في رحاب هدي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

تأملات في الواقع الإسلامي (المثبطات الدنيوية وسبيل الخلاص)

بقلم: المهندس غريبي مراد عبد الملك(*)

مدخل منهجي:

في الغالب الأعم  التحاليل الصادرة بخصوص الواقع الإسلامي وقضاياه المصيرية، لا تزال بحاجة للعمق المعرفي ودقة المعاني ومناهج القراءة  الواعية دون أن نغض الطرف على جدية التناول والاستقصاء، كون التعاطي مع  القضايا هذه يختلف باختلاف المنطلقات والنتائج والغايات. إذ أنه من غير المستحسن أن يقفو المرء هذه القضايا ببساطة ولا بغلظة، ولكن أمر بين الأمرين مع الأخذ في الحسبان عنصر العلم أساسا، لأن  هذا الموضوع  يشبه تماما طبيعة المنهج التحليلي لدى الطبيب وتعامله مع المريض.

بالطبع المباحث الإسلامية عموما، هي مسائل تستدعي نظاما مفاهيميا حقوقيا، قائم على مبادئ  العلم والحرية والحوار والتسامح، بيد أننا نجد فسخا فاضحا وخطيرا لعقد هذا النظام المتجذر في المنظومة الثقافية الإسلامية، حيث اكتسحت عقلية العوام أروقة نظامنا الحقوقي الإسلامي بكل أبعاده، وأصبح واقعنا مسرحا للتهكم والسباب والظلم والاستبداد والتهميش والجدالات العقيمة وجل ألوان التخلف الإنساني  بشكل لم نشهده من قبل مما أدى إلى الانهماك في الأمور الثانوية والبديهية على حساب المقاصد الأساسية والأولوية في تطلعنا الإسلامي.

وهذا الواقع تتأكد أوصافه وأعراضه كما علاجاته في نص الحديث النبوي الشريف الذي سوف نحاول إستطراق مكنوناته بأسلوب مقتضب يومئ بتناول واسع في المستقبل للبلاغ المحمدي بإذن الله تعالى.

ورد في موسوعة البحار الأنوار المجلد 74 الصفحة 186:

عن انس بن مالك (ض) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  يقول:

 " يا معشر المسلمين، شمروا فإن الأمر جد، وتأهبوا فإن الرحيل قريب، وتزودوا فإن السفر بعيد، وخففوا أثقالكم فإن وراءكم عقبة كؤودا، لا يقطعها إلا المخفون.

أيها الناس، إن بين يدي الساعة أمورا شدادا، وأهوالا عظاما، وزمانا صعبا، يتملك فيه الظلمة، ويتصدر فيه الفسقة، ويضام فيه الآمرون بالمعروف ويضطهد فيه الناهين عن المنكر، فأعدوا لذلك  الإيمان وعضوا فيه بالنواجذ، وإلجأوا إلى العمل الصالح، وأكرهوا عليه النفوس، تفضوا إلى النعيم الدائم".

إذا لاحظنا هذا الحديث النبوي الشريف بشمولية، نعده موعظة نبوية وفقط، بينما لووجلنا في رحابه بصدق تتحول الموعظة إلى مستشفى للقلوب والعقول، نستمد منها الدواء الشافي لأغلب أمراضنا الأخلاقية والاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية...

وعلى طول هذا المدى الثقافي النبوي المعصوم نكتشف سعة وروعة هذا البلاغ النبوي المبين ومن ثمة نرقب الغنى الإستراتيجي في كلام سيد الخلق أجمعين.

من البديهي، أن  أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليه السلام، ممن مصادر التشريع الإسلامي، وهذا المصدر عند سماعه أو قراءته بكثير من الاهتمام، يثير لدينا إرهاصات حقوقية ( بالمعنى القانوني للمسؤولية) وكذلك يوقظ دفائن العقول  ويتيح المجال للتواصي والتباحث  اللذين يتطلبان ملاحظات وتطبيقات رسالية عظيمة.

والحديث الذي أوردته في مستهل المقال، يشير إلى مسألة جد شائكة في الحراك الإسلامي (الفردي والاجتماعي)، إذ ينبأ هذا الحديث بان هناك معوقات خطيرة أمام بلوغ المسلم السعادة الأبدية، ولعل هذا ما من شأنه أن يشغل الإنسان المسلم على طول الحياة الدنيوية.

 انطلاقا من تلك الحقيقة والأزمة في آن واحد، جاء هذا التأمل لأن نبحث في ثنايا الحديث عن هذه المعوقات والمثبطات ومناشئها، ثم نستوعب وسائل استبعادها عن سبيل المسلم المتطلع للنعيم الدائم. وكي لا نسارع في الفوضى القراءتية والمجون الأدبي وحتى لا نتأمل الحديث بشكل شمولي ضيق، فضلت أن نطل على هذا كله ( الحديث) في رحاب الخطوط العريضة لمقاصد البلاغ النبوي...

لأن البحث في  الأحاديث النبوية أو الإمامية يحتاج منا استثمارات معرفية هائلة ورسالية كبيرة، فأمتنا بأمس الحاجة إلى هدى مصادر دينها  لحل كل معضلات واقعها المأزوم.

سوف اختصر التأمل على فصول الحديث مع خطوطها العريضة وأبقي المجال مفتوحا للقارئ حتى يتأمل كل حسب طاقته وآفاقه الإيمانية:

أولا: كل المعوقات تتمحور وتتلخص في عبارة الحياة الدنيا التي شبهها أمير المؤمنين عليه السلام، بالحية التي ملمسها لين وناعم بينما سمها قاتل وفتاك أيضا، وذيل الحديث يوحي بهذا وزيادة فقد قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أيها الناس إن بين يدي الساعة أمورا شدادا وأهوالا عظاما وزمانا صعبا..." فعبارة (بين يدي الساعة) هي الحياة الدنيا وهنا إيحاء نبوي رائع من خلال إعطاء روحية الزمن معنى أدق وأهدى، حيث أن آخر الزمان قبيل ظهور الحجة صاحب العصر والزمان عليه السلام وعجل الله فرجه الشريف، يفتن الإنسان من خلال التحولات الرهيبة...

ثانيا: ثم استطرد الحديث صلى الله عليه وآله وسلم نحو التفصيل، للإشارة لأحوال آخر الزمان، فسلط المقال على عظام المعوقات، سيادة حكام الجور والظلم  وصدارة  الفساق (أهل الحرام والمجون من المنافقين وأصحاب الزنا والرشوة والغيبة ويدخل في هذا كل: الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون)، وضيق الأمر على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر  هذا من ناحية.

ثالثا: ومن ناحية أخرى، يعرج بنا الرحمة المهداة صلى الله عليه وآله وسلم إلى سبيل الخلاص ويختصره صلاة الله وسلامه عليه وآله وسلم تسليما كثيرا، في مطلبين حساسين في الحراك الإسلامي العام:

•       مطلب الحكم في الإسلام،

•       مطلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وهما عبارة عن خطين متوازيين ومتكاملين، ما إن ينفصل أحدهما عن الآخر أوينحرف واحد منهما أوكلاهما يفسد أمر الناس (فالناس على دين ملوكهم) و(إذا فسد العالم –بكسر اللام- فسد العالم)  وهاذين المطلبين لا يحققان صلاح الناس إلا إذ تعلقا بصنوان الإيمان والاستقامة.

رابعا: عودا للبدء نستلهم أن موضوعة الحديث وفكرته العامة تلمح لنبأ عظيم، فمدخل الحديث،  يشرح خاتمته بشكل منهجي واقعي، لأن عبارات التشمير والتأهب والتزود والاستخفاف من الأثقال كلها مفاهيم ومصاديق للاستقامة والاستعداد، ووردت مفصولة عن بعضها لتفي بغرض الإثارة والنباهة والوعي لأجل استنهاض كل مقومات الاستقامة لدى الإنسان المقهور  ومن ثمة إدارتها بعقلانية وموضوعية وواقعية دقيقة.

خامسا: وبعدها نلتقي بجوهر الاستقامة وماهيتها، حيث نستوحي المقابلة النبوية العظيمة بين عقبات  الدنيا وتحدياتها من جهة وأخطار الآخرة وأهوالها من جهة ثانية...لماذا؟ لانه هناك يقع الجانب الأكبر والأعظم من المسؤولية الإنسانية في الوجود بوجه عام  والإسلامية بوجه خاص بالإضافة إلى: ماهو مستوى العبء الرسالي في الإسلام؟

سادسا: على أساس ذلك كله أمر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الناس أجمعين والمسلمين خاصة بإعداد الإيمان كما تعد البرامج السياسية وما هنالك من مشاريع دنيوية، أضف إلى ذلك الصبر على هذا المخاض العسير بوسائل التقوى، من اللجوء للعمل الصالح إلى غاية إكراه النفس على تأديته لأجل الثبات على اليقين والدوام على الاستقامة والفلاح في الختام بجنة النعيم.

المسألة أيها الأحبة، هي أن نتدارس الاستقامة والثبات من خلال إعداد الإيمان في ذواتنا على ضوء الصفاء الإسلامي، حتى نستطيع أن نلقى الله ونحن له مسلمون، علينا أن نراجع هدي النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام بأسلوب علمي دقيق ومنفتح على آفاق واقعنا الإسلامي والواقع الإنساني ككل.

على ضوء ما تقدم أيها الإخوة المسلمون (سنة وشيعة أوشيعة وسنة، المهم كلكم مسلمون..!؟)  وأيها المؤمنون المخلصون للحقيقة، علينا أن نحفظ أمانات الله والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام والناس والشعوب والدواب والخلق كله بالكثير من الإيمان وبالكثير من الوعي الإسلامي الصحيح وبالكثير من الاستقامة الرسالية وبالكثير من الصبر الجميل وبالكثير من دراسة المواقف والتطلعات على أساس ما يحبه الله ورسوله، خصوصا ونحن على أعتاب شهر الفريضة الخامسة، التي ما شرعت إلا لتكون المؤتمر الإسلامي العالمي المشرق بالصفاء الروحي والعودة إلى صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة وهوأحكم الحاكمين...ولهذا فليتنافس المتنافسون !؟ 

(*) كاتب وباحث إسلامي جزائري

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 6/كانون الثاني/2006 -  5/ذي الحجة/1426