الانتخابات في العراق تحدد مستقبل الوضع السياسي في امريكا

خففت الانتخابات العراقية الناجحة الاسبوع الماضي بعض الشيء من الضغوط السياسية على الرئيس الامريكي جورج بوش لكن المحللين يقولون ان العراق سيظل القضية السياسية المهيمنة في التحضير في عام 2006 لانتخابات الكونجرس في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.

ومع اقتراب عام 2005 من نهايته تحول أغلب النشاط داخل الكونجرس من العراق الى مشاحنات بشأن الانفاق على البرامج الاجتماعية وحفر ابار نفط في الاسكا والحريات المدنية التي سلطت عليها الاضواء بسبب كشف النقاب الاسبوع الماضي عن ان الرئيس سمح بالتجسس على الامريكيين الذين يشتبه في ان تكون لهم علاقات بالارهاب دون اذن محكمة.

ويتوقع أغلب المحللين ان يكون هذا التحول في الاهتمام مؤقتا.

فالقضايا المحلية مثل جلسات الاستماع الشهر المقبل لصامويل اليتو المرشح لرئاسة المحكمة العليا أو الكشف الجديد المحتمل عن فساد في الكونجرس من شأنها بالتأكيد ان تبرز وتتصدر عناوين الصحف لبعض الوقت. غير أن العراق سيظل الثابت الوحيد فلا تخلو منه عناوين الصحف أو أذهان الناخبين.

وقال ستيوارت روثنبرج الذي يدير نشرة سياسية غير حزبية في واشنطن "اعتقد أن مسألة العراق ستهيمن على انتخابات التجديد النصفي باعتبارها المسألة الاكبر والرئيس سيواجه طريقا وعرا."

وستطرح جميع مقاعد مجلس النواب وعددها 435 مقعدا ومقاعد مجلس الشيوخ وعددها 33 مقعدا للمنافسة في انتخابات نوفمبر تشرين الثاني.

وضع لاري ساباتو استاذ العلوم السياسية بجامعة فرجينيا في تحليل حديث على موقعه على الانترنت الحملة في سياق تاريخي.

وكتب يقول "عادة ما تكون قضايا الحرب والسلام في أوقات الحرب الساخنة مهيمنة على الانتخابات الامريكية ويليها مباشرة الاقتصاد عندما يعاني من مشكلة خطيرة. في عام 2006 سيكون العراق بالتأكيد مازال بؤرة صراع ساخنة في وقت الانتخابات حتى اذا كان هناك سحب للقوات لذلك سيكون الموضوع المهيمن."

وقال كال جيلسون استاذ العلوم السياسية في جامعة ساثرن مثوديست في دالاس ان الانتخابات العراقية أعطت بوش فرصة لالتقاط الانفاس ليثبت للناخبين مرة أخرى أن سياسته هناك مجدية.

وأضاف جيلسون "أمامه بعض الوقت ربما ما بين ستة وتسعة أشهر لاقناع الامريكيين اننا على طريق نافذ من أجل تحقيق الاستقرار والديمقراطية في العراق. واذا ظل ذلك غير واضح بحلول الصيف المقبل فلن يكون هناك شيء يلجم هجمات الديمقراطيين وسيكون الجمهوريون في وضع البحث ملجأ."

ويبدو أن خطابات بوش الاربعة في الفترة الاخيرة عن العراق قد أسهمت في رفع شعبيته من أدنى مستوياتها على الاطلاق الى مستوى أعلى من 40 بالمئة. وساعد على ذلك أيضا انخفاض أسعار البنزين وانتعاش الاقتصاد قبيل موسم العطلات.

وقال اندرو كوهات خبير استطلاعات الرأي من مركز بيو للابحاث ان شعبية بوش تظل ضعيفة بالمقارنة برؤساء اخرين في فترة ولايتهم الثانية واذا ظلت على هذا الضعف حتى نوفمبر فان سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونجرس قد تكون مهددة.

ويبدو ان البعض داخل البيت الابيض يعتقد أن المناقشات بشأن مراقبة المواطنين والامن الداخلي تدعم بوش وتلقى الضوء على صورته كزعيم قوي في اطار "الحرب على الارهاب". وبالتأكيد مع تراجع الثقة في قدرته على ادارة الاقتصاد والحرب على العراق فان هذا المعيار لقييم قيادته كان له أثر جيد في استطلاعات الرأي.

وقال ريك ديفيس المستشار السياسي الجمهوري "انه يذكر الناس بأن مازالت هناك خلايا ارهابية كامنة في الولايات المتحدة. واذا تمكن الرئيس من ايضاح لماذا يعتقد أن له سلطة القيام بذلك فان الشعب قد يكون مستعدا لاعطائه فرصة."

ومن ناحية أخرى فانه مع تباعد ذكريات هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001 عن الاذهان فان القلق بشأن الحريات المدنية يتنامى بين قطاعات كبيرة من الناس.

وقال جون زغبي خبير استطلاعات الرأي "مسألة التجسس المحلي يكون لها أثر سلببي عند الامريكيين الذين فقدوا الامل تماما في بوش لكنها قد تساعد في تعزيز قاعدته التي بدأت تتآكل."

وقال "العراق لن يبتعد. أحدث استطلاعات الرأي تفيد أن 84 بالمئة من الامريكيين يعتبرون العراق اما العامل الاهم أو المهم جدا في الانتخابات. وقد يحاول الجانبان تغيير الموضوع لكن الاحداث الجارية على أرض الواقع لن تسمح بذلك."

ويرى الرئيس بوش إن العراق الديمقراطي سيكون "مثالاً إيجابيا للإصلاحيين من الدول المجاورة". ووصف انتقال العراق السريع من نظام طاغ إلى نظام ديمقراطي "بأنه أمر مذهل، وبأنه يدل على رغبة أبناء الشعب العراقي في العيش  في "مجتمع حر".

وأكد بوش في مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض يوم 19 كانون الأول/ديسمبر الجاري أن قيام عراق حر سيكون مثالا لأمل وتفاؤل الإصلاحيين من طهران إلى دمشق "وسيساعد في وضع الأسس لتحقيق السلام للأجيال المقبلة."

وتابع بوش حديثه يقول "إن ما نشاهده اليوم يمثل لحظة تاريخية لأنني أؤمن بأن الديمقراطية ستنتشر، وأؤمن بأن الشعوب عندما تتذوق طعم الحرية أو تشاهد جارة تتذوق طعم الحرية، فستطالب بنفس الحقوق لأنني أؤمن بعالمية الحرية وبأن جميع الناس ترغب في أن تنعم بالحرية."

وقال بوش إن الانتخابات التي جرت في العراق في الخامس عشر من الشهر الجاري لن تنهي التحديات أو العنف التي تواجهها البلاد. وتعهد بمواصلة الدعم الأميركي للشعب العراقي في الوقت الذي يتم فيه فرز الأصوات، ومباشرة المسؤولين العراقيين المنتخبين مهمة تشكيل أول حكومة عراقية دائمة منذ الإطاحة بنظام صدامحسين.

وأردف: "لا بد لنا من التأكد من مراقبة ذلك الجزء والمشاركة فيه"، مضيفا "بأن المشاركة لا تعني الإملاء على الحكومة العراقية المستقلة ماذا يتحتم عليها القيام به، بل يعني إسداء النصيحة حول كيفية المضي قدما."

وسرد الرئيس حديثا جرى بينه وبين سيدة عراقية أخبرته بأنها ترى أن الزعيم العراقي السابق صدام حسين لا يستحق المحاكمة، فقال إنه أبلغها أن الإجراءات القانونية ضد صدام حسين تمثل دلالة على عودة العراق إلى حكم القانون.

وأضاف بوش "سألتها ألا ترين أن المحاكمة في حد ذاتها تشكل مثل هذا التناقض عن الطغيان وأنها في حد ذاتها تمثل نصرا للحرية وهزيمة للاستبداد؟ ولذا فمن الأهمية بمكان أن يسود حكم القانون."

ودافع الرئيس عن قرار شن الحرب على العراق، فقال إن صدام حسين كانت لا تزال لديه القدرة والنية لتطوير أسلحة الدمار الشامل. "وكان عندها يشكل خطرا. لقد كان قرارا صائبا لعزل صدام."

ولكن الرئيس ذكر أن التقارير الاستخباراتية التي توفرت خلال فترة ما قبل الحرب حول حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل كانت خاطئة. وقال "إنني كغيري من الأميركيين عندما لم يتم العثور على الأسلحة خالجني شعور بالقلق وتساءلت لماذا"، فاتخذت قرار تشكيل لجنة سيلبيرمان-روب للتحقيق في عيوب المعلومات الاستخباراتية.

إن الفشل الاستخباراتي، الذي قال بوش إنه كان مشتركا بين أجهزة الاستخبارات في كافة أنحاء العالم، قد حمل هذه الأجهزة على العودة خطوة إلى الوراء وإعادة تقييم جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها. وأقر بأنها ستواجهها بعض الصعوبة في إعادة بناء مصداقيتها، حتى في الوقت الذي يجب أن يتناول فيه المجتمع الدولي قضايا مثل أنشطة إيران وكوريا الشمالية النووية.

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 23/كانون الاول/2005 -  20/ذي القعدة/1426