تصويت سلمي في العراق على مشروع الدستور

أدلى نحو عشرة ملايين عراقي بأصواتهم في استفتاء يوم السبت تحت حماية غطاء أمني هائل نجح في الحيلولة دون وقوع أي عمل فيما عدا بعض الهجمات غير المؤثرة التي شنها المسلحون.

وخرجت الاقلية من العرب السنة للمرة الاولى منذ الاطاحة بصدام حسين لتقول "لا" لمشروع الدستور الذي صاغه البرلمان الذي يقوده أكراد وشيعة.

وأشادت الولايات المتحدة الساعية لابعاد قواتها عن دائرة الدماء في العراق بحجم الإقبال قائلة ان تلك "علامة تاريخية".

ولكن تتملك بعض القيادات السنية الآمال بان يكونوا قد نجحوا بالفعل في أن يقولوا "لا" في ثلاث من محافظات العراق البالغ عددها 18 محافظة.

وأيا كان الذي سيحدث فما زالت هناك شهور من الجذب والشد الطائفي الذي سيأتي بعد اتفاق رعته الولايات المتحدة لاعادة التفاوض بشأن الدستور في العام المقبل.

وقال ياسين حمادي (57 عاما) في الفلوجة "جئت الى هنا للمشاركة وعدم ارتكاب نفس الخطأ الذي ارتكبناه في الانتخابات السابقة... لن نسمح للآخرين بالتحكم بالسنة مرة أخرى".

وأدى القتال والخوف الى عدم توجه الناخبين في بعض المدن السنية في الغرب والشمال الى مراكز الاقتراع. وربما تكون الثقة الزائدة بأن تكون هناك موافقة على الدستور قد أدت الى تراجع إقبال الناخبين في المناطق الشيعية والكردية. ولم يتأكد بعد حجم المشاركة ولكن مسؤولا قال ان نحو عشرة ملايين أو 65 في المئة ربما يكونون قد صوتوا.

وقتل ثلاثة جنود في انفجار قنبلة في شمال شرق بغداد بينما كانوا ينقلون بطاقات اقتراع تمهيدا لفرزها. وقتل ستة آخرون في هجومين لا يبدوان متصلين بعملية الاقتراع.

وعلى الرغم من سقوط ثلاث قذائف مورتر بالقرب من مركز اقتراع في بغداد فغن الاشخاص الذين أصيبوا أثناء الادلاء بأصواتهم بينهم العديدون جاءت اصاباتهم بأعيرة نارية اطلقها رجال الشرطة والجيش الذين انتابهم الاضطراب. وتمكن المسلحون من الاستيلاء على صندوق اقتراع من أحد المراكز في ابو غريب غربي بغداد.

وقتل أكثر من 40 شخصا خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في يناير كانون الثاني في أكثر من مئة هجوم شنه المسلحون. ومن بينها هجمات انتحارية.

وأبدى العرب السنة هذه المرة رأيهم بعدما قاطع معظمهم الانتخابات التي جرت في يناير كانون الثاني لاختيار اعضاء الجمعية الوطنية.

وأشاد الرئيس الامريكي جورج بوش في خطاب مسجل بالانتخابات بوصفها "خطوة مهمة للامام في مسيرة العراق نحو الديمقراطية. وردا على التهديدات التي يطلقها اسلاميون قال "ان أمريكا لن تهرب" كما فعلت في فيتنام.

وعقب انتهاء عملية الاقتراع قال ألين أبني المتحدث باسم البيت الابيض ان الانتخابات "توجه ضربة شديدة لتطلعات الارهابيين."

وبدأت بالفعل عملية الفرز ولكن مسؤولين انتخابيين قالوا انه سيمر يوم أو اثنان قبل ظهور أي مؤشر رسمي على النتائج.

وعلى الرغم بالتصويت "بلا في معظم المناطق السنية فان عددا قليلا من المسؤولين يتوقعون رفضا تصل نسبته الى الثلثين في ثلاث محافظات على الاقل. وهو الحد الادنى المطلوب لاسقاط الدستور.

وفي مدينة السماوة ذات الأغلبية الشيعية قال مسؤولون ان عديدا من لجان الاقتراع سجلت كثيرا من الأصوات الرافضة مما يعكس فيما يبدو التأييد لرجل الدين الشيعي الشاب مقتدى الصدر.

وفي محافظة الأنبار التي تسودها الاضطرابات في الغرب وفي محافظة صلاح الدين في الشمال حيث مسقط رأس صدام حسين كان من الصعب العثور على ناخب صوت بالموافقة على الدستور.

وكان هذا هو الحال أيضا بين العرب في الموصل حيث يحتمل ان قلة الإقبال جاءت نتيجة منشورات وزعها المسلحون تصور الناخبين حميرا يمتطيها العم سام. لكن الاحزاب الكردية التي تتميز بالانضباط في المدينة الواقعة في شمال العراق تمكنت من اقناع انصارها بالتصويت بالموافقة.

ودعا معظم رجال الدين الشيعة الى الموافقة على الدستور. وفي ضاحية مدينة الصدر الفقيرة في بغداد قال رعد فرج "قلت نعم لان الدستور سيوجه رصاصة الى قلب الارهاب."

لكن ربة المنزل ساجدة محمود (40 عاما) من سكان الفلوجة قالت "كل عراقي يحب العراق يجب ان يقول لا لان نعم تعني مساندة الامريكيين وعملائهم."

وتريد الولايات المتحدة التي ينتشر 150 الفا من جنودها في العراق اقرار الدستور بسرعة كما بذلت مساعي مكثفة لتضييق هوة الخلاف بين المعتدلين من السنة والحكومة التي يغلب عليها الشيعة والاكراد.

ونجحت جهود الوساطة الامريكية الاسبوع الماضي في استصدار وعد بمراجعة الدستور اذا اقر من خلال برلمان جديد سينتخب في ديسمبر كانون الاول المقبل ويشارك السنة في عضويته.

ويعني هذا مزيدا من المفاوضات الشاقة خاصة فيما يتعلق بمسائل رئيسية مثل دور الاسلام في التشريع وسلطات المناطق الفدرالية على مصادر النفط والمياه على وجه الخصوص.

ويشكو كثير من السنة من ان النص في الدستور على الحكم الذاتي يهدد بتحويل البلاد الى مناطق متصارعة يسيطر فيها الشيعة في الجنوب والاكراد في الشمال على مصادر النفط الرئيسية.

ويتهم حكام سنة في دول عربية أخرى الزعماء الاسلاميين في بغداد بالانقياد لايران الشيعية.

وأشاد حاجم الحسني رئيس الجمعية الوطنية العراقية وهو سني بمشاركة السنة وقال ان احدى الطوائف العراقية قد همشت في السابق وهي الان تشارك وسيكون لها دور في تعديل الدستور.

أشادت الأمم المتحدة بالاستفتاء العراقي على مشروع الدستور يوم السبت باعتباره "سلميا لدرجة لا تصدق" كما لم يشهد إلا تجاوزات اجرائية قليلة.

وقالت كارينا بيريلي رئيسة فريق الامم المتحدة الذي يقدم المساعدة الفنية للحكومة العراقية "مرت العملية بسلاسة وبصورة طيبة من وجهة النظر الفنية."

كذلك أشاد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة بالادارة السلسة للاستفتاء.

وقال متحدث باسم الامم المتحدة في بيان "الأمين العام يُحيي شجاعة الشعب العراقي ويهنيء المفوضية العراقية المستقلة للانتخابات وأيضا الالاف من موظفي الانتخابات العراقيين ومراقبيها على تنظيم وتنفيذ الاستفتاء في مثل تلك الظروف الصعبة."

وبالمقارنة بالانتخابات البرلمانية في يناير كانون الاول التي قتل فيها اكثر من 40 شخصا في هجمات للمسلحين لم تكن هناك إراقة دماء في الاستفتاء تقريبا.

وقالت بيريلي "اجمالا اذا قارنته بيناير كان سلميا لدرجة لا تصدق."

وأضافت انه في بعض معاقل المسلحين مثل محافظة الانبار في الغرب جرى التغلب علي الصعوبة التي يواجهها الناخبون في التصويت في منطقة صراع او حيث يخيف المسلحون الناخبين من التصويت وذلك بالتخلي عن القواعد التي تلزم الناس ان يصوتوا في مركز اقتراع محدد بالقرب من منازلهم.

وقالت بيريلي "الشيء المهم الان انه للمرة الاولى منذ زمن بعيد لجأوا الى صناديق الاقتراع وليس الى الاسلحة" واضافت انه اذا ما مضى نقل اوراق الاقتراع على ما يرام فمن الممكن ان تتوافر بعض البيانات في وقت متأخر يوم الاحد.

وإذا ما أقر الدستور فسيتوجه العراقيون للانتخابات في ديسمبر كانون الاول لانتخاب برلمان جديد فترة ولايته أربع سنوات في خطوة تقول واشنطن إنها ستكلل تأسيس ديمقراطية ذات سيادة ونشوء حليف جديد للغرب.

وإذا اسقط الدستور فستعود الفصائل المتصارعة في البلاد إلى منصة النقاش مما سيجعل انتخابات ديسمبر كانون الاول مقتصرة على انتخاب حكومة مؤقتة لاعادة صياغة الدستور.

ومن المتوقع أن تصوت معظم المحافظات العراقية البالغ عددها 18 محافظة بتأييد مشروع الدستور بعدما صاغت الحكومة التي يقودها أكراد وشيعة نصوص المشروع.

وقالت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية "ان عملية التصويت اليوم هي منعطف رئيسي. وسيجرون انتخابات في ديسمبر كانون الثاني لتشكيل حكومة جديدة.. في كل مرة أعطي الشعب العراقي الفرصة للتعبير عن أنفسهم سياسيا فقد استغلوا الفرصة."

ويراهن البعض على نتيجة الاستفتاء فيما قال أحد الزعماء السنة إن الحل الحقيقي لتهدئة مخاوف السنة قد يكون السعي لاجراء تعديلات في النظام السياسي الجديد.

واعربت تونس في اول رد فعل لها على الاستفتاء على دستور عراقي جديد مثير للجدل بعد سقوط الرئيس صدام حسين عن ارتياحها للخطوات الايجابية التي تحققت باتجاه اعتماد دستور جديد للبلاد.

وقالت وزارة الخارجية التونسية في بيان لها " ان تونس تتابع بكل اهتمام تطورات العملية السياسية الجارية في العراق الشقيق من اجل تركيز اسس الدولة العراقية الحديثة وتسجل ارتياحها للخطوات الايجابية التي تحققت باتجاه اعتماد دستور جديد للبلاد".

واضاف بيان الخارجية التونسية " بهذه المناسبة تجدد تونس دعمها للشعب العراقي الشقيق وتعرب عن املها في ان تساعد هذه الخطوة على استعادة العراق امنه واستقراره حتى يتفرغ لاعادة الاعمار وتحقيق التنمية لما فيه خير كافة الشعب العراقي الشقيق".

ووصفت مملكة البحرين اليوم تصويت الشعب العراقي في استفتائه على مسودة الدستور بانه خطوة لأمنه واستقراره ووحدته وتقدمه ورخائه.

وقال وزير الدولة البحريني لشؤون مجلس الوزراء الشيخ احمد بن عطية الله ال خليفة في تصريح صحافي عقب جلسة مجلس الوزراء التي ترأسها رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان ال خليفة ان المجلس اعرب عن ترحيبه بتصويت الشعب العراقي على مسودة الدستور الجديد في الاستفتاء الذي جرى يوم امس متمنيا ان ينعكس نجاح هذه الخطوة على خير العراق.

ووصفت روسيا الاتحادية اجراء الاستفتاء العام في العراق الخاص بمشروع الدستور بالخطوة الضرورية على طريق العملية السياسية في البلاد.

وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان ان موسكو تراقب عن كثب مسيرة العملية الدستورية في العراق وانها تشيد بالمباحثات التي اجرتها القوى السياسية في العراق قبيل الاستفتاء والتي ادت الى الاتفاق على ادخال تعديلات في نص الدستور تراعي عددا من مطالب السنة.

واعرب البيان عن الامل في ان يواصل العراقيون البحث عن حلول خاصة ببناء دولة المستقبل عبر الحوار الوطني الواسع على اساس مراعاة مصالح جميع الفئات الدينية في العراق.

واوضح البيان ان من شان هذا المنحى ان يخلق الظروف الضرورية لتطبيع الوضع السياسي الداخلي وايجاد حلول ناجحة للمسائل الاجتماعية والاقتصادية.

واكد البيان على استعداد روسيا لمساعدة العراق في تجاوز المصاعب الراهنة وبناء وتعزيز هيئات الدولة واعادة اعمار الاقتصاد.

من جهته اشاد وزير الخارجية البريطاني جاك سترو بعملية الاستفتاء الشعبي على الدستور العراقي الجديد التي جرت امس ووصفها بانها خطوة "جيدة " للشعب العراقي.

وقال سترو في تصريح صحفي ادلى به اليوم ان عملية الاستفتاء برمتها هي عملية "مميزة" من شأنها ان تحقق الوضع الامني الشامل في للعراق.

واضاف ان هذا الاستفتاء "يظهر مدى تعطش الشعب العراقي لممارسة الحقوق التي نتمتع نحن بها والحقوق الديمقراطية وهزيمة الارهابيين".

وقال انه "مهما كانت نتائجه فان الاستفتاء بحد ذاته يعتبر خطوة مهمة في الطريق الصحيح نحو تأسيس عراق ديمقراطي وامن كما نأمل".

واشادت استراليا باقبال العراقيين "الكثيف " على التصويت على الاستفتاء حول مشروع دستور عراقي جديد.

ونقلت هيئة الاذاعة الاسترالية (اي.بي.سي.) عن وزير الخارجية الاسترالي الكسند داونر اعرابه عن سعادته لاقبال ملايين من العراقيين على صناديق الاستفتاء.

ووصف الوزير ترجيحات المفوضية العراقية العليا للانتخابات بادلاء نحو عشرة ملايين عراقي باصواتهم حول مسودة الدستور بالمؤشر الجيد.

واوضح ان هذا الرقم يشير عمليا الى ان من اشترك فيه من العراقيين يفوق اعداد الذين صوتوا في الانتخابات البرلمانية في يناير الماضي.

واضاف انه كان هناك تحولا ملموسا في الموقف السني حيث قامت اعداد هامة منهم بالتصويت بعد مقاطعتهم للانتخابات التشريعية.

وقال انه مهما يكن نتيجة الاستفتاء فانه من الجيد رؤية الغالبية العظمى من العراقيين تحتضن العملية السياسية الحرة.

شبكة النبأ المعلوماتية -الأثنين 17/ تشرين الأول/2005 -  13/ رمضان/1426