اعتبرت واشنطن أن نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد في
الصحف الأوروبية يشكل تحريضا "غير مقبول" على الحقد الديني والإثني.
فقد أيدت الولايات المتحدة المسلمين يوم الجمعة ضد صحف أوروبية نشرت
رسوما كاريكاتورية للنبي محمد في خطوة قد تساعد على تحسين صورة واشنطن
المشوهة في العالم الاسلامي.
وانحازت واشنطن الى صف المسلمين الذين أغضبهم اعطاء هذه الصحف
اولوية لحرية الصحافة على احترام الدين لتدخل نفسها بذلك في نزاع أصبح
محور المشاعر المعادية لاوروبا عبر العالم الاسلامي.
وقال كورتيس كوبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية في رده على
سؤال "هذه الرسوم تسيء حقا لمعتقدات المسلمين."
واضاف "كلنا نقر ونحترم تماما حرية الصحافة والتعبير ولكنها يجب ان
تقترن بالمسؤولية الصحفية. اثارة الكراهية الدينية او العرقية بهذه
الطريقة امر غير مقبول."
ورفض المتحدث التعليق عندما سئل عن السبب وراء اختيار الولايات
المتحدة اصدار حكم في نزاع ليست هي طرفا فيه حقا.
وتابع "ندعو الى التسامح واحترام جميع الطوائف ومعتقداتها
وممارساتها الدينية."
ولم تعد صحف أمريكية كبرى نشر الرسوم التي شملت تصوير النبي محمد
على أنه ارهابي والتي ندد بها المسلمون باعتبارها "تجديفا".
وعلى النقيض من ذلك تمثل رد فعل بعض وسائل الاعلام الاوروبية على
الانتقادات ضد الصحيفة الدنمركية التي نشرت الرسوم لاول مرة في اعادة
نشر هذه الرسوم مما أجج مشاعر الغضب التي أدت الى مقاطعة المنتجات
الدنمركية وخروج المسلمين في مظاهرات حاشدة.
وقال ستيفن زونس وهو أستاذ في العلوم السياسية بجامعة سان فرانسيسكو
وأحد المنتقدين لادارة الرئيس الامريكي جورج بوش ان الولايات المتحدة
مسؤولة عن اثارة قدر أكبر من الغضب في العالم الاسلامي بسبب غزوها
للعراق.
وأضاف "الولايات المتحدة هي اخر دولة ينبغي لها أن تحذر من اثارة
المشاعر بشكل غير ضروري في العالم الاسلامي."
كما جاء رد الفعل الرسمي الامريكي على النقيض من رد فعل الحكومات
الاوروبية التي مالت الى الاقرار بوجود صراع بين حرية التعبير واحترام
الاديان لكنها قبلت بوجه عام حق الصحف في نشر الرسوم.
وامتنعت وسائل الاعلام الاميركية الى حد كبير عن اعادة نشر الرسوم
الكاريكاتورية المثيرة للجدل التي تتناول النبي محمد والتي نشرت في عدد
من الصحف الاوروبية بسبب الطبيعة "المهينة" لهذه الرسومات.
وقال العديد من مدراء التحرير في عدة مؤسسات انهم يقومون بتغطية
الخلاف المتصاعد حول الرسوم لكنها قررت عموما عدم نشرها مجددا او بثها
على التلفزيون احتراما منها لقرائها ومشاهديها.
واوضح فريد هيات مدير تحرير الصفحة الرئيسية في "واشنطن بوست"
لوكالة فرانس برس "اذا كنت في مواجهة امر اعرف انه سيسبب اهانة للكثير
من قرائنا فانني سافكر مرتين ما اذا كانت الفائدة من النشر توازي
الاهانة التي قد تخلفها".
من جهته قال بيرت غافريلوفيتش مدير تحرير الشؤون الدولية في صحيفة
"ديترويت فري برس" (صحافة ديترويت الحرة) في ولاية ميشيغن التي تضم
اكبر جالية عربية خارج الشرق الاوسط انه من غير الوارد ان تعيد صحيفته
نشر هذه الرسوم.
وقال لوكالة فرانس برس "لا اعتقد اننا سنعيد نشر رسوم تعتبر مهينة
لاي شخصية دينية في هذه الصحيفة ونتوخى الحذر في هذا المجال".
وعرضت شبكة "سي ان ان" الاميركية الخميس نسخا عن الصحف الاوروبية
التي اعادت نشر الرسوم لكنها لم تظهر الرسوم معتبرة انها لا تريد اثارة
حساسية مشاهديها.
من جهتها عرضت شبكة "اي بي سي" نسخة عن صحيفة فرنسية وعليها الرسم
الكاريكاتوري بشكل واضح.
وعرضت شبكة "ان بي سي" تقريرا عن الجدل القائم لكنها اوضحت انها
قررت عدم بث هذه الرسوم لكنها عرضتها على موقعها على الانترنت.
من جانبها خصصت شبكة "سي بي اس" دقيقتين لتقرير حول الموضوع خلال
نشرتها المسائية لكن بدون ان تبث اي من الرسوم المثيرة للجدل كما انها
لم تنشر اي رسم على موقعها على الانترنت.
وتحدث الكاتب الأمريكي بروس فيولير عن قضية الكارتون الدانمركي الذي
نشر ويسيء للرسول محمد معتبرا أنه تسبب في اشتعال الرأي العام
الإسلامي. وذكر فيولير تفاصيل القضية وتسلسلها الزمني، وذكر أن القضية
بدأت عندما طلبت الصحيفة إن يقدم الرسام كارتون لكتاب مزمع عن الأطفال
والنبي، وهذا بدوره محرم إسلاميا. وقال الكاتب إن الأمريكيين يمكنهم
فهم رد الفعل العاطفي الإسلامي عندما يسترجعون قضايا مشابهة أمريكية
مثل تكررا حرق العلم الأمريكي بأيدي مواطنين أمريكيين، وهو العمل الذي
يراه الكثير من لأمريكيين عملا يجب تجريمه.
ويري فيولير أن الاحتجاجات على نشر الكاريكاتير في بعض الحالات خليط
من السياسة والدين. ومن العدالة أيضا حسبما ذكر أن يلقي المسلمون نظرة
على ما يتم نشره في بلادهم ويسيء للديانة اليهودية والديانة المسيحية.
وتحدث السيد إبراهيم هووبر من مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية
المعروف باسم CAIR وقال إنه يؤمن بحرية الصحافة وحرية التعبير، إلا
أنه أكد على أحقية الاحتجاج السلمي على ما يسيء للدين الإسلامي. وأضاف
هووبر أن الكاريكاتير الدانمركي هدف إلى الإساءة إلى المسلمين بصورة
متعمدة. وشبه الإساءة للرسول يما يحدث من إساءة للديانة اليهودية في
الإعلام الإسلامي، وأكد على ضرورة إدانة هذه الإساءات أيضا. واعتبر أن
احترام حرية التعبير لا يجب أن يترجم على إنها استطاعة الإنسان أن يفعل
أو ينشر أي شيء يقدر عليه.
وتحدث أستاذ الإعلام اللبناني بالجامعة الأمريكية ببيروت رامز معلوف
لبرنامج طبعة الصباحMorning Edition وذكر أن الغالبية العظمى من
المسلمين شعروا بالمهانة من جراء نشر الكاريكاتير الدانمركي. إلا أن
البعض شعر بالإهانة أكثر من البعض الأخر. و ذكر معلوف المستمعين أن عرض
أي صور للرسول محمد هو شيء محرم في الديانة الإسلامية. وذكر الدكتور
معلوف المستمعين بأن سكان العالم الإسلامي شديدو التدين. و أشار إلى
استطلاع للرأي أجرته محطة الجزيرة أشار على أن 68500 من 7700 يروا أن
اعتذار الصحيفة الدانمركية كاف، ويجب إنهاء القضية.
وذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز Los Angles Times أن الغضب انتشر بين
المسلمين عبر العالم على أثر تزايد المؤسسات الإعلامية التي تعمد إلى
إعادة نشر صور كاريكاتيرية مسيئة للرسول محمد كانت صحيفة دانمركية قد
نشرتها قبل أشهر. وتشير الصحيفة إلى أن الصراع تفاقم على أكثر من صعيد،
حيث شمل تهديد مواطني الدول التي نشرت فيها تلك الرسوم، ومقاطعة
بضائعها وحرق أعلامها في مظاهرات شملت أنحاء عدة من العالم الإسلامي.
لكن الصحيفة نقلت عن رؤساء تحرير بعض الصحف وزعماء سياسيين ومنادين
بحرية الصحافة، تحذيرهم من أن هذه الأحداث تهدد الحقوق الديمقراطية
للأشخاص. وعرضت الصحيفة لوجهة نظر رسام الكاريكاتير السويسري باتريك
شاباتي الذي قال إن رد فعل المسلمين أصابه بالصدمة لأنه يظهر مدى
وإمكانية تحكم الإسلام الأصولي في حياتهم، مضيفا أن الهدف هو حجب رسوم
الكاريكاتير كما تحجب النساء.
لكن الصحيفة نفسها نقلت عن زعماء مسلمين أوروبيين اتهامهم للإعلام
الغربي بأنه يعمل على إهانة الإسلام, حيث قال دليل أبو بكر إمام مسجد
باريس المركزي إن حرية التعبير لا يمكن أن تعني حرية الكذب. وأشار
الإمام إلى أن الرسول محمد لم يبعث بدين إرهابي بل على العكس من ذلك
جاء بدين الرحمة والسلام.
من ناحية أخرى اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز New York Times أن حدة
التوتر لم تخف فيما يتعلق بهذه القضية، مشيرة إلى أنها آخر مظاهر
الصراع الثقافي المحتدم بين أوروبا والمسلمين الذين يمثلون 10% من سكان
بعض الدول في تلك القارة.
وأشارت الصحيفة إلى أن كل الدلائل تظهر أن الأوروبيين ماضون في
التصعيد، رغم تحذير بعض علماء المسلمين من أن هذه القضية قد تكون ذريعة
للمتشددين لدعم أعمال إرهابية أو تنفيذها. |