نظرة لجرم الجزيرة: مع المرجعية الدينية من أجل إعلام رسالي عادل

  بقلم : المهندس غريبي مراد عبد الملك(*)

"وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم" (سورة الإسراء/53)

مدخل:إنها قناة الحرية والحقيقة، القناة التي حملت شعار الديموقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان في الوطن العربي والعالم الإسلامي، الجزيرة، التي عنوانها يوحي بالحيادية واللجوء الإعلامي ، هذه  المؤسسة الإعلامية التي أثرت منذ أواخر التسعينات في حرب أفغانستان وعند احتلال العراق في الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي أيضا، وأثارت شبهات وملفات غامضة غموض الواقع العالمي وأقلقت البيوت البيضاء والحمراء والسوداء، وبذلك ركبت سفينة الوغى وعكرت صفو الشعوب، حتى  أنكرت  الحدود المهنية العقلائية فأنتجت سيناريو بلا حدود وأتت بدم كذب على قميص المرجعية تحت لواء الإتجاه المعاكس، فقيل لها استغفري لذنبك الإعلامي إنك كنت من الخاطئين، فلم تبال قائلة ما لكم كيف تحكمون؟ أفي الجزيرة شك ؟ ! 

نعم... إن الأمور إذا زادت عن حدودها انقلبت إلى أضدادها، فالحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر، ولا ينال وسام الشرف الإعلامي إلا بالتوازن الإعلامي والعدل الإعلامي وما هنالك من مفاهيم أخلاقية تتعلق بهذا المجال الحساس والذي إن خضع لأحقاد الأفراد وإفراطا تهم الباراسيكولوجية، فإنه يصبح نقمة بدل أن يكون نعمة على مستقبل الشعوب والأمم  الطامحة للحرية والتحرر والعدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية، الإعلام قبل أن يدلي بدلوه لابد أن يناقش الخبر وإفرازاته بعد النشر ويراعي مصالح العامة قبل مصالح الخاصة في ذلك كله، ويلتزم بالحيادية  كمحور رئيسي في فعله الرسالي ولا يرمي بيوت الآخرين بأحجار الحقد والتهمة والسباب والتعبئة الطائفية إذا كان بيته من زجاج وكان فعلا يهدف للمساهمة في استنقاذ الأمم من أوحال التخلف والعبودية والاستكبار.

بعد الجرم الأخير الذي نال من المسلمين جميعا لا من الشيعة دون السنة، لأن عنوان المرجعية عمقا لا يتعلق بالشيعة دون السنة بل هم سواء في ذلك سوى في تفاصيل المفهوم، فالمرجعية الدينية إسلاميا لابد أن تراعى موقعيتها ورمزيتها، لأنها ذات ثقل كبير في الحراك والمستقبل الإسلاميين، إنها الأصالة الإسلامية التي لو خدشت فسلام على الهوية  الإسلامية وكرامة المسلم، كونها التجسيد الحي لتعاليم الإسلام في الواقع، ومنها نستمد القدوة الروحية والأخلاقية والإستراتيجية الرسالية ...

ترى أليس من حقنا أن نشك في مقاصد الجزيرة بعد ما سمعناه وشهدناه من تجاوزات لحقوق الآخرين وتنصلها من واجباتها المهنية، إن الدكتور فيصل قاسم ابن الأصالة وصاحب التجربة المريرة في سوريا، عليه أن يتساءل وولو مرة من هو السيد علي السيستاني؟ وهل من حقه أن يحاكم أي أحد بهذا الأسلوب ؟من خلال برنامجه الذي زادته الضجة والغثيان السياسي شهرة وزندقة، أخي فيصل، قالها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم  لأحد أصحابه اسمه سعد وأعيدها لك لنعتبر أنا وأنت وكل من ألقى السمع وهوشهيد من أصالتنا الإسلامية "ما هكذا تساق الإبل يا فيصل" ...؟ فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يشتم بالصحف الدنماركية ونحن نتراشق بالتهم والسباب لا لشيء سوى لاعتبارات سياسية يقول عنها البعض طائفية بينما هي غير ذلك، ونلتفت لنحاسب الحكومة الدنماركية، لماذا نحاسبها فالأولى أن نحاسب أنفسنا فنحن نشتم ونسب ونتهم علماءنا ومرجعياتنا الدينية حسب منطقنا التعصبي وهم كذلك يشتمون نبينا حسب منطقهم التعصبي الذي ربما انتهجوه من خلال عملية التعدي لمنطقنا فكان النتاج أن أوحينا لهم بأن يسبوا نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله، دون أن نشعر بل من خلال بلادتنا الشاملة . بالله عليك  أخي المسلم ، أ هكذا نتعامل مع  من حبر أقلامهم أعظم من دم الشهداء، لا لشيء سوى انهم ذوو شأن عظيم عند الله بأنهم يفقهون الناس ويوجهونهم لصالح الأعمال وسبيل الرشاد ويستنقذوهم من التخلف والعبودية والهمجية التي تسيء لهم وللإسلام وللمسلمين والأنبياء ولباري عزوجل، كل هذا واضح وجلي عند جل المذاهب الإسلامية وينطق به القرآن في أكثر من آية كريمة .

 أخي فيصل، إننا ندرك تمام الإدراك أن عملك الإعلامي يفرض عليك التقصي والتمحيص، لكن لكل أمر أسس ومبادئ ومرتكزات وأخلاقيات أو أدبيات، أين عملك من "وقولوا للناس حسنا " ( سورة البقرة /83) و(ولا تستوي الحسنة ولا السيِّئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه ولي حميم * وما يلقاها إلاّ الذين صبروا وما يلقاها إلاّ ذو حظ عظيم ) فصلت / 34 ـ 35. و"لا تسبوا الذين يدعون من دون الله   فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم " (سورة الأنعام /108) و"إن الله يأمر بالعدل والإحسان "( سورة النحل /90) و" لا تبخسوا الناس أشياءهم" ( سورة الشعراء /183) هذا مع أهل الكتاب والكافرين فما بالك بالمسلمين ومن ينطق بالشهادتين، ما هكذا الإعلام وإثارة المسائل ومناقشة الأحداث يا أخي فيصل، إن الإعلام مسؤولية بجل أبعادها قبل أن تكون مهنة ورسالة قبل أن تكون سلاح وثقافة قبل أن تكون حضارة، إن الإعلام كما كل شؤون الحياة وسائل للمسارعة في الخيرات وإحياء الأرض بعد موتها وإحياء النفوس بمكارم الأخلاق، لأن كلمة  طيبة  تحيي نفسا واحدة هي بمقدار إحياء للناس جميعا والعكس هي قتل للناس جميعا ...

عودا على بدء، الشرخ كبير والذنب عظيم، وكلاهما بحاجة إلى رفق وحكمة من جهة وطلب العفو والتوبة من جهة أخرى، وعسى أن ينفتح أصحاب جزيرة النباهة والأصالة على "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" فليس عيبا أن نطلب العفو ونتوب لله تعالى، ولكن العيب أن نتمادى في الخطأ ونصر على المواقف المشينة لنا ونحسب أن ذاك نقص في ذواتنا بل الحق أن من الحكمة التواضع ونبذ العجب والتخلف وطلب المعالي الصادقة لا المزيفة ولا على حساب الآخرين، لأن ذاك السبيل هو محض الظلم الذي نظن أننا نجاهده  كل يوم.

 ثم يا أهل الجزيرة الاعتراف سيد الأدلة، ولقد  بات من الصعب التحاكم إلى الطاغوت، فلابد أن نرد نزاعاتنا لله والرسول وأولي الأمر، وأولوا الأمر كما نعلم من تفسيراتها  العلماء والوصل في اللغة العربية يجمع الأحكام والقواعد، فلما نحجب الشمس بالغربال كما في المثل الشعبي الجزائري.   

 وبعد، لا تثريب عليك يا جزيرة الأحرار اليوم، استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ،ستجدين الله غفورا رحيما... لنحدد حقوقنا وواجباتنا تجاه أمتنا وعلمائنا ونرتب إعلامنا على قدر الأخطار والأحقاد التي دنست القرآن واليوم تشتم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ولا نزال نتابع التطورات والأحداث وكأننا لسنا بمسلمين، وبالتالي انقلبت الموازين !

نافلة القول :

"يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" ( سورة المائدة/8)...

اللهم أصلح حالنا إلى خير حال واجمع شملنا واقهر عدونا ولا تشمت الأعداء فينا واحفظ علماءنا وأنصرهم إنك  نعم المولى ونعم النصير.

(*) كاتب وباحث إسلامي جزائري

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -اربعاء 28/كانون الاول/2005 -  25/ذي القعدة/1426