من مكتبة النبأ: الأدب والمجتمع وعلم اجتماع الأدب

الكتاب: الأدب والمجتمع دراسة في علم اجتماع الأدب

المؤلف: الدكتور حسين عبد الحميد أحمد رشوان

المتن: الطبعة الأولى 2005م

(237) صفحة من القطع الكبير

الناشر: المكتب الجامعي الحديث الاسكندرية – مصر

 

(تختلف المجتمعات بعضها عن بعض من حيث الظواهر الفيزيائية والعوامل الجغرافية، ومن حيث العادات والتقاليد والمبادئ والقيم والتراث العربي، كما تختلف التجربة الإنسانية باختلاف المجتمعات والجماعات، وبالتالي مختلف أنواع التعبير الأدبي).

نقرأ في (مقدمة الكتاب): يحاول هذا الكتاب أن يبرز الدوافع التاريخية والحضارية والقومية التي حدت بالمثقفين إلى ضرورة البحث عن أساليب تعبيرية جديدة، وبلورة رؤى وصياغات مغايرة لتلك التي سادت في مرحلة سابقة.

وتبدو أهمية هذا الكتاب في أنه يكشف عن الدور الذي يلعبه المجتمع في صياغة النصوص الأدبية، في مختلف المجتمعات، وفي عهود متباينة، مما يكشف عن اختلاف وتنوع الأدبيات من عصر إلى عصر، ومن مجتمع إلى آخر. ويوحي بوجود ارتباط بين الأدب والمجتمع، وعلى ذلك فهذا الكتاب هو في (علم اجتماع الأدب).

واستخدم... في هذا الكتاب المنهج التاريخي المقارن، إذ تتبع مع المقارنة الأدب وخاصة الشعر في العصر الجاهلي، وعصر الخلفاء الراشدين، والعصر الأموي، والعباسي، والعصر الأيوبي، والعصر الفاطمي. واستخدم... كذلك المنهج التحليلي، فكثيراً ما قسّم مشكلة إلى عناصرها الأولية حتى تبدو بسيطة يسهل فهمها. وكثيراً ما استخدم المنهج النقدي، إذ يبدأ بوصف ما جاء من محاسن في نص ما، ثم يتبع ذلك بأوجه النقص فيه.

واستعان المؤلف بعدد مائة وثلاثة مرجع، وبلغ عدد المراجع العربية المستعان بها ثمانية وسبعون مرجعاً.

ونقرأ في الباب الأول (الأدب) من الفصل الأول (الأدب وأهميته) ضمن عنوان فرعي هو (ما الأدب):

يعرف (دولان بارت) الأدب بأنه نشاط لغوي متكامل ومستقل بذاته ولا يهدف الكاتب المبدع في الكتابة إلى تضمين اي حقائق أو معلومات معينة محددة، وإنما يهدف إلى إثارة مختلف الأفكار في ذهن القارئ. وكذلك لا تتضمن الأعمال الخيالية، أي حقائق أخلاقية أو أية معلومات عن المجتمع أو أي شخصية واقعية، بل أنها لا تقدم شيئاً ذا بال من المؤلف نفسه، وبمجرد أن تتم طباعة النص يفقد الكاتب أو المؤلف كل حقوقه فيه. ويذهب هذا الحق إلى القارئ أو الناقد ليفعل بالنص ما يشاء، وأن يخضعه لمختلف الأساليب والمناهج للكشف عما يسميه (بارت) جمع أو تعدد النظم التي يحتويه النص.

ومن العنوان الفرعي (أهمية الأدب للحياة) نقرأ:

ينمي الأدب في الكاتب القدرة على التعبير عن النفس ويولد الإحساس بالارتقاء بقدرتها الطبيعية والشعور الصافي بالنشوة ونقاء الحس الأخلاقي ويدّربها على التأمل في العلاقات الإنسانية وعلى التمعن في الحكم.

وعندما يقرأ القارئ لكبار الشعراء يشعر بوفرة الحياة وبواقع وصلابة العوالم التي يبتدعونها وبصدق تجربتها. وكبار الشعراء هم أساتذة الحكمة والفصاحة، وهم يروضون القلب والضمير.

ومما نقرأه من الباب الثاني (دور المتغيرات الفيزيقية والاجتماعية في الفنون الأدبية):

يصف الأديب ما يحيط به من ظواهر فيزيقية فقد نشأ العربي على أديم الصحراء أو عاش في كنف الطبيعة تحتضنه صباح مساء، وتتجلى أمامه بكل ما فيها من نعيم وقسوة شمسها المحرقة تلفح وجهه بما ترسله من شواظ ملتهب، وأحياناً تتجمد أطرافه من البرد القارس في الشتاء تمسك السماء فيجف كل شيء في الصحراء، وتهطل الأمطار غزيرة أحياناً، فتجرف أمامها كل شيء.

وقد أثرت البيئة الصحراوية في حياة أهلها، فهم يتميزون بحضور البديهة، والذكاء المتوقد، والحس المرهف، والعاطفة الجياشة، وتولد من البيئة الصحراوية مُثل عُليا لمواجهة الطبيعة القاسية، وصار العرب يتغنون بها، ويسعون لتحقيقها، فالكرم، والنجدة، وإغاثة الملهوف، والعفة، وحُسن الحوارن والوفاء بالعهد، وإباء الضيم، والمحافظة على الشرف، جميعها قيم أخلاقية فرضتها البيئة الصحراوية.

والمتطلع في دواوين الشعر الجاهلي يلحظ الصراع المرير الذي فرضته البيئة الصحراوية الجافة القاسية من أجل الحياة، حتى ألف العربي الرحلة في الفلاة سعياً وراء الرزق، فهذا (المتعب العبدي) يصور حياته رحلات دائمة لا تكاد تنتهي، يقول:

إذا ما قمت أرحلها بليل                تأوه آهة الرجل الحزين

وكذلك نقرأ من الباب الثالث (النُظم الاجتماعية ودورها في الأدب) عبر الفصل التاسع (الأسرة ودورها في الأدب):

كان للمرأة العربية في العصر الجاهلي فضل كبير في تنشئة أولادها تنشأة ذاخرة بالشجاعة فهي تدرك قيمة المرأة الشجاع، الذي تنتظره القبيلة ليذود عنها، ويدرأ كيد أعدائها، ويكسب لها المجد والشرف، فلا تسبى نساؤها، وتمتهن فيتاتها، ويستذل شيوخها، ويهزم رجالها.

لذلك كانت ترضعه مع لبنها صفات المجد، وطلب السؤدد، ينشأ وقد تأصلت فيه الروح البطولية، فها هي (شيماء) تقصد محمداً الكريم، وهو في صباه في بادية بني سعد، فتوصي له بالخير، فتقول:

يا ربنا ابق لنا محمداً                    حتى أراه يافعاً وأمردا

ثم أراه سيداً مودا                       وأكبت أعاديه معاً والحسدا

واعطه عزاً يدوم أبداً

ثم نقرأ من الباب الرابع (الطبقة الاجتماعية والتغيير الاجتماعي ودورها في الأدب) كما هو مدّون في الفصل الثالث عشر (الطبقة الاجتماعية):

يكشف هذا الجزء من الكتاب عن تداخل الطبقة الاجتماعية في العمل الأدبي. فالجواري في العصر العباسي لم يكن جميعاً من مستوى واحد أو طبقة واحدة، فمستويات حياة الجواري تعكس جميع صور التفاوت الاجتماعي الذي عرفه العصر، فالجواري قبل كل شيء لم يكن مغنيات أو شاعرات بارزات، فهناك... اللواتي يقمن بالخدمة في البيوت، و... المربيات والمشتغلات بالأعمال الممتهنة... وقد تمتلك امرأة حرة مجموعة من الجواري والغلمان يقومون على خدمتها...

ويظهر في العصر العباسي ما يسمى بـ(الزواج النهاري) الذي يبدو أنه لم يكن زواجاً معلناً، وربما كان مؤقتاً، ويقوم الزوج فيه بزيارة زوجه نهاراً فقط في بيتها، ويبدو أن هذا الزواج قد شاع في البصرة منذ القرن الثاني للهجرة وقد تلجأ المرأة إلى هذا النوع من الزواج في ظروف مادية صعبة، وذلك لكسب معاشها، وقوت يومها، فهو وسيلة من وسائل العيش.

وهكذا فإن منزلة المرأة في هذا العصر تتفاوت بتفاوت الطبقات والأحوال. ولقد ساعد تفاوت طبقات المرأة هذا إلى وجود الشعر الهجائي، حيث يقذف الشاعر نساء الآخرين، وشتم صريح لأعراضهم علانية.

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 29 / ايلول/2005 -24 / شعبان/1426