مجتمع العنف

مازن مرسول محمد

  من الممكن ان تكون نظرة تأملية فاحصة لحال المجتمع العراقي وما آلت اليه اموره الآن توحي الى عدة تساؤلات قد لانجد صعوبة في الاجابة عنها، وهي ان موجة العنف السلوكية العالية السائدة بين ثنايا هذا المجتمع، هل تدل على ان الشخصية العراقية هي شخصية عنيفة منذ القدم، ام ان هناك عوامل ومؤثرات جعلتها على هذا المنوال ؟

وهل ان صفة العنف هذه أثرت بشكلٍ كبير على مزايا الحياة الأساسية بالنسبة للفرد العراقي، ام انه قد تطبع معها وأصبحت مسألة لا يعار لها أهمية وليست ذا اثر بشكلٍ او بآخر على حياته؟.

  ان القول بأن المجتمع العراقي تغلب عليه صفة العنف السلوكي بصورةٍ قد تجذرت في شخصية الفرد العراقي، هو أمر قد لا يركن الى شيء من الدقة، فالإنسان ابن بيئته يكتسب ويتعلم ويتكيف مع ما موجود حوله في المكان الذي تسود حياته فيه، فأن عاش في بيئة هادئة غلبت على مجتمعه وأبناءه الهدوء وعدم الغلظة في التعامل ومسايرة الحياة، وعلى العكس من ذلك فان أفنى حياته في مجتمع قائم على تقلبات وأزمات تسير وتوحي لكل مسالك العنف، فمن الطبيعي ان تكون صفاته وطبائعه مستعدة ومتقبلة وميالة الى العنف.

وكذا الحال لو أخذنا صورة مصغرة عن المجتمع، مثلاً ان الأسرة وكما هو معلوم ذات اثر كير على أبناؤها، فالأسرة المتعلمة مثلاً وصاحبة المستويات العلمية العالية، قد لا يخرج أبناؤها عن هذا المحيط وقد لا يبتعدوا كثيراً، أي انهمبشكل او بأخر قد يصبحوا ذوات مستويات علمية لا بأس بها، الا ما شذ وندر عند بعض الأسر، وذلك نتيجة حتمية لتربية هؤلاء في بيئة تشجع وتحفز على اكتساب العلم والحصول على الشهادات العلمية العالية، وأيضا فالأسرة التي تنشأ على عدمالانضباط والغوص في الملذات وعدم الاستقرار، نجد ان اغلب أفرادها ميالين الى هذه الصفات ولا يحيدوا عنها، لان ذلك هو ما نشأوا ووجدوا أنفسهم عليه، الا ان ذلك لا يعني عدم وجود اسر على منهج حياتي معين ويتبع أبناؤها منهج مخالف،الا ان ذلك ليس بنسبة عالية، كما انه مدعاة لإيجاد الصراع بين الأفراد داخلها.

  ومن ذلك يمكن الإشارة الى ان صفة العنف السلوكي التي يصطبغ بها المجتمع العراقي الآن قد جاءت نتيجة الظروف والأزمات التي عاشها سابقاً ويعيشها الآن، فبفعل عمليات العسكرة وعدم الاستقرار وما لحق الإنسان العراقي من نكبات قد آلمت به كثيراً وحطمت نسيج علاقاته وتفاعلاته من خلال تحطم العديد من الأسر بفقدان أفرادها نتيجة الحرب وتبدل الوظائف لأفرادها بفعل التقلبات الاقتصادية والسياسية المتدهورة، كل هذه قد جعلت من العنف السلوكي صفة لصيقة بالمجتمع، فالفرد العراقي الآن معبأ بكل أزمات الفترات السابقة، حيث ان خاصية المرح لديه قد تقلصت بفعل ما يحمله من كبت قد جعله يثور لأتفه الأسباب، بالمقارنة مع بعض أفراد الشعوب المستقرة، والتي لم يمر بها ما مر بالمجتمع العراقي، اذ نجدهم يركنون الى الهدوء ولا تثيرهم ربما أصعب الأشياء، وذلك دليل على سكينة وهدوء ومرح شخصياتهم المتأتي من أمنهم وحياتهم الخالية من التقلبات والأزمات الحادة.

   وحتى كلامنا اليوم فهو يوحي الى نبرة التعصب والكلام بصوتٍ عالٍ دون ان نشعر، وذلك لم يأت من فراغ وانما ما اشرنا اليه له عظيم الأثر في وضعنا على هذه الصورة، وكذا إقبالنا نحو الإعلام المرئي يتركز في العديد منه على أفلام ومشاهد العنف والديباجات المسلحة والتي تذكرنا ببيئتنا المضطربة.

  فما نريد قوله ان صفة العنف في تعاملات وسلوك وحياة الفرد العراقي قد أنجبتها ظروف هذا المجتمع القاهرة، والتي حقيقةً لو مرت على مجتمع آخر وبدون مبالغة لأنهت مسيرة حياته واندثر منذ فترة، الا ان ما يميز هذا المجتمع انه متماسك بدرجةٍ لا بأس بها لحد هذه اللحظة، وما ذلك الا دليل الصلابة في تحمل المصاعب والمحافظة قدر الامكان على النسيج الاجتماعي من ان يتمزق، ولو انه قد استنزفت منه ألازمات كثيراً وإحالته الى المنظر الذي نراه اليوم.  

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 28 / ايلول/2005 -23 / شعبان/1426