ما بين القمع الصدامي والارهاب العقول العراقية تواصل هجرتها من البلاد

لا أحد من العراقيين يستغرب مشهد هجرة العقول العراقية المتزايد يوما بعد يوم، فالامر غاية في الوضوح والاسباب ايضا ليست بحاجة الى توضيح في ظل الانفلات الامني الذي يجتاح البلاد وعجز الحكومة العراقية على وضع حد للخارجين على القانون، فقد تم استهداف الاطباء والاكاديميين والصحفيين وغيرهم من صفوة المحتمع العراقي وبصورة متواصلة الامر الذي دفع بالكثير منهم الى مغادرة البلاد حفاظا على حياته وافراد عائلته كما ذكر ذلك  داوغ ستراك في صحيفة (واشنطن بوست).

 فقد أغلق مؤخرا طبيب القلب الأشهر في بغداد عمر الكبيسي باب عيادته وغادر الى العاصمة الاردنية عمان، حيث يقضي معظم وقته في احد مقاهي عمان مع عدد من الاطباء العراقيين الآخرين الذين غادروا البلاد بسبب تدهور الأوضاع الأمنية. ويتابع د.الكبيسي (63 عاماً) من بعيد، النظام الصحي المتهالك بعد ان امضى معظم سني حياته في المساعدة في بنائه.

وقد بدأ الاطباء الشباب بالمغادرة بحثاً عن مكان يتدربون فيه، حتى ان المرضى بدأوا بالمغادرة لانهم لم يعودوا يثقون بالرعاية الصحية في العراق.

وقال الكبيسي لصحيفة واشنطن بوست عبر الهاتف «هذا جزء من مخطط لتدمير البلاد، فقد ساءت الاوضاع خلال الاشهر الستة الماضية». وكان الكبيسي قد غادر العراق في مايو الماضي بصحبة تسعة اطباء آخرين بعد ان تلقوا رسائل تهديد بالقتل. وكان كبار المهنيين من اطباء ومحامين ومهندسين ورجال الاعمال، عرضة للاستهداف من قبل مجموعات سياسية غامضة.. بل تعرض بعضهم للاغتيال أو الخطف. ولذلك غادر كثيرون منهم البلاد، الأمر الذي يهدد بأن تفقد البلاد نواة العمال المهرة الذين تحتاجهم لاعادة البناء.

ويقول مساعد عميد كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد عامر حسن ان هذا يؤدي الى هجرة العقول.

ويذهب المهنيون ورجال الاعمال العراقيون الى الاردن وسوريا ومصر او الى الدول الغربية، ويشعر زملاؤهم الذين ظلوا في العراق بأنهم وحيدون. ولكن الهجرة الى الخارج ليست بالأمر الجديد.. فقد خرج مئات الآلاف هرباً من قمع صدام حسين خلال العقود الماضية، حتى ان السلطات فرضت قيوداً مشددة على مغادرة المواطنين، فكان الواحد منهم ينتظر سنوات للحصول على فرصة المغادرة من اجل العمل او الدراسة او حضور حلقة دراسية.. فيغادر ولا يعود. وقد عاد الكثير من هؤلاء بعد سقوط صدام، لكن حالة عدم الاستقرار والعنف اليومي جعلت البعض يعيد النظر.. بل ان بعض الذين صمدوا في العراق طوال قمع صدام، قرروا الآن الهجرة. ومن الصعب توثيق اعداد المهاجرين، لأن معظمهم يبلغون السلطات انهم خارجون لزيارة قصيرة، لكنهم يأخذون احتياجاتهم ويقفلون الابواب.

ويقول مسؤول في وزارة الداخلية ان عدد الذين يعبرون الحدود الى الاردن يومياً يتراوح ما بين 200 - 250 شخصاً، ولكن منذ يوليو وصل عددهم الى اكثر من الف شخص يومياً.

ان الحل كما نراه يكمن في الحزم الذي يجب ان تبديه الحكومة في تطبيق عقوبات رادعة بحق من يرتكب مثل هذه الجرائم ضد العقول العراقية المتميزة في البلد.

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 26  /كانون الثاني/2006 - 25/ذي الحجة/1426