فيدرالية استباقية لعراق خال من الطائفية

نضير الخزرجي

أعابت المعارضة العراقية على الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها، انها فرضت على حكومة صدام حسين منذ انتهاء حرب تحرير الكويت في العام 1991، حظر طيران على خط عرض 36 في الشمال وخط عرض في الجنوب 32 (توسع الى 33 في العام 1996)، لكنها فعّلت الاول وانتج اقليم كردستان، وتساهلت مع الثاني الى الحد الذي منعت قوات صدام من الاعتداء على حدود الكويت والسعودية وراقبت الحدود العراقية الايرانية، فظل الجنوب والوسط تحت قبضة صدام، كشف مع تهاوي الصنم في ساحة الفردوس في التاسع من ابريل – نيسان العام 2003، عن مئات المقابر الجماعية واكثر من مليوني عراقي ضاعت اسماؤهم ورسومهم ولم يتبق الا عظامهم او بقاياها.

مثل هذا الوضع الشاذ من تعامل غربي مزدوج وقمع سلطوي للسكان، شجع الكثير من القيادات السياسية العراقية على طرح الفيدرالية المشروطة كبديل عن المركزية المستبدة، مع ملاحظة ان الفيدرالية كما في العرف السياسي تنادي بها الاقلية لحماية نفسها من السلطة المركزية، او كما هو الحال في شمال العراق التي تقطنه غالبية كردية في بحر من العرب واقليات عرقية ودينية، لكن العراق أظهر العكس، فالاغلبية المذهبية التي تقطن في تسع محافظات وتشكل في العاصمة بغداد الأغلبية، هي الداعية الى الفيدرالية، والاسباب كثيرة، لكن الواضح ان الخوف من المستقبل وعودة المعادلة الظالمة، تشكل قاعدة اساسية يرتكز عليها دعاة الفيدرالية، وهي في هذه الحالة تشكل ضمانة للاقلية ايضا، اكثر مما هي ضمانة للاكثرية التي تستشعر الخوف من مستقبل ضبابي، تدعمه تجارب مريرة على مدى قرون، وشعورها بالغبن والاحباط من المحيط العربي الشعبي الذي يعاملها على اساس مذهبي رغم عراقيتها وعروبتها، ويعاملها المحيط العربي الرسمي على اساس طائفي رغم ليبراليته وعلمانيته!

قد لا نعدم الصحة والصواب في الاقلية المذهبية العربية الرافضة للفيدرالية، بلحاظ الوحدة والتوحد، ولكن ما لا يمكن تفهمه وادراكه هو قبولها للفيدرالية في كردستان العراق ورفضها في الوسط والجنوب، مع ان مثل هذه الفيدرالية حماية لها من اي استبداد للاغلبية المذهبية العربية يمكن ان يرشح مع مرور الزمن، بخاصة وان العاصمة بغداد يشكل فيها الشيعة العرب الاغلبية السكانية بما يزيد على الثمانين بالمئة، وبالتالي فان الغالبية تمسك بزمام الامور وبيدها مقاليد الحكم.

ومع ان الفيدرالية اصبحت قانونا صوّت عليه الشعب العراقي في استفتاء على الدستور جرى في 15 اكتوبر تشرين الأول العام 2005، اتاح لمحافظة او اكثر اعلان فيدراليتها، فانه يمكن تبديد المخاوف والقفز على مشاعر القلق من قبل الأغلبية المذهبية العربية والاقلية المذهبية العربية على السواء، من خلال تصور مشروع واحدة من هذه الفيدراليات:

الاول: اقامة فيدراليتين كردية وعربية، تتكون من اقليم كردستان العراق واقليم يضم كل المحافظات العراقية الاخرى.

صحيح ان مثل هذا الطرح يقلل من فرص تكوين اقاليم في الجنوب والوسط وغرب العراق، لكنه يعمل على تقوية لحمة الأكثرية والأغلبية العربية ضمن فيدرالية واحدة في طول فيدرالية كردستان لا في عرضها، لاسيما وان الأقلية المذهبية العربية ابدت موافقتها ورضاها عن فيدرالية كردستان، وبالتالي فلا ضير من القبول بفيدرالية لكل العرب الى جانب فيدرالية كردية، اذ تتلاشى المخاوف من مزاعم فصل سفينة العراق عن المخور في عباب بحر العرب.

الثاني: وذا رفضت محافظة او عدة من تشكيل اقليم عربي داخل العراق الموحد، فاعتقد ان الطريقة الفضلى لدرء اية اعراض غير محمودة من عراق من ثلاثة اقاليم، كردي واخر عربي شيعي وثالث عربي سني، ان يصار الى انشاء اقليم من مدن تقطنها غالبية شيعية واخرى سنية، الى جانب الفيدراليات الاخرى في الوسط والجنوب، وارى ان محافظتي كربلاء المقدسة والانبار هي المرشحتان لتشكيل مثل هذه الفيدرالية الشنّية (الشيعية – السنية)، التي تعمل على تذويب المخاوف من الطرفين وتشكل قاعدة اساسية لعراق يحترم فيه الانسان وتحترم العقائد والمذاهب، بل ان مثل هذه الفيدرالية ستزيد من لحمة العراقيين وتصهرهم في أنساب ومصاهرات تسحق في طريقها دعوات الحرب الاهلية والتكفير المستهجنة الواردة من خارج العراق.

فاذا تم النجاح لمثل هذه الفيدرالية، والمسألة قابلة للنقاش، والفيدرالية قابلة للتوسع، فانها ستكون نموذجا طيبا لعراق خال من الاستبداد والطائفية والمذهبية المقيتة.

الرأي الآخر للدراسات – لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 27  /كانون الثاني/2006 - 26/ذي الحجة/1426