنف، التطرف، عدم الشفافية، عدم النزاهة، فإنّما خسِرَ الإنتخابات الطرف الأخر لان نظامه اوبعض أعضائه وقع فريسة ذلك فيما أعلنتم براء تكم عن ذلك، وأنتم الأن على المحك، وتحت مجهر الجماهير، لقد أنتهى عهد الأقوال وبدأ عهد الأفعال، وانما الأمور بخوايتمها لا ببداياتها، فلا بد من تجسيد تلك الأقوال في المعارضة اوالحكومة ككل اوكجزء، وفي التيار الديني ومكوناته من حركات واحزاب وذلك بتجسيد الشورية (الديمقراطية) مثلاً داخلياً في تلك الحركات والأحزاب من القمة والى القاعدة، وإجتماعياً بترسيخ مدنية الدولة (غير المتعارضة مع الإسلام)، والدفاع عن حقوق الاقلية والأقليات والشعب والبقاء كجزءٍ فاعل في الحركة الإجتماعية التي تواصل العمل في الشارع وتتفاعل مع الرأي العام وتساعده لمقاربة الحقيقة.

4- حذار الإستخفاف بالسياسات المواطنية الملموسة أمنية كانت أمْ إقتصادية أم إجتماعية أم...

فدور غياب هذه السياسات كبير، وربما كبير جداً في إنتخابكم، والربُّ بعظمته قال في كتابه:

((فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف))

5- حذار الرهان على الغير مع الإنفتاح على مكونات واجزاء القوى المؤثرة والمتأثرة والتي يمكن أن تؤثر داخلياً وإقليمياً ودولياً، إضافة الى ضرورة إحترام القوانين والمواثيق الدولية مع العمل المتوازي السياسي والدبلوماسي والإعلامي لإصلاح ثغراته وتناقضاته.

6- حذار الإستهانة بدور الرأي العام الدولي والأقليمي والمحلي، مع العمل الجاد المتواصل لخلق حوار وتفاهم وتفهم وتوازن بين الرأي العام في مكوناته الثلاث المذكورة، فالرسول الأكرم (صلي الله عليه وآله وسلم) قال:

((مدارة الناس نصف الإيمان))

((مدارة الناس نصف العقل))

7- إحترام الإسلام في الفكر والإستـنـبـاط والتطبيق... في النظرية والممارسة، وكماهوهوفي ذاته ومصادره الإستنباطية، ودون تحجّر، او تساهل، او تطويع، او تأويل، او تحريف، او تفسير وما نحو ذلك، لانكم تحولتم الى خيار الأكثرية او الكثيرين، وكان ذلك الفوز والاكتساح وكما تقدم لحبِّ وتمسك المقترعين بالإسلام كدين ومنهج للحياة، ولفشل العلمانية الدينية وما نحوها في الحصول على جذور شعبية يُعتد بها، ولأن:

العقلانية، وكما هي الوسطية، المرونة،المرحلية،الواقعية،النـزاهة،الشفافية،الأخلاق،كرامة الإنسان ومحوريته، العدالة، الإعتدال، التوازن، اللاعنف،التخطيط، التنظيم، المأسسة، الإتقان، المراجعة والنقد،العفو التسامح، الاخوة،السلام، الانفتاح، جمع الكل، نبذ الإقصاء والتضخيم والتحجيم، الشوريّة (الديمقراطية)،والتعددية هي من صميم الإسلام،ولذلك فهذه المفاهيم هي التي يجب أن تميز قرارتكم ومواقفكم ومشاريعكم - بعيدا عن التوظيف السياسوي للدين.

ربما نكون بذلك قد تطرقنا الى فوز الائتلاف في العراق، وإكتساح الإخوان في مصر، وفوز حماس بلا حماس، وعليه يمكن أن نقول وبثقة أن ذلك الفوز اوالإكتساح للتيار الإسلامي سوف يستمر رغم تأرجحه، ولا يشكل خطراً على أحد، كما لا يعبر عن إزدهارعابر في الشعبية إذا تمكّن هذا التيار من تطوير أداءه وترسيخ وتفعيل العوامل التي قفزت به الى سدة الحكم دون ميعاد سابق.

نجاح الديمقراطية يتطلب إحـتـرامـا محليا وإقليميا ودوليا لإرادة المقـتـرعين بفسح المجال للفائزين والمكتسحين كي يدلوا بدلوهم في عالم ممارسة السياسية بعد طول غياب وتغييب وتغيّب، وبعد أن خرجت أيديهم من الماء، وأصبحت في النار، وعاد الواقع محيطاً بهم من كل جانب... انه الطريق الوحيد لمقاربة الواقع فالتحوّل من المثالية الى الواقعية، ومن العاطفية الى العقلانية لفهم الموضوع كما هو هو في عالم الواقع، فالحكم يدور مدار الموضوع، بل هوتابع للموضوع، والإ سيكون العالم قد قام بتكرار التجربة الجزائرية بصورة منمقة ومعدلة، وبالتالي ساهم في ترسيخ نظرية المؤامرة التي مابرح المـألـهـون المطبلون لها يكررون تحليلهم بأنّ السماح بذلك الفوز او الإكتساح للتيار الإسلامي لم يكن، ولن يكون إلا تكتيكاً لوضع هذا التيار في الواجهة والمسؤولية في ظروف صعبة مع فرض الخناق والحصار عليه، ومن باب التكليف بالمحال لحرق أوراق هذا التيار!!

*معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية -الأربعاء 15  /شباط /2006 -16 /محرم الحرام/1427