مخبأ سري لصدام فقط القنابل النووية المضادة تستطيع  تدميره فمن دمره؟

 عندما يمثل الطاغية صدام هذا الشهر أمام المحكمة مجددا قد يلقي نظرة على المكان الذي كان يعتقد أنه سيكون فيه بمأمن من عالم معاد له.

والمخبأ المضاد لأي هجوم نووي في حال يرثى لها شأنه شأن الرئيس السابق الذي خانه عراقيون ودلوا القوات الأمريكية عليه. وليس السبب في ذلك القنابل الأمريكية التي دمرت القصر الواقع فوقه بل اللصوص الذين تدفقوا على هذا المكان بعد سقوطه.

وقال جون كارتر وهو مهندس مدني بريطاني يعمل في المجمع ويقوم بدور مرشد سياحي غير رسمي في أوقات الفراغ ان كثيرا ممن قاموا بأعمال النهب ما زالوا موجودين في المكان وبعضهم يقيم بشكل غير مشروع في شبكة من الانفاق هناك ويجردون المكان تدريجيا من كل ما يمكن حمله من عدد لا نهائي من المكاتب وغرف ادارة الحرب والمطابخ وغرف المعيشة في المجمع.

وبينما تضيء بطارية البقايا المتلفة لغرفة المونتاج التلفزيوني حيث كان يجري إعداد خطب صدام الأخيرة بعيدا عن القنابل الامريكية يقول كارتر "هناك عدد أكبر مما ينبغي من المداخل وعدد أكبر مما ينبغي من الناس."

وأضاف انهم "يسرقون أي شئ...لا يمكن منعهم. في كل مرة اتى الى هنا أكتشف اختفاء شيء ما."

وقد صمم المخبأ مهندس ألماني بناه بحيث يتحمل هجوما نوويا بحجم ما تعرضت له مدينة هيروشيما اليابانية. وتحمل المخبأ فعلا الحرب عام 2003 دون أن يمسه سوء.

ولكن الان اختفت الصنابير من حمام صدام واتسخ المرحاض بالفضلات واختفى سريره وكذلك السجادة من غرفة نومه الصغيرة المحصنة من أي هجمات بالغازات أو المواد الاشعاعية في قلب هذا المجمع الواقع تحت الارض ويبدو المخبأ وكأنه نسخة معاصرة من مخبأ هتلر.

ويقول كارتر "ما زال اللصوص يرتعون...بعض الناس ما زالوا يعيشون في الانفاق."

وهناك ركن واحد على الاقل يشهد على هذه السكنى اذ يضم كرسيا بذراعين ومكتبا وملصقات لفتيات شبه عاريات.

وفي الدور العلوي يتضج الدمار تماما للعيان.

تحت قبة القصر التي يبلغ اتساعها 40 مترا ليس هناك شيء سوى كتلة من الخرسانة المهشمة والصلب المثني كان صدام يقيم كل يوم مآدب للدائرة المقربة اليه من شخصيات حزب البعث.

ويتردد أنه في ذلك المكان كان يقول لضيوف العشاء ان وجبة الخائن مسمومة فاذا توقف أحدهم عن المضغ ولو لوهلة كان ذلك كافيا لاختفائه الى الأبد.

والآن عندما يدخل الزوار المكان متعثرين في أكوام من الأنقاض فانهم يحبسون أنفاسهم عندما يتضح لهم مدى اتساع المساحة التي تضيئها الانوار الخارجية مثل الكاتدرائيات. المكان أشبه بموقع تصوير لفيلم عن كوارث ودليل على قيام حرب شاملة في ذلك المكان. فهو يشبه ما حدث للرايخستاج في برلين عام 1945.

فجوتان في قمة القبة تدلان على مدى دقة قنبلتين مضادتين للمخابيء توغلتا في أرضية القصر في محاولة للوصول الى المخابيء في مارس اذار 2003.

وتشهد على قوة الانفجارات الفجوتان المكتظتان بأنقاض وشظايا على ما كانت يوما أرضية من خشب فاخر ونجف وأثاث انيق. ولكن تحت 20 مترا عبر طبقات وطبقات من الخرسانة ظلت قاعة مؤتمرات صدام حيث تم تصويره وهو يجتمع مع حكومة الحرب غير الرسمية كما هي دون سوء.. حتى جاء اللصوص.

والان أصبحت الغرفة منخفضة السقف عارية والاسلاك تبرز من الحائط الذي سرقت منه مفاتيح النور وصناديق القوابس.

المياه تجري تحت الارضية مما يدل على أن اللصوص استهدفوا أدوات السباكة وهو ما أدى الى غرق الطوابق السفلية للمخبأ بالمياه. ولم ينج من السرقة مصباح واحد ولا قطعة خشبية واحدة من الاثاث بخلاف السرر المكونة من طابقين المصنوعة من خشب صنوبر مقلد والمثبتة في جدران الغرف التي كانت بمثابة ثكنات عسكرية لقوات الحرس الجمهوري.

وفي المطابخ نجت من السرقة معدات طهي تشبه ما هو مستخدم في الفنادق الى جانب الوحدات الموجودة في المخبأ لتوليد الكهرباء ومعالجة الهواء والماء والابواب الواقية من الغازات التي تشبه أبواب الغواصات ومصعد الى الطابق العلوي من القصر. وكل تلك الاشياء تحمل علامات الدول المصنعة مثل ألمانيا والسويد ويوغوسلافيا وبلجيكا وبريطانيا ودول اخرى.

ويقول كارتر انه في غرفة واحدة صغيرة هناك كرسي مغطى بالفطريات وعبوات مواد غذائية مسروقة تابعة للجيش الامريكي تعيد للاذهان من كانوا يعيشون في المخبأ بعد الحرب قبل طردهم.

ولكن بالرغم من الاجراءات الامنية المشددة المفروضة على المنطقة الخضراء التي تضم أيضا المحكمة التي يمثل أمامها صدام مرة أخرى يوم 24 يناير كانون الثاني فما زال اللصوص يتمكنون من الدخول.

وكان المهندس الالماني الذي أشرف على بناء المخبأ في أوائل الثمانينات قد ذكر أن عشرات من الافراد كان يمكنهم العيش لشهور داخل المخبأ الذي تبلغ مساحته 1800 متر مربع عبارة عن ممرات وغرف.

وكان المهندس كارل ايسر قد قال لرويترز خلال الحرب "لا يمكن احداث شق في المخبأ الا بواسطة قوات برية أو قنبلة نووية ميدانية."

وكان ايسر الذي يزعم أن له صلة بالمخابيء التاريخية من خلال جدته التي ساعدت في بناء مخبأ لهتلر محقا فيما قال. فقد تمكنت القوات الامريكية في نهاية الامر من اقتحام المخبأ في ابريل نيسان عام 2003 بعد أن فجرت أحد الابواب محكمة الاغلاق في مبنى خارجي والتي صممت مثل القصر ذاته جزئيا كهدف خادع لإخفاء المخبأ. وكما يحاول القضاة في محاكمة صدام معرفة الحقيقة من الخيال يمضي المهندس كارتر أغلب وقته في العراق عندما لا يشرف على مشاريع كبرى لإعادة الاعمار محاولا فك طلاسم تصميم هذا المخبأ والقصر الذي يضم طوابق زائفة ومداخل سرية وأنظمة محكمة للحفاظ على الحياة.

يقول المهندس البالغ 58 عاما مبديا اعجابه بالتصميم "استغرق فهمه بعضا من الوقت...انه تصميم عبقري."

ولكن مستقبل هذا الهيكل فوق العادة غير واضح. ويقول كارتر "اصلاحه سيتطلب ثروة طائلة." وتساءل قائلا "هل يمكن هدمه؟.."

ولكن حتى القنابل المضادة للمخابيء لا تستطيع انجاز هذه المهمة.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين 23 /كانون الثاني/2006 - 22/ذي الحجة/1426