مشاكل الهدر والإسراف والفساد الإداري في الدولة تتطلب حلول جادة..

 وجدان فالح الساعدي*

   أُبتُلي العراق في فترة النظام السابق بآفة هدر وتبذير الأموال العامة والإسراف غير المحسوب من قبل أفراد ذلك النظام بدون رقيب أو حسيب، فقد تم صرف أغلب موارد البلد على ملذات قيادات ذلك النظام، وعلى مشاريع لا تمت للتنمية بأي صله قرابة لا من قريب ولا من بعيد، وبخاصة في مرحلة التسعينيات من القرن المنصرم التي اعتبرت مرحلة الذروة لمثل هذه التصرفات، مما أعاق مسألة النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، وبالتالي أدى السلوك السياسي العام للنظام السابق إلى زيادة مشاكل الفساد الإداري والمالي والسياسي والأخلاقي للنخبة الحاكمة آنذاك وشاعت قيم المحسوبية والمنسوبية والتمييز الطائفي والمناطقي ضد أبناء الشعب وخاصة في جنوب العراق والفرات الأوسط، وتفشت الرشوة والسرقة لدى كبار المسئولين وكان أشهرها فضيحة سرقة أحد أبناء المسئولين -وكان وقتها وزير في الدولة- لأموال مذكرة التفاهم (مذكرة النفط مقابل الغذاء والدواء) واكتفى النظام وقتها بنقل الأب من موقع وزاري إلى آخر كعقوبة، كذلك فضيحة تواطيء مسئولين كبار في الأمم المتحدة بتزوير عقود استيراد وتحويل أموالها إلى بنوك أوربية!!.

   وبعد تغيير النظام السياسي السابق، ودخول قوات الاحتلال إلى العراق في 9/4/2003 وخوض عملية الانتخابات التاريخية التي استبشر بها فئة كبيرة وعريضة من الشعب العراقي المظلوم، فمازال يرى المتتبع للشأن العراقي صورة واضحة للفساد الإداري والمالي في دوائر الدولة، ولكن هذه المرة بصورة أكثر ضراوة عن ما قبل بالشكل الذي لا يمكن السكوت عنه! إذ تشير الإحصائيات الأخيرة للفساد في العالم أن العراق يقع في المراتب الأخيرة (المرتبة 129) في سلم الفساد أو الدول الأنظف من هذه الآفة.

  ولكي ندعم كلامنا هذا بالقرائن والأرقام نورد بعض الأمثلة والحالات على سبيل المثال لا الحصر نثبت به ما تقدم وهي:

* وصل حد الفساد في مؤسسات الدولة إلى أن كلفة تدريب الشرطي العراقي الواحد خلال فترة تتراوح بين (6-8) أسابيع في الأردن (الشقيق!!) وصلت إلى قيمة تتراوح بين (40-60) ألف دولار أمريكي في حين هناك دول عرضت للحكومة تدريب الشرطة العراقية مجاناً. أكرر (مجاناً) مثل ألمانيا ودولة الأمارات العربية المتحدة. وهذا الكلام منقول عن أحد المسؤولين العراقيين الحاليين وموثق.

* أكد البنتاغون الأمريكي في تقرير صدر له بتاريخ الجمعة 4 آذار 2005 أن مبالغا كبيرة من أموال إعادة أعمار العراق صرفت على مشاريع لا تمت له بأي صله، حيث أشار رئيس مكتب إدارة أعمار العراق"(بيل تايلور) بان أموال العراق صرفت في مشاريع غير ذات فائدة وليست مخصصة للأعمار.

* أشار (رايوند ليندرز) وهو أحد المتخصصين في منظمة الشفافية الدولية في تقرير الفساد العالمي للعام 2005:(إن اغلب الأموال المتوقع إنفاقها في عمليتي البناء والشراء في العراق لم يتم إنفاقها أصلاً أو تم إنفاقها بشكل سيء، وإذا لم يتخذ أي أجراء سريع سيصبح العراق عندئذٍ أكبر فضيحة فساد في التاريخ.

* انفق المسؤولون الأميركيون المشرفون على صندوق "تنمية العراق كل أموال الصندوق ما عدا 900 مليون دولار (علماً أن أموال الصندوق تقدر بـ 8 مليارات دولار) قبل أيام من تسليم السلطة للعراقيين في 28 / 6 / 2004، وقالت (بيث مايرل) المتحدثة باسم الإدارة الأمريكية في بغداد (إن هذا الإنفاق السريع قد حدث بعد الأتفاق عليه من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة (CPA) وبعض المسؤولين العراقيين، وذلك لأن حاجات الشعب العراقي لم تكن تحظى بالتمويل، لذا اقتضت الضرورة ذلك!!).

* كشف الدكتور مهدي الحافظ (وزير التخطيط والتعاون الإنمائي السابق) عن وجود عملية هدر للثروة تجري بشكل حثيث وعمليات اختلاس للأموال الواردة من الدول المانحة جرّاء الفساد الإداري المتوارث من النظام البائد المستشري في مؤسسات الدولة.

   هذا إذا ما أضفنا إلى ذلك قضايا المحسوبية والمنسوبية والانتماء الطائفي والحزبي والمناطقي ومسألة الولاء السياسي وكلها أمور تعبر عن مدى الخطورة التي تنتظر الشأن والمستقبل العراقي السياسي والاقتصادي في المستقبل المنظور.

   يبدو أن استفحال ظاهرة الفساد الإداري والمالي في العراق كان نتيجة لعدم مسؤولية سلطة الائتلاف المؤقتة CPA وعدم متابعة وجدية الحكومة السابقة (حكومة د. أياد علاوي) بالإضافة إلى استفحال واستعظام العناصر الفاسدة التي أثرت سابقاً وتؤثر حالياً في مسيرة الاقتصاد العراقي.

   هذه المشاكل هي أمام حكومتنا الجديدة التي يجب أن تحلها إذا ما أرادت أن تقدم شيء في مسيرة التقدم العراقي وبناء عراق جديد حر ومتقدم.

  وهنا يرى الإمام الشيرازي "قده" بأن (من الضروري على الدولة التي تقوم في العراق محاربة الفساد بأقسامه، وغير ذلك فأنه يوجب تأخر الأمة وتدمير الشعب بعد أن يسلب اطمئنانهم بالدولة) وبالتالي، على الحكومة العراقية الحالية أن تستعيد ثقة المواطن بها من خلال آليات مكافحة هذه الآفة التي باتت تكبر يوماً بعد يوم.

لأن هذا الفساد هو الذي يعزز وجود ونجاح الارهاب والاستبداد في البلاد، لأن المفسدين بطبيعتهم يخافون من الحريات، مثلما قال الامام الشيرازي حول ذلك: ]مثل هذا يؤدي إلى سيطرة البيروقراطية (مافيا الفساد) التي تحول دون حريات الناس، وحينئذٍ تتجه البلاد نحو العوز والفقر بعد أن يستملك الجهاز الحاكم الأموال ويمنع الناس من حرية العمل والإنتاج[.

من هنا يمكن لبعض المقترحات ان تكون حلولا مفيدة لهذه المشكلة المستعصية:

1. ضرورة محاولة الحكومة تقليص الأنانية الفردية والسمو بالروح الجماعية للتقدم الاقتصادي،  فلا يمكن أن تتحول العملية الاقتصادية إلى عملية منفردة مبنية على الرغبات الفردية.

2. ضرورة محاولة الحكومة تحقيق العدل واقتلاع الحرمان من جذوره، باعتباره أحد الموارد التي تغذي ظاهرة الفساد الإداري والمالي، وذلك بالعمل والإنتاج.

3. ضرورة تفعيل عمل مفوضية النزاهة والمراقبة المستقلة من خلال تنسيق عملها مع المدعي العام وكذلك رئاسة الوزراء، وهذا العمل التنسيقي بين هذه الجهات الثلاث يمنح المفوضية حق استدعاء أي موظف حكومي مهما كانت صفته أو درجته دون اللجوء إلى استحصال الموافقات الروتينية لضمان انسيابية المحاسبة والمراقبة بشرط أن تبقى هذه التحقيقات طي التحفظ والكتمان وفي حالة ثبوت أي من هذه الاتهامات فأنه (أي الموظف الحكومي) يحال إلى المحاكم المختصة لإصدار الحكم العادل، وتعلن في وسائل الإعلام الرسمية.

4. ضرورة تفعيل دور اللجان الفرعية للمراقبة والنزاهة في كل الوزارات العراقية وتقوم هذه اللجان بالإشراف على النشاط الإداري والمالي لهذه الوزارات كلُّ على حده وفق اختصاصاتها بالتنسيق مع دائرة المفتش العام في الوزارة والوزير.

5. ضرورة إنشاء أجهزة أمنية متخصصة تابعة لوزارة الداخلية تراقب التصرف بالأموال العامة تحت اسم (شرطة الأموال العامة) مهمتها البحث والتقصي عن كيفية وطرق التصرف بالأموال العامة، ولها الحق بإصدار مذكرات التفتيش ومذكرات الاعتقال ضد أي موظف أو شخص تثبت الأدلة بأنه مذنب أو يسيء وظيفته بشكل سيء.

6. ضرورة إصدار قانون خاص يمنع هدر الأموال العامة والفساد الإداري يحمل تسمية قانون "مكافحة الفساد وهدر الأموال العامة" وإنشاء المحاكم المتخصصة لتطبيق هذا القانون.

*مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

www.shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 9/ تشرين الأول/2005 -  5/ رمضان/1426