في مقابلة صحفية مع الشيخ المنتظري: المنشأ الأساسي للمشاكل هو من مطلقية ولاية الفقيه في الدستور.. إن أول عمل لابد من فعله هو إصلاح الدستور بواسطة الممثلين المنتخبين

* إن ضرورة إجراء العدالة، لا تنحصر بالنسبة للأصدقاء فقط، أو لمن يشترك في العقيدة، بل يشمل المعارضين السياسيين و الدينيين أيضا.

* إن بروز أول انحراف بدأ من خلال الأعمال المشددة التي كان يمارسها الانفعاليون و المتشددون في محاكم الثورة.

* الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الانتقاد البناء، و المتناسب مع ظروف الزمان و المكان، يعتبر واجبا شرعيا و عقليا لكل مسلم.

* للأسف بسبب ممارسات و أفعال المسؤولين والذي يتم باسم المذهب و الدين، نرى اليوم نوعا من الفاصلة بين الشعب و المذهب، وخاصة عند جيل الشباب، وهذا أمر خطير جدا يدعو إلى القلق، و أتمنى أن يبحث العلماء و العظماء حلا لذلك.

 

في مقابلة خاصة  أجرتها صحيفة "روز"-اليوم- الطهرانية عبر البريد الإلكتروني مع سماحة المرجع الديني  آية الله العظمى الشيخ المنتظري، تحدث سماحته حول أهم أحداث الساحة الإسلامية و السياسية خلال ربع القرن الأخير بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، و إليكم نص المقابلة أجرتها "مريم كاشاني" مراسلة الصحيفة:

آية الله حسين علي المنتظري، لسنوات طويلة حبيس في البيت، و يعتبر من أقدم أعوان الثورة الإسلامية، و كان له الدور المؤثر في تأسيس "الجمهورية الإسلامية"، و في الدورة الأولى لمجلس خبراء القيادة، انتخب "نائبا للقيادة. لكن معارضته مع السياسات المتشددة، ومنها أعمال العنف في السجون، و مواقفه بالنسبة للإعدامات السياسية الجماعية، خاصة خلال عام 1367 [1988]، سببت عزله.

 والانتقادات المقبلة والصريحة لآية الله  المنتظري بالنسبة للأحداث السياسية، أدت إلى حبسه في البيت، و رغم الإعلان عن إنهاء هذا الحبس بعد خمسة أعوام، لكنه عمليا لا يزال جاريا.

رجل الدين الطاعن في العمر الذي يحظى بأعلى سلسلة المراتب الدينية، لا يزال وفيا للـ "القيم" التي ثار من أجلها، إنه يدافع عن العدالة والحرية، و يرى الحل في الخروج من المأزق الحاد الحالي، هو إصلاح الدستور، و الذي يعتبر من ضمنه حذف صفة "المطلقة" من "ولاية الفقية".

 ــ سماحة آية الله!، إنكم من مؤسسي "الجمهورية الإسلامية"، ما هو تصوركم الذهني عن "الجمهورية الإسلامية"؟

المرجع المنتظري: مع السلام و التحية، لقد كان هدفنا من الثورة و تأسيس الجمهورية الإسلامية، هو أن تعم قوانين الإسلام و القيم الأخلاقية، و العدالة  جميع سطوح المجتمع، وأن تضمن حقوق جميع الأفراد و الشرائح – بغض النظر عن عقيدتهم و إيمانهم-، و أن ُترفع المحرومية و الظلم عن الشريحة الضعيفة من المجتمع، و أن تتهيأ الأجواء لبلورة الكفاءات، ويعلو المجتمع من الناحية الدينية و الدنيوية، ليكون بلدنا نموذجا و قدوة للحاكمية الإسلامية لجميع البلدان و الشعوب.

ــ  من خلال النظرة الملقاة على الأعوام الأولى للثورة، يعتقد البعض أن الأجواء التي سببت في أن توضع "الأصول" تحت الأقدام فيما يرتبط بأصدقاء الثورة، بدأت حينما كانت هذه "الأصول" لا تلاحظ فيما يرتبط بالمعاملة مع أعداء الثورة، ما رأيكم؟

المرجع المنتظري: كلام صحيح، القرآن الكريم أيضا أكد على ذلك، حيث يقول في سورة المائدة الآية 8: "و لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، أعدلوا هو أقرب للتقوى".

إن ضرورة إجراء العدالة، لا تنحصر بالنسبة للأصدقاء فقط، أو لمن يشترك في العقيدة، بل يشمل المعارضين السياسيين و الدينيين أيضا.

سماحة آية الله الخميني أيضا أوصى بذلك، لكن للأسف إن الكثير من الأعمال المشددة و المضيعة للحقوق تجرى باسم سماحته، و بذلك تعرض شخصيته تحت علامة الاستفهام، إنني و بناءا على هذا الأساس، كنت أقدم  ملاحظاتي خلال الأعوام الأولى للثورة إلى المسؤولين عن الأمر، لكن البعض لم يرغب في ذلك، و يحتمل أنهم كانوا يروجون إلى آية الله الخميني بأنني أسعى لتضعيفهم، لكني كنت دائما أرى أنه من خلال المواجهات المتشددة، كانت القيم الأصولية التي قامت الثورة من أجلها، تتجه نحو الاضمحلال و الانمحاء.

*محاكم الثورة و الأحكام الغير واردة

ــ  ما هي أول الانحرافات و أهمهما، في النظام الذي كان على مد نظركم، و متى و في أي مصاديق ابتدأت؟.

المرجع المنتظري: بشكل مجمل، إن بروز أول انحراف بدأ من خلال الأعمال المشددة التي كان يمارسها الانفعاليون و المتشددون في محاكم الثورة، و للأسف ترك هذا تأثيره على الكثير من قضاة الشرع، بحيث صدرت من قبلهم أحكام غير واردة في الإعدام و مصادرة الأموال، لقد ذكرت بعض الشيء حول هذا الأمر في كتاب المذكرات، طبعا قسم من أعمال العنف و الشدة في أوائل الثورة، كانت معلولة بظروف الثورة، و كانت بمثابة رد فعل للمظالم التي أجريت في النظام السابق، لكن التدبير الصحيح، و العدالة التي أوصى بها القرآن، كانت تقتضي على المسؤولين في البلد، أن يقوموا بالإشراف الدقيق على مسار الأحداث، و أن يواجهوا ذلك التشدد، و أن يمنعوا من تضييع حقوق الأشخاص.

من عمدة الانحرافات الأخرى، هو التوجه نحو الفكر المطلق، و تصويب الأمر المطلق في الفكر و القول و العمل عند بعض شخصيات الثورة، و الذي أدى إلى تضييق المجال لظهور أي فكر آخر، و أغلق باب النقد و التفحص.

ــ  برأيكم من هي الفئات التي ضحت في سبيل آمال الثورة الإسلامية؟

المرجع المنتظري: إن الفئات المؤيدة للثورة و لآمالها كانت كثيرة و من مختلف أنحاء البلد، و كل في مقامه كان يقدم خدماته، لكن الأشخاص الذين تجاوزوا عن كل ما يملكون و عن راحتهم، و أعطوا حياتهم في سبيل الله و من أجل الدفاع عن الثورة و البلد، و استشهدوا في هذا الطريق، أو الذين فقدوا حرياتهم، يمكن أن يوصفوا أنهم أكثر الفئات مقاومة و تضحية للثورة، و كذلك عوائلهم الذين قدموا في هذا الطريق أفضل أعزتهم و تحملوا آلام فراقهم وهجرانهم من أجل الله.

ــ  ما هي أول حادثة  جعلتكم أن تقفوا موقف المتسائل حول سير الأحداث؟

المرجع المنتظري: كما أشرت في الإجابة على السؤال الثالث، إن الإعدامات و المصادرات الغير واردة التي أجريت بواسطة محاكم الثورة، و كذلك المعاملات الغير عادلة التي كان يمارسها الكثير من المحققين مع المتهمين و السجناء، كانت ضمن أول الأمور التي أثارت حساسيتي بالنسبة لسير الأمور في البلد، و بالتالي شعرت بالواجب الشرعي و العقلي، فقمت بالإقدام على أمور كإرسال المبعوثين داخل السجون من أجل الحصول على المعلومات الدقيقة، و المواجهة مع المتخلفين، و كذلك تأسيس المحكمة العليا للثورة، أسستها بالتنسيق مع آية الله الخميني، وقد أدت إلى إنقاذ حياة الآلاف من المحكومين بالإعدام، و التي نقضت أحكامهم بواسطة هذه المحكمة.

*التقارير البعيدة عن الحقيقة:

ــ يعتقد البعض أن هنالك عوامل و أفراد وقفت بينكم و بين سماحة آية الله الخميني، الذين أصبحوا فيما بعد "مقتطفي ثمار الثورة"، ما رأيكم بذلك؟

المرجع المنتظري: لا أريد أن أذكر أسماء خاصة للأشخاص، لكن بشكل مجمل، كانت عوامل و تيارات خاصة في  وزارة المخابرات "إطلاعات"، كانوا يفتعلون الفتن، و كانوا يقدمون تقارير غير حقيقية عني و عن بيتي عند آية الله الخميني لكي يرسموا له ذهنية ليصلوا إلى مآربهم، و للأسف قد نجحوا في ذلك.

ــ لقد كتبتم لزوج السيد كنجي بأنكم تشعرون بالخجل عما يجري بحق هذه العائلة، ما هو أهم انتقاد ترونه وارد إليكم بالنظر لمجموعة تيارات الثورة، و تشعرون بالامتعاض من أجله؟

المرجع المنتظري: إنني لا أرى نفسي مبرأ من العيب و الخطأ، و أستقبل الانتقادات المنصفة الموجهة إلي، ولقد ذكرت ذلك مرارا في مكاتباتي و مقابلاتي، و بالنسبة لمجموعة تيارات الثورة، أرى  من وجود انتقادات واردة إلي، و التي لا يمكن بيانها في هذه العاجلة: لا أحد منا معصوم، و يروى عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم" كل بني آدم خطاءون، و خير الخطائين التوابون".

ــ ماذا بقي اليوم من عنوان "الثورة الإسلامية" التي كنتم تعرفونها و تؤمنون بها، و كذلك ماذا بقي مما كنتم تعرفونه بـ"الجمهورية الإسلامية"، و كنتم تأملون به؟

المرجع المنتظري: بعيد عن الإنصاف إن نغض النظر عن الكثير من المحاسن التي حصلت بعد الثورة من أجل الناس، و الكثير من الخدمات التي نفذت بواسطة المحبين و المخلصين من أجل تقدم البلد، لكن ما وعدناه للناس، و ثرنا من أجله، كانت أهداف عليا و أكثر قيمة، والتي للأسف لم نصل إليها.

 مع ذلك أظن أن الأمر ليس متأخرا، فإذا أراد المسئولون على السطح العالي الذين يتخذون القرارات، لو أرادوا يستطيعون أن يقوموا بإصلاح مما مضى ، و يقوموا بجبران الكثير من الحقوق المضيعة.

*التيارات الرجعية:

ــ ما رأيكم حول "التيار المرتجع و المتحجر" و ما هي مصاديقه؟

المرجع المنتظري: إن التيار المتحجر و الرجعي موجود في كل زمن، و عادة ما إن عامة الأشخاص، لا يحظون بقوة التعمق و التحقيق في القضايا الفكرية و الدينية، و التمييز بين الحق و الباطل، و البعض يتجه في القضايا الفكرية إلى منطق الجزم و الفكر المطلق و التعصب، و طبعا هنا يظهر القشرييون و الظاهرييون، و ضرر هؤلاء الأشخاص لا يقل عن ضرر الأعداء الواعين.

 أمير المؤمنين عليه السلام استشهد بواسطة هؤلاء الأشخاص، و سائر الأئمة الأطهار عليهم السلام كانوا مبتلين بهم، و الحكومات أيضا كانت تستغلهم للوصول إلى مقاصدها.

إن تشخيص مصاديق التيار المذكور في أي زمن، يكمن في الإطار القويم و الشفاف و العقلاني، و من خلال الموازين الظاهرة و الواضحة الشرعية لأهل الاختصاص الذين يحملون على عاتقهم رسالة هداية المجتمع، و مصاديق ذلك يكون في مختلف المجالات.

ــ ما رأيكم حول الملف النووي الإيراني؟

المرجع المنتظري: إن الحصول على  على الطاقة النووية لمقاصد سلمية و عامة المنفعة، يعتبر حقا لأي شعب، و حصر ذلك فقط في حوزة السلطات الكبرى توجب تضييع حقوق الشعوب الضعيفة.

*نماذج من انتهاكات حقوق الإنسان:

ــ ما رأيكم حول وضع حقوق الإنسان في إيران؟

المرجع المنتظري: حبس الأشخاص خلال السنوات الأخيرة بسبب إبداء الرأي أو انتقادهم للحكومة، و سجنهم و إصدار حكم المحروميات الاجتماعية، و كذلك المواجهة مع أهل القلم و الفكر و مع الصحف الغير تابعة للحكومة، تعتبر نماج من انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.

في زمن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أمير المؤمنين عليه السلام، ما كان يوجد أي سجين سياسي، و أنهما سلام الله عليهما ما كانا يحاكمان أو يسجنان أشخاص بسبب أفكارهم أو تصريحاتهم.

ــ مع النظر إلى ظروف إيران اليوم، ما هي الأعمال التي تعتبر "واجبة" على المسلمين، و ما هي الأعمال التي تعتبر "محرمة" عليهم برأيكم؟

المرجع المنتظري: كليا، إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الانتقاد البناء، و المتناسب مع ظروف الزمان و المكان، يعتبر واجبا شرعيا و عقليا لكل مسلم.

و الصمت أمام المظالم و التجاوزات لحقوق الناس بالشكل الذي يعني تأييدها و تقويتها يعتبر محرما.

* لم أصوت على الولاية المطلقة:

ــ إذا كان عندكم إمكانية التغيير أو التصحيح لبعض الأمور، ما هو أول أمر كنتم تقومون بتغييره، و ما هو أول مسير تقومون بإصلاحه؟

المرجع المنتظري: بما أن أكثر التخلفات و الأخطاء التي تقع من قبل الحكومة، تصطبغ بصبغة قانونية، مع الدراسة الدقيقة نرى أن  الأمور في أمر إدارة البلد تنتهي إلى الهيكلية الحالية لولاية الفقيه، و إن المنشأ الأساسي للمشاكل هو من مطلقية ولاية الفقيه في الدستور، و عدم محدوديته في إطار الزمن و سائر الجهات، لذلك أرى إن أول عمل لابد من فعله هو إصلاح الدستور بواسطة الممثلين المنتخبين من قبل الناس، و في أجواء حرة بالكامل، و إذا كنتم تتذكرون إن آية الله الخميني بعد عودته إلى البلاد في مقبرة جنة الزهراء عليها السلام –بهشت زهراء- قال: "كيف يحق لآبائنا أن يعينوا مصيرنا السياسي؟ كل جيل له الحق في أن يبدي رأيه بما يرتبط بمصير بلده".

في البداية ما كان يوجد في الدستور عبارة "المطلقة"، و قد أضافوها حين التعديل، و الكثير من الناس و من ضمنهم أنا لم يصوتوا على ذلك.

*الشعب و الدين:

-- سماحة آية الله!، كيف ترون اليوم علاقة مفردتي "الشعب" و "المذهب" في إيران، البعض قلقون على "الشعب"، و البعض الآخر على "المذهب"، أنتم قلقون على ماذا؟

المرجع المنتظري: من الناحية النظرية لا يمكن التفكيك بين الشعب السليم و المذهب الصحيح، ذلك لأنه لا يوجد أي شعب يستطيع الوصول إلى الفوز من دون مذهب صحيح.

و المذهب يستطيع أن يكون الصورة و الفصل الحقيقي لأي شعب، و يعتبر الوجه الباطني و المعنوي له،  كما أن أي مذهب لا يستطيع أن يحظى بمقام شعبي دون أن لا يلاحظ المصالح الوطنية، لكن مع الأسف من حيث العمل، و أحيانا بسبب ضعف الإيمان و المعتقد، و أحيانا بسبب التفاسير الخاطئة حول المذهب، يأخذ البعض الجانب الوطني، و البعض الآخر الجانب المذهبي، و يتجهون نحو الإفراط  أو التفريط، و إن ما يثير القلق، هو التفكيك بينهما أو الترجيح المفرط لأحدهما على الآخر، بمعنى إثبات إحداهما و نفي الآخر، سواء من الجانب النظري أو العملي.

من جهة أخرى، و للأسف بسبب ممارسات و أفعال المسؤولين والذي يتم باسم المذهب و الدين، نرى اليوم نوعا من الفاصلة بين الشعب و المذهب، وخاصة عند جيل الشباب، وهذا أمر خطير جدا يدعو إلى القلق، و أتمنى أن يبحث العلماء و العظماء حلا لذلك.

أسئل الله العزة و الاعتلاء  للإسلام و للبلد، و إن شاء الله تكونوا موفقين.

والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته

حسين علي المنتظري

10 شوال 1426

13 نوفمبر 2005

http://roozonline.com/08interview/011631.shtml

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 16/تشرين الثاني/2005 -  13/شوال/1426