مجتمع الغاب

مازن مرسول محمد

  عندما فضل (الله تعالى) البشر عن باقي مخلوقاته ووضع لهم درجة كبيرة في سلم السمو والرفعة، لم يكن القصد منه ترك هؤلاء البشر يعيثون بالأرض فساداً وتخريباً وتعويقاً على اعتبار انهم الافضل وكفى.

  كلا فالامر خلاف ذلك الا اننا خالفنا ما وكل الينا في اعمار هذه الارض والارتفاع بالنوع الانساني الى منزلة كبيرة، فالبشرية اليوم تعاني مرارات كثيرة وجميعها من صنعنا نحن الا اننا لا نكاد نعترف بظلمنا لانفسنا ونواري الحقيقة عن وضعنا ونتوارى نحن عنها.

  اننا نتعالى عن باقي المخلوقات وذلك حق فالانسان ميزه الخالق (عز وجل) بعقله الخالص، ولكن هل سألنا أنفسنا عن لسان حالنا اليوم الذي يشير الى تفتت في اساس المعنى الإنساني، فالإنسان  في وقتنا الراهن اصبح يقاوم ويتصارع ليعيش دون الركون الى معاني السمو التي اوكلها تعالى له.

  لقد نزل الانسان الى وضع الصراع الحيواني، ولا اعرف ان كنا نعلم بذلك حقيقة ام لا، الا انه من الناحية الاخرى يرفض مقارنته بتصرفات وسجايا الحيوان وهي للاسف باتت قريبة جداً من حياته المعهودة الخالية من كل وازع وضابط وتحكم.

  اليوم نشاهد البشر وكأنهم في حلبة صراع يخرج منها الفائزون والخاسرون، فالمهم هو البقاء احياء وبكل ثمن دون مراعاةٍ للحق الانساني ومعنى الحياة الانسانية.

  لقد ضعف الشعور بالمصلحة الجماعية وحل محله تفرد المصلحية الفردية التي جعلت من الفرد الانساني اشبه بوحشٍ كاسر يفتك بأي انسانٍ امامه وفي كل مجال.

  فهل نزل الانسان الى درجة النوع الحيواني الذي نأبى ان نقارن انفسنا به؟

  ان من بات يقاتل كل من يقف امامه بالاستغلال والنصب والاحتيال وفقدان المعيار الانساني، قد وصل الى ادنى من درجة الحيوان، فتلك ليست صفاتٍ انسانية والذي لا يعرف الا اصلاح ارضه وتعمير نفوس البشر لهو جامع للصفات الانسانية الحقة.

  إن مأساويتنا تتجلى في ارهاصاتنا المشفرة فعلاً، فنحن نعتبر اننا ملكنا العالم ولا يرتفع علينا أي شيء، الا اننا وللاسف لم نراع ابسط حقوقنا وهي كيفية التعامل بطريقة العيش البسيطة مع الانسان الآخر، وهي التعامل الايجابي والصدق والاستقامة ونكران ألذات وحب الجميع.

  فلماذا يشذ الكثير عن هذه القاعدة وينحشرون في مجتمعاتٍ غلب عليها التهالك والتصارع، الا لانهم فاقدي للاساس الانساني فانجرفوا الى ما هو ادنى منه.

  ان خوفٍ كبير يعتمر انفسنا من مستقبلنا الغامض، لان حياتنا لم تعد ملكنا وقادرين على الحفاظ عليها وهي في تصارع مع من يريد سحقها من الذين لا يعيرون للانسانية أي شيء.

  الا يحق ان نطلق على اغلب مجتمعاتنا بأنها غاباتٍ انسانية، نعم اناس في غاباتٍ يمارسون دور وافعال الحيوانات التي ربما هي في بعض الاحوال ارقى نوعاً واكثر فائدة من الانسان الذي قد جنى على ابناء جنسه باعدامهم الحياة وادخالهم في مزالقها.

  لماذا لا نعترف بأننا في مجتمع غاب، هل كرامتنا لا تسمح بذلك، واذا كان الامر على هذه الشاكلة لماذا لا نحسن صورتنا لانفسنا حتى نحكم عليها خلاف ذلك ؟  

  ان شعار كلاً يقاتل لمعيشته هو الرائج في عهدنا هذا ومعه تنجرف صفاتنا الانسانية وتستحيل الى تحجر قيمي وتخلخل علاقاتي يعمل على تقويض المجتمعات الانسانية وربما ازالتها.

  اما آن الاوان  لننزع عن انفسنا صفة مجتمع الغاب، فحقيقة هي صفةً لا تليق بالانسان وانما قدر لها ان تناسب الحيوان، ولكن كيف ونحن متعجرفون في افكارنا وكلاً منا يمثل رافداً من روافد كثيرة لا تلتقي اوتلتقي بصعوبةٍ ؟

  لنبقى محافظين على معاني انسانيتنا بفهمنا انفسنا وحجم ما هو مقدر لنا، ولننزع عنا الخوف والخجل من نقدنا لانفسنا، فلا يستقيم الانسان الا من خلال معرفة عيوبه ومعالجتها، وهبوطنا الى مستوى النوع الحيواني دليل واضح على فقداننا لمعاييرنا الانسانية ولكن العودة الى انسانيتنا تحتاج جهودٍ دؤوبة للفوز بالكرامة الانسانية التي قدر ان تكون من نصيبنا.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 24  /كانون الثاني/2006 - 23/ذي الحجة/1426