تركيا المسلمة لازالت ضائعة في حلمها الاوربي المستحيل

 مع أن طريق تركيا أصبح شبه ممهد في مشوارها الصعب الطويل للحصول على العضوية الكاملة للاتحاد الأوروبي مع اقتراب الثالث من أكتوبر الجاري موعد فتح المفاوضات الأوروبية معها بيد أنها مع ذلك تواجه في كل محطة في علاقتها بالاتحاد الأوروبي عراقيل وشروط واستفزازات خلافا لما تعامل به الدول الأخرى المرشحة للانضمام.

ولم يعد يخفى على أحد أن الاتحاد الأوروبي لديه تحفظات شديدة ازاء ضم تركيا اليه وعلى رأسها الاسلام فبالرغم من أن تركيا نظام علماني الا أن السلوك الأوروبي لايزال يتحرك تجاه تركيا وفقا لذاكرة تاريخية وباطنية لا يبدو من السهل محوها أو على الأقل تحييدها.

وكما هو معروف أن تركيا تحاول الانضمام لعضوية الإتحاد الأوروبي منذ أكثر من أربعين عاما وقد حصلت رسميا على صفة دولة مرشحة للانضمام عام 1999 وعلى موعد لفتح المفاوضات الرسمية معها في ال 17 من ديسمبر لعام 2004 بانتظار العضوية الكاملة التي لن تتحقق بأقل من 20 عاما وفقا لتصريحات الأوروبيين.

ومنذ عام 2000 عمل البرلمان التركي من أجل اقرار ما يلزم من اصلاحات دستورية وقانونية اشترطها الاتحاد الأوروبي في اطار ما يسمى ب(معايير كوبنهاغن) السياسية مقابل ذلك لم تبق أوروبا على شاردة أو واردة في تركيا الا وتدخلت فيها سعيا لاجراء عمليات تجميلية تصبح معها أقرب الى الخارطة الغربية بتفاصيلها السياسية والفكرية والايديولوجية منها الى الخارطة الاسلامية.

بيد أن تركيا أجبرت على الخروج من جلدها وتراثها ومعتقداتها واستنساخ المشهد السياسي والثقافي الغربي لتكون مؤهلة للانضمام الى الاتحاد الأوروبي.

ان مسألة انضمام تركيا للاتحاد قسمت الأعضاء الحاليين الى معارض ومؤيد فالمعارضين يقولون ان تركيا ليست دولة أوروبية بل هي جزء من الشرق الأوسط وآسيا وبأنها سياسيا واقتصاديا وثقافيا لا تلبي الشروط الأدنى للعضوية وستكون عبئا على الاتحاد.

في ما يقول المؤيدون ان العضوية ستمنع انتشار الفكر المتشدد في منطقة الشرق الأوسط التي قد توقع تركيا في يوم من الأيام تحت سيطرة المتشددين أيضا بأن لدى تركيا أراضي زراعية شاسعة وأيدي عاملة كبيرة ستفيد الاقتصاد الأوروبي.

وبكل الأحوال اذا نظرنا على المدى القريب فانه يفترض في الثالث من أكتوبر أن تبدأ مفاوضات العضوية بين تركيا والاتحاد الأوروبي وفقا لما قرره زعماء الاتحاد في قمة بروكسيل العام الماضي وبعد أن وقعت أنقرة على بروتوكول الاتحاد الجمركي الشهر الماضي مع الدول العشر الجديدة ومن بينها قبرص. وما يلفت النظر هنا أنه عند كل محطة جديدة لتركيا مع أوروبا تتقدم دولة أوروبية واجهة الصراع مع أنقرة وعلى رأسهم فرنسا التي لم يترك رئيسها ووزير خارجيتها مناسبة الا ودعا الى اعتراف تركيا بقبرص اليونانية شرطا لبدء مفاوضات العضوية في الثالث من اكتوبر الجاري.

وتعد قضية الاعتراف بقبرص من بين القضايا التي ترفض أنقرة الحديث عنها وقد أكدت في عدة مناسبات بأنه لا مجال للحديث عن اعتراف تركي بقبرص قبل تسوية هذه المشكلة التي تعتبرها قضية وطنية. تركيا حتى يومنا هذا تتمسك برفضها الاعتراف بالجمهورية القبرصية التي تحظى باعتراف دولي وتعتقد بأنها قدمت الحد الأقصى من التنازلات من أجل تسوية قضية توحيد قبرص الشائكة بعد أن أعلنت مساندتها لخطة السلام الأخيرة التي اقترحها السكرتير العام للأمم المتحدة والتي انتهت بالفشل عندما تم رفضها في استفتاء من طرف ثلاثة أرباع السكان القبارصة اليونانيين مقابل موافقة أغلبية سكان الجزيرة من القبارصة الأتراك. وعلى نفس الخط المعارض لعضوية تركيا الكاملة في أوروبا دخلت المعارضة المسيحية الألمانية بزعامة انجيلا ميركيل لتعرض منح صفة "الشريك المميز" وهو ما أثار حفيظة تركيا التي استنكرت بقوة مماطلة الاتحاد الأوروبي وذهبت الى ذروة التهديد المشروع والمبرر بالتأكيد على أنها ستنسحب من المفاوضات اذ لزم الأمر وبأنها لن تفتح موانئها ومطاراتها للسفن والطائرات القبرصية. وهو الامر الذي أصاب الدول الأعضاء في الاتحاد بالصدمة والغضب لكن بما أن كل دولة في الاتحاد لا تريد تحمل مسئولية ابعاد تركيا عن العضوية الكاملة فان الرد الأوروبي جاء ناعما باقتراح اعتراف تركيا بقبرص قبل انضمامها الكامل لأوروبا وليس أثناء فتح العضوية الأوروبية معها.

وعلى ارض الواقع هناك العديد من العراقيل التي تحول دون حصول تركيا على العضوية أهمها تباطؤها في تطبيق الاصلاحات التي أقرتها فيما يخص "حقوق الانسان" يضاف الى ذلك ما وقع من بتر للاصلاحات التي كان من المفترض أن تحل المشكلة الكردية فعودة هجمات حزب العمال الكردستاني الى الساحة من جديد تحرج تركيا أمنيا وتذكر بملف الأكراد سياسيا.

والاوروبيون يتخوفون من انضمام تركيا للاتحاد لعدة أسباب يمكن ايجازها في ثلاثة أسباب رئيسية هي المخاوف من الدين الاسلامي حيث لا تزال مسألة الدين وفصله عن الدولة تشكل الهاجس والخوف الأول لمنظري الحضارة والسياسة الغربية الأوروبية بشكل خاص مما يعني أنه في حال قبول نادي الاتحاد الأوروبي تركيا عضوا فيه فانه سيتعرض لضربة قوية بسبب دخول شعب مسلم على النقيض تماما من بقية الشعوب الأوروبية التي هي اما لا دينية أو مسيحية. وبالتالي فان هؤلاء الأتراك المسلمين وفق قولهم سيصبحون ك"الصوت النشاز" في السيمفونية الأوروبية وعليه فان هذا العضو سيزيد من عدد المسلمين الأوروبيين ليصبحوا في الربع الأول من هذا القرن ربع سكان أوروبا وفي هذا انتحار علماني أوروبي وزحف اسلامي متواصل يهدد القارة الأوروبية. أما السبب الثاني فيتمثل بأن تركيا تعاني من أزمة اقتصادية مزمنة ومعدلات عالية للبطالة والتضخم وفقدان الليرة التركية لقيمتها بصورة مستمرة وهي أبعد ما تكون عن دولة الرفاه وبسبب سوء التخطيط والفساد الاداري والمالي الذي يسود المؤسسات التركية لم تتمكن تركيا من الاستفادة من القروض الكبيرة التي حصلت عليها من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأمريكية للخروج من أزمتها الاقتصادية. وبالتالي فان قبول تركيا كعضو جديد في الاتحاد الأوروبي يعني تمتعها بالحقوق والواجبات كافة التي تنطبق على كل عضو وبالتالي فان الاقتصاد التركي سينمو نموا كبيرا وتركيا ستكون الرابح الأكبر اقتصاديا من دخولها الاتحاد وأوروبا وقد تكون سوقا كبيرا للصادرات التركية والأيدي العاملة التركية قد تغزو مصانع ومعامل دول الاتحاد وكل تلك الحقوق والمميزات الاقتصادية التي ستظفر بها أنقرة ستكون مثار تساؤلات كثيرة لدى منظري وقادة السياسة الأوروبية حول مدى استفادة الاتحاد الأوروبي من دخول دولة ستنعم وستأخذ أكثر مما ستعطي مما يعني أن تركيا وفي نظر هؤلاء ستكون دولة لا فائدة من وجودها ولن تقدم أي منافع اقتصادية لدول وشعوب الاتحاد الأوروبي بل والعكس صحيح يمكن أن تكون عبئا عليهم. وأيضا على الجبهة الكردية تواجه الحكومة التركية وضعا صعبا فبسبب سياسة الاهمال المزمنة لعقود في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتخلفة للأكراد في جنوب شرق الاراضي التركية فان هذه المشكلة أصبحت تمثل هما جاثما على تركيا وطلبا ملحا لأوروبا من أجل حلها بشكل عقلاني وعادل. ومع أن تركيا تتعهد منذ سنين باصلاح الوضع في الجنوب الشرقي لاراضيها بيد أنها لا تزال متقاعسة عن القيام بأي اجراءات فعلية لذلك يتوقع المراقبون أن تتعايش تركيا مع أزمة القضية الكردية لفترة أخرى من الزمن مع استبعاد حل سريع لهذه القضية.

باختصار يمكن وصف العلاقات التركية مع أوروبا بأنها "حب من طرف واحد" في الوقت الذي يحرص فيه الاتحاد الأوروبي على ألا يخسر تركيا أو يستعديها من باب نفي تهمة كونه ناديا مسيحيا يغلق أبواب الحوار في وجه الآخر ويؤجج صراع الحضارات وبالتالي اقل ما يمكن قوله بأن الوضع معقد ولا يمكن التنبؤ بمسألة انضمام تركيا الكلي الى أوروبا حتى ولو بعد عشرين عاما خصوصا مع استمرار الاتحاد مماطلته لتركيا واقتناص أي فرصة سانحة لتأخير عضويتها وتمسكه بسياسة "الجزرة والعصا".

المصدر: كونا

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 2 / تشرين الأول/2005 -  27/ شعبان/1426