وقفة مع الراهن السعودي: مسألة المواطنة وحاجتها الإعلامية

بقلم المهندس غريبي مراد عبد الملك(*)

لاشك أولا: أن مشكلة الراهن السعودي ترتبط بمشكلة المواطنة ولايمكن فصلها عنها. فالحوار الوطني والتعايش والمصالحة والإصلاح في السعودية، هذه القيم كلها لايمكن أن تنمو دون نمو معنى المواطنة فكريا وحراكيا وقل اجتماعيا أساسا، لأنه معنى يشكل روح وجوهر السعودي، فالتعايش والتسامح والتواصل والاجتماع ليست مجرد كلمات ولقاءات وجدالات تتداول بين الكيانات المختلفة في النسيج المجتمعي السعودي، لكنها حراك واعي ومنفتح وقيم إسلامية تصول وتجول لتحرك الجمود الثقافي والوعي الاجتماعي والحضاري وتفك حلقة الإقصاء والتهميش للآخر السعودي.

ومن المستبعد أن نتصور نجاح أي إصلاح في أي مجتمع مرهون بالفردانية والعقدة الإيديولوجية التاريخانية، لأن الأمم تنهض وترتقي كلما وفرت الفرصة الكاملة والعدل الاجتماعي لمعظم أطيافها، مع الأخذ في الاعتبار انه من الصعوبة بمكان اقتراح علاجات جذرية للمأزق السعودي الراهن دون تفعيل الإعلام السعودي لتحريك مسألة المواطنة إيجابيا، إذا أراد لمجتمعه –الإعلام-اللحاق بالركب الاجتماعي المتقدم.

ولا شك ثانيا: أن الإعلام يمثل احد الأركان الأساسية في الممارسة الديموقراطية الحقيقية، إلا أن ما شهدناه ونشهده من مظاهر تعسفية وقهرية وساحقة للحريات من بعض الأطراف في الفاعلة في الحراك المجتمعي السعودي من جانب، والهيمنة الإيديولوجية وضغطها على مسؤولي الإعلام السعودي  واتهامهم  من جانب آخر يؤكدان عدم إمكانية اتساع مساحة فكرة المواطنة في السعودية وتبلورها بالشكل المناسب في ظل الإستكبارات الاجتماعية والثقافية والسياسية.لان مضمون المواطنة يفترض الحريات والعدالة والتواصل والتثاقف للتعارف والتسامح والتعايش "إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم".ولا يصح الاحتجاج بصورة خاصة في رفض ظهور شخصية علمائية سعودية (أبا عن جد) على شاشة التلفزيون السعودي لا لشيء سوى لأنها مقتنعة بمذهب غير المذهب العام والسائد بالبلاد-فأين الحريات هنا يا ترى،دون الحديث عن الحقوق-بينما واقعا نجد هذه الشخصية تحترم واقعها الاجتماعي السياسي والمذهبي أعظم احترام من الآخر الذي ينتسب لهذا الواقع.

ويمكن فهم وتحليل مشكلة المواطنة بالسعودية في إطار تفسير أزمة الذات والآخر الجواني، وفي ضوء الظروف الإقليمية والتطورات الأخيرة، فقد اتضحت عدة مؤشرات دالة على ملامح الإصلاح السياسي، يمكن الإشارة الى عدة نقاط:

• من المنظور السياسي الحديث والمعاصر لايمكن احتجاز الديموقراطية في حدود الإيديولوجية التاريخية.

• التأكيد على أن وباء الإقصاء والتهميش ماهوإلا احد وجوه الرجعية والتراجع وفقدان الثقة بالذات التي ترتبط بقضية الالتزام الديني المشوه.

• إن فكرة المواطنة في الثقافة السياسية العالمية لا ترادف الأغلبية.

• إن التركيز على قضية تصدير المخاوف من خلال توجيه الانتقادات والاحتجاجات والتهم الواهية والغير عقلائية تشجع على إيقاظ الفتن، والفتنة -كما ورد في الأحاديث الشريفة - نائمة ملعون من أيقظها، بما يعني أن الحلول البلشوفية والحوارات البيزنطية دائما أخطر وأدهى وأمر وأكثر راديكالية، لاسيما إذا تموضع الإعلام في جهة اليسار أواليمين (المتطرف).

لا شك ثالثا: أن الحوار حول موضوع المواطنة يجد تأييدا جماهيريا سعوديا كبيرا، لأنه تسليم واقعي وحكمة سياسية بالغة،  وكونه يفرض التعامل مع الحقائق والاستفادة من إيجابياتها ومجاهدة السلبيات، وانه يرتب الراهن السعودي ويستشرف لمستقبله.

بنظرة عامة لمسا ر التطور الاجتماعي التاريخي السعودي، يتضح أنه تغذى من التعددية وازداد قوة وصلابة وثراءا ثقافيا وحضاريا ( اقتصاديا وسياسيا) منها.، لا يسعني المجال –هنا- للنظر والتوصيف الدقيق لتفاصيل إسهامات الأطياف السعودية كلها في تركيز وبناء الممارسة الاجتماعية، ونكتفي بإبداء وجهة مستقبلية، لأن ثمة كثيرا من الدلائل تشير الى أن مسألة المواطنة، المجتمع السعودي يحملها بداخله حقا، لكنها تفتقر لإعلام رسالي هادف وراقي يطورها ويمتد بها في آفاق المستقبل.

لا شك أخيرا:أن هذه المقالة المقتضبة تمثل محاولة بسيطة وردة فعل إنسانية مرت بسرعة على وضع المواطنة بالعربية السعودية ويلاحظ عموما أن الثنائية ( المواطنة- الإعلام) تستحق جهودا "علمية وسياسية واقتصادية وعلمائية "عملية أعمق وأشمل وأرحب...لإعادة النظر في المعوقات المنهجية والواقعية المعطلة لحقوق وواجبات المواطنة في السعودية اليوم.

عودا للإسلام الذي يجمع الأمة السعودية...لقد ورد عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام:" من تعصب أوتعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه" والعصبية التي يأثم عليها صاحبها:"أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين"

كلمة أخيرة...أخي المؤمن الفاضل السعودي فكر (بكسر الكاف)، بالخير والرحمة والعفو والتسامح والإسلام والانفتاح على الله، والله تبارك وتعالى يفصل لك الآيات..."كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون" (يونس/24)

(*)كاتب وباحث إسلامي جزائري

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -الأحد 23/ تشرين الأول/2005 -  19/ رمضان/1426