اغتيال الدكتور الوردي من جديد

مازن مرسول محمد

   لربما هناك حقيقةً لا يفقهها الكثير، او ان الكثير يتجاهلها على الرغم من وجودها واضحة للعيان وبشكلٍ ساطع، وهي ان المجتمع العراقي هو بنفسه من ساهم بتغييب وتسفيه فكر الدكتور علي الوردي على مدى مراحل حياته، حيث لم تلعب الظروف السياسية آنذاك في عهده فقط دوراً في محاولة تهميش افكاره وشخصيته، وانما قد ساهمنا نحن وبكل قوةٍ ايضاً في ذلك، ولربما تلك هي صفاتٍ متجذرة في المجتمع العراقي، فلا يكاد يبرز احداً بين صفوف العراقيين كأن يحمل فكراً معيناً ويحاول ايصاله بصورةٍ او بأخرى، او انه قد جاء بإنجاز يستحق الثناء والتقدير، الا ونلحظ اننا نقوم بتقزيم وتحطيم ذلك الشخص وفكره، ونعمل على اسقاطه من حيث أتى، وذلك ما تعرض له الدكتور الوردي طيلة حياته، فلقد حورب الوردي من قبل الكثير ممن عرفوه ليس لشيء الا اننا وكصفاتٍ لصيقة بنا لا نرغب بأن ينبري أحدا من بيننا يفوقنا في فكرةٍ او طرحٍ ما، فنعمل وجاهدين ايضاً على ايجاد العلل والتفنيد في افكاره، حتى وان كانت صحيحة، والحقيقة ان نقدنا موجهاً لشخصية ذلك الانسان وليس لافكاره. والامر لا يقتصر على الوردي فحسب ما دامت تلك صفاتٍ تنطوي عليها شخصية الفرد العراقي.

ان ما سلف هو مداخلةً بسيطة اردنا ان نتكلم بها في احدى الندوات الفقيرة جداً من حيث المضمون والمحتوى والتي اقيمت من قبل بيت الحكمة العراقي وبالتعاون مع كلية الآداب في جامعة بغداد وبعنوان (الدكتور الوردي ما له وما عليه)، الا ان فقر هذه الندوة قد شمل حتى عدم افساح الفرصة لنا لإلقاء مداخلتنا هذه، فالمعقب لم يحصل سوى على خمس دقائق للكلام كوقتٍ مسموحٍ له بالكلام فيه، فعلى ماذا يحصل المتداخل من وقت.

  ما سأقوله لربما لا يلاقي استحسان اهل داري من قسم الاجتماع، الا ان الحقيقة تملي علينا ذلك، حقيقةً عندما سمعنا بأمر الندوة وبالتحديد قبل يومين من موعد اقامتها، قد اصبنا بنوعٍ من الاستغراب والحيرة، والشيء الآخر هو اننا قد ضحكنا في داخلنا، اما لماذا الاستغراب فلقد تساءلت هل من المعقول ان يقيم قسم الاجتماع ندوةٍ حول الدكتور علي الوردي، ولماذا في هذا الوقت المتأخر جداً بعد مضي فترة طويلة على افكاره، وقد ضحكنا لاننا قد لاحظنا مدى التناقض والازدواجية الواضحة للعيان لدى الفرد العراقي، وذلك ما يتطابق ويؤكد فرضية الدكتور الوردي في ازدواجية الشخصية العراقية، فبالأمس القريب قد ساهمنا بشكلٍ كبير في بعثرة وتهميش الدكتور الوردي واعلان الحرب الشعواء عليه، لنوايا شخصية وشعورٍ بالنقص يكمن لدينا ليس الا، واليوم نحاول ان نتكلم عنه في ندوات ولربما مؤتمرات او اية شيء على هذه الشاكلة، فما مبلغ هذا التناقض الرهيب، اني اعتقد وجازماً ايضاً لو ان الدكتور الوردي قد كان حياً الى لحظة قيام هذه الندوة لما كان هناك اثر لها على الاطلاق، لاننا وكما تعودنا واصبحنا متمرسين عليه هو عدم ذكر انجازات الذي ينبغ فينا في حياته، وننتظر ربما الى مماته فننبري نذكر محاسنه ومميزاته وحتى ربما نضيف من عندنا مميزات قد لم يفعلها في حياته، وذلك ما قابلنا به الوردي وبكل اسفٍ.

  ان الغرب يطالبنا اليوم بأن نفهم ونتقبل الآخر، وكيف لنا ذلك ونحن لم نفهم ونتقبل انفسنا وبعضنا البعض، ان هذه الندوة وحتى لا اكون مغالياً هي بمثابة ذمٍ للدكتور الوردي لا تمجيد لمآثره وأفكاره، فالوردي قد لاقى ما لاقى من كلامٍ ما انزل الله به من سلطان من المجتمع العراقي واليوم ها نحن نحاول ان نبكي على أطلاله، وعليه فتوقيت هذه الندوة متأخراً جداً وهي اول ندوة من هذا النوع حول الوردي، فأين كنتم من قبل والوردي هو ابن هذا القسم، فما تفعلونه اليوم يناسب الناس الذين لم يعرفوا الوردي الا منذ فترة قصيرة فبدئوا بطرح افكاره الاولية دون الغور فيها.

  اننا نعتقد جازمين ايضاً ان قيام هذه الندوة قد جاء ضمن ما مطلوب من كل تخصصٍ علمي في ضرورة اقامة الندوات والمؤتمرات العلمية والفكرية، فلربما لم يجد بيت الحكمة وقسم لاجتماع افضل من الدكتور الوردي كموضوعٍ للساعة يشد الانتباه ليس الا.

  فاليوم لم يعد هؤلاء الأكاديميون المقيمين لهذه الندوة بحاجةٍ الى مناقشة افكار الوردي بهذه الصورة المتأخرة، أكثر مما هم بحاجةٍ الى إقناع انفسهم بأنهم قد أقاموا جلسة او ندوة او مؤتمر ليس إلا.

  اليس من الأجدر ان نترك الوردي وكلام المديح عنه، لان ذلك يناقض موضوعيتنا وقالبنا الذي نشأنا عليه، اليس من الاجدر ان نهتم في ندواتنا وجلساتنا بأفكار وطروحات مفكرينا في علم الاجتماع من الذين هم على قيد الحياة، وذلك بحد ذاته سوف يشكل دفعاً وزخماً قوياً لهؤلاء المفكرين على زيادة ابداعهم وان لا ننتظر حتى مماتهم ومن ثم يصبحوا مادة خصبة للتأليف والمحاججة. لذا نختتم مداخلتنا هذه بتساؤل واحد وهو هل من الممكن اقامة مؤتمرٍ او ندوةٍ او اي شيء على هذا المنوال، تدور حول افكار ومنجزات بعض مفكرينا في علم الاجتماع من الذين مازالوا على قيد الحياة، ام ان ذلك يتوقف على تحقيق شرطٍ واحد فقط ألا وهو انه لا ينبغي القيام بذلك الا بعد وفاة ذلك المفكر ومن ثم تقر مشروعية ما نقول عنه ؟

شبكة النبأ المعلوماتية -الأربعاء 9/تشرين الثاني/2005 -  6/شوال/1426