في محاكمة تاريخية: صدام الذي كانت كلمته قانونا يقف أمام محكمة عراقية

كانت كلمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين قانونا يسري في أنحاء العراق طوال عقود شابتها الحروب والمذابح والتعذيب لكنه يقف الان تحت رحمة العدالة العراقية.

فمن المقرر أن تبدأ يوم 19 أكتوبر تشرين الاول محاكمة صدام بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية وقد يحكم عليه بالاعدام بعد نجاته من العديد من محاولات الاغتيال على ايدي خصومه.

واعتقل صدام الذي أطاحت به قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في ابريل نيسان عام 2003 في ديسمبر كانون الاول من العام نفسه عندما عثر عليه جنود أمريكيون مختبئا في حفرة بالقرب من مسقط رأسه في تكريت.

وبعد ان عاش العراقيون سنين طويلة تحدق فيهم تماثيل صدام وصوره شاهدوا صوره محتجزا أشعث الشعر واللحية التي وخطها الشيب وقد بدا عليه الضعف بعد ان قضى شهورا هاربا.

واتهم صدام (68 عاما) بالقتل الجماعي فيما يتصل بمقتل نحو 143 شيعيا في بلدة الدجيل. وقتل كثير منهم بعد محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها صدام في القرية في عام 1982 وأعدم اخرون بعد محاكمة.

واعرب المدعون عن اعتقادهم بأنهم يستطيعون من خلال التركيز على قضية الدجيل المحدودة نسبيا أن يثبتوا مسؤولية صدام الشخصية بشكل اسهل من الجرائم الاكبر.

وتؤرخ الاتهامات الاخرى الموجهة الى صدام والتي لم تتحول بعد الى تهم رسمية لسنوات من اراقة الدماء في العراق ودول مجاورة ومن بينها تهمة التطهير العرقي.

واتهم صدام بارتكاب جرائم ضد الانسانية خلال الحرب مع ايران التي استمرت نحو ثماني سنوات بعد ان بدأها صدام في عام 1980 وكلفت البلاد كلفة هائلة بشريا وماديا.

وتسري اتهامات مماثلة على احتلاله للكويت في عام 1990 والذي استمر نحو سبعة أشهر قبل أن تطرد قوات بقيادة الولايات المتحدة جنوده خلال حرب الخليج في عام 1991.

ومن المتوقع أن توجه الى صدام أيضا تهم فيما يتعلق بالهجوم على بلدة حلبجة الكردية في عام 1988 الذي استخدم فيه الغاز وأسفر عن مقتل نحو خمسة الاف شخص. وقال صدام ان الوفيات كانت نتاجا لمعركة وقعت بالقرب من البلدة مع القوات الايرانية التي استخدمت الغاز أيضا.

وصورت الولايات المتحدة صدام في نهاية الامر على انه "شيطان" رغم أنها والاتحاد السوفيتي سابقا وعددا من الدول الاوروبية لجأوا الى تسليحه ودعمه خلال الثمانينات ليكون درعا ضد الثورة الاسلامية في ايران.

وخلال عدة سنوات تركزت السياسة الامريكية على احتواء صدام ولكن في أعقاب هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 على مدن أمريكية اختار الرئيس الامريكي جورج بوش العراق ليكون الهدف التالي في "حربه على الارهاب" بعد أفغانستان.

ومنذ الاحتلال اكتشف العديد من الفظائع التي ارتكبت خلال حكمه مثل القبور الجماعية التي ضمت عظام الاف القتلى من أعدائه خاصة من الاكراد والشيعة.

ولكن القوات الامريكية لم تجد أي ادلة تدعم مزاعم واشنطن أن صدام كان يملك أسلحة للدمار الشامل أو ان له صلات بتنظيم القاعدة وهي المبررات الاساسية التي ساقتها لخوض الحرب.

وبدأت الولايات المتحدة الحرب في عام 2003 بغارة جوية في مارس اذار بهدف قتل صدام والقضاء على راس النظام البعثي الذي اقامه بالحديد والنار واموال النفط.

لكن صدام نجا ونجح في الهرب والاختفاء بعد أن دخلت القوات الامريكية بغداد في 9 أبريل نيسان من عام 2003. ومن مخبئه أصدر صدام تسجيلات حث فيها العراقيين على مقاتلة القوات التي تقودها الولايات المتحدة.

وظهر شريط لصدام كان مشحونا بالانفعالات بعد مقتل نجليه عدي وقصي على ايدي القوات الامريكية في 22 يوليو تموز عام 2003.

وبعد ان استغل صدام مهاراته كمقاتل في الشوارع ومتآمر للوصول بحزب البعث الى السلطة عام 1968 احكم قبضته الحديدية على العراق برغم الحروب والانتفاضات ومؤامرات الانقلاب ومحاولات الاغتيال. وأصبح رئيسا للبلاد في عام 1979.

وبعد أن كان يوما بطلا في نظر بعض العرب لتحديه الولايات المتحدة واسرائيل خيب امال المعجبين به عندما فشل في توفير دفاع قوي لبغداد في حرب عام 2003.

ولجأ صدام الذي ولد في 28 أبريل نيسان عام 1937 الى مباديء القومية العربية والاسلام والوطنية العراقية لتعزيز قيادته وكان معروفا عنه اعجابه بالدكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين.

القضايا الجنائية التي يمكن أن يواجهها صدام حسين

وفيما يلي القضايا الجنائية التي يباشرها قضاة التحقيق والتي يمكن أن يحاكم عليها صدام في النهاية.

مذبحة الدجيل

اتهم صدام وسبعة آخرون باصدار الأوامر والاشراف على قتل أكثر من 140 شيعيا من قرية الدجيل عقب هجوم على موكب الرئيس اثناء مروره بالقرية التي تبعد 60 كيلومترا شمالي بغداد في يوليو تموز 1982. وزعم ان الانتقام شمل سجن مئات النساء والاطفال من أهل القرية لمدة سنوات في معسكرات اعتقال بالصحراء وتدمير بساتين النخيل التي كانت تغذي الاقتصاد المحلي وكانت تمثل أسباب الرزق للأسر في الدجيل.

غزو الكويت

وصدام متهم أيضا بانتهاك القانون الدولي باصدار أوامر بغزو الكويت في اغسطس اب 1990. وطالب تحالف دولي قادته الولايات المتحدة بانسحاب العراق وشن حرب الخليج الاولى في 17 يناير كانون الثاني 1991 بعدما رفض صدام الاذعان لقرارات الامم المتحدة. وانتهت الحرب في 28 فبراير شباط بعد طرد القوات العراقية من الكويت.

وزعم ان الجنود العراقيين ارتكبوا خلال الاحتلال جرائم تعذيب واعدام دون محاكمة للسجناء ونهبوا مدينة الكويت ونقلوا مئات الاسرى الكويتيين الى بغداد. واشعل الجنود العراقيون أيضا النار في أكثر من 700 بئر نفطية وفتحوا انابيب النفط لتصب في مياه الخليج وغيره من مصادر المياه.

القمع السياسي

وصدام متهم ايضا بالقمع الوحشي لانتفاضتين قام بهما الشيعة في جنوب العراق والاكراد في الشمال الذين تمردوا عليه مع انتهاء حرب الخليج في عام 1991. ويقال ان عشرات المقابر الجماعية بجنوب بغداد تحتوي على جثث لشيعة قتلوا في عمليات قمع. وفر مئات الالاف من الاكراد الى ايران وتركيا وهناك ايضا قبور جماعية لاكراد في الشمال وفي المناطق المهجورة بالجنوب.

عرب الاهوار

تتردد مزاعم بان الجيش العراقي قام بأوامر من صدام بعملية تدمير منتظم لأسباب الرزق لعرب الاهوار الذين استوطنوا الأهوار الواسعة بجنوب البلاد عند ملتقى نهري دجلة والفرات طوال نحو 5000 عام. وكان صدام اتهم عرب الاهوار بالهرب من الجيش والقتال ضد قواته خلال الحرب مع ايران التي استمرت من عام 1980 وحتى 1988 وإيواء المجرمين والمنشقين على حكمه الى جانب المشاركة في الانتفاضة الشيعية في 1991. واستهدف صدام عرب الأهوار في بداية حكمه عندما أمر بتجفيف الأهوار.

الابادة الجماعية للاكراد والتطهير العرقي

شنت القوات العراقية حملة في عامي 1987 و1988 لاعادة السيطرة الحكومية على المناطق الكردية في الشمال. وشهدت العملية التي اطلق عليها اسم الأنفال سحق قرى بأكملها وتدمير الزراعات والتهجير القسري للسكان. وتقول السلطات الكردية ان مئات الالاف من الاكراد أُجبروا على النزوح وقتل عشرات الالاف ودفنوا في قبور جماعية. وكان أحد أسوأ الحوادث هجوما على قرية حلبجة الكردية في عام 1988 حيث قيل أن نحو 5000 شخص قتلوا في يوم واحد في هجوم بغاز الخردل وغاز الاعصاب. ويتهم اللواء علي حسن المجيد ابن عم صدام حسين والملقب ايضا بعلي الكيماوي بتنفيذ أسوأ تلك العمليات الوحشية. وقال المجيد ان قمع حلبجة كان لمعاقبة القرية على تقاعسها عن مقاومة عمليات التوغل الايرانية خلال الحرب الايرانية العراقية.

عمليات القتل السياسي

ويتهم صدام وقواته الامنية بارتكاب العديد من جرائم القتل ذات الدوافع السياسية وانتهاكات أخرى لحقوق الانسان بما في ذلك اعدام خمسة من الزعماء الدينيين الشيعة في عام 1974 وقتل الالاف من افراد قبيلة البرزاني الكردية في عام 1983 واغتيال نشطاء سياسيين خلال عقود قضاها في السلطة.

وظهرت أدلة على نحو 270 قبرا جماعيا في أنحاء العراق يعتقد انها تضم رفات عشرات الالاف من الاشخاص من بينهم شيعة وأكراد ومعارضون سياسيون.

المتهمون في محاكمة صدام حسين

ويحاكم الطاغية المخلوع صدام مع سبعة مسؤولين سابقين آخرين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية.

وفيما يلي نبذة مختصرة عن المتهمين:

صدام حسين

يبلغ من العمر 68 عاما. أصبح الرجل القوي عقب الانقلاب الذي قام به حزب البعث عام 1968 وتولى الرئاسة رسميا في عام 1979 ليحكم البلاد بسلطة مطلقة وبقوة وحشية في كثير من الاحيان. وبعد ان كان حليفا للولايات المتحدة اثناء الحرب مع ايران لمدة ثماني سنوات خلال الثمانينات اصبح عدوا في اعقاب غزوه الكويت عام 1990.

وبعد ان طردت قوات تقودها الولايات المتحدة القوات العراقية من الكويت فرضت عقوبات دولية على العراق. وبعد ان غزت القوات الامريكية والبريطانية العراق في مارس اذار 2003 تمكن صدام من الهرب بيد انه تم القبض عليه قرب تكريت مسقط رأسه يوم 13 ديسمبر كانون الاول 2003.

طه ياسين رمضان

من مواليد عام 1938 وكان نائبا للرئيس حتى عام 2003. التقى رمضان مع صدام حسين لاول مرة بعد انضمامه الى حزب البعث في منتصف الخمسينات وبزغ نجمه في نهاية المطاف ليصبح احد الاعضاء المتشددين في الدائرة المقربة للرئيس. شغل عدة مناصب بارزة منها منصب وزير الصناعة في السبعينات. ونقل عنه يوما قوله انه لا يعرف شيئا عن الصناعة وان كل ما يعرفه هو ان كل من لا يعمل بجد سيعدم.

واتهمه عراقيون في المنفى هو ومسؤولين آخرين باستخدام أساليب وحشية في قمع انتفاضة للشيعة عام 1991 في جنوب العراق وبقتل آلاف الاكراد في الشمال عام 1988.

احتل رمضان المركز العشرين في القائمة التي اعلنها الجيش الامريكي لأهم الاشخاص المطلوب اعتقالهم بعد غزو العراق. وتم اعتقاله في اغسطس اب عام 2003 في مدينة الموصل الشمالية على ايدي مقاتلين أكراد.

برزان ابراهيم التكريتي

هو واحد من اخوة صدام الثلاثة الاصغر غير الاشقاء. كان رئيسا سابقا لجهاز المخابرات المرهوب ومستشارا لصدام. احتل المركز 38 في القائمة الامريكية الخاصة بابرز المطلوب اعتقالهم وتم اعتقاله في ابريل نيسان عام 2003. واتهم بصفته رئيسا لجهاز المخابرات باصدار الاوامر بعمليات قتل جماعي وتعذيب والمشاركة شخصيا في ارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان بما في ذلك تدمير قرى.

عواد حمد البندر

كبير القضاة السابقين في المحكمة الثورية التي اتهمت باجراء عدة محاكمات صورية أدت في كثير من الاحيان الى اصدار احكام عاجلة بالاعدام. وكان البندر القاضي المسؤول عن محاكمة كثيرين من بين اكثر من 140 شيعيا اتهموا بمحاولة اغتيال صدام اثناء مرور موكبه في قرية الدجيل في يوليو تموز عام 1982. وقتل البعض في القتال. واصدر البندر احكاما على كثيرين اخرين بالاعدام.

عبدالله كاظم رويد

مسؤول محلي بحزب البعث في منطقة الدجيل.

علي دايم علي

مسؤول محلي بحزب البعث في منطقة الدجيل.

- محمد عزاوي علي

مسؤول محلي بحزب البعث في منطقة الدجيل.

- مزهر عبد الله رويد

مسؤول محلي بحزب البعث في منطقة الدجيل.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 18/ تشرين الأول/2005 -  14/ رمضان/1426