في ذكرى ولادة الإمام المهدي عليه السلام: تأملات في واقع الولاية و الوعي بالمستقبل

بقلم المهندس غريبي مراد عبد الملك

 مدخل

( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر  وأولئك هم المفلحون) .

(( السائر على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده كثرة السير الا بعدا ))الامام الصادق (ع).

في وسط اسلامي تخيم عليه الغفلة والجهل بصاحب العصر و الزمان عليه السلام ويعيش بعيدا عن العمل بشريعة الإسلام و قيمه  في مجالات الحياة كلها ،  و يتوارى  عن  واجهته الفكرية  و الثقافية و أفكاره وطريقته في التغيير و التجديد و الجهاد عنوان الإمام المهدي عليه السلام .. وتسيطر عليه الحزبيات الفكرية والسياسية والمذهبية والعرقية وغيرها من الأفكار والنظريات والحركات الغير هادفة..

إنها خير أمة أخرجت للناس هذه أوضاعها وسماتها العامة. مع  ذكرى ولادة  { من يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد أن ملأت ظلما و جورا } كإمام عادل ومدرسة رسالية واتجاه ثقافي وحضاري يتسم بالاصالة الإنسانية الرسالية والنقاء و الطهارة و العصمة في الفكر والممارسة والتنظيم و الجهاد .. لنكن جنود الإمام المهدي عليه السلام على مستوى لائق من الانتماء و الوعي و الولاية والفهم  و الثقافة  الإسلامية الولائية  ، حتى يمكننا فكريا وثقافيا أن نتحرك  على اسس  إسلامية .. فتراث أهل البيت عليهم السلام يرسم لشيعته خاصة  وللمسلمين عامة  هذه الرؤية والمسيرة العملية ليولد في كل حين  الدعاة والمثقفين بالثقافة الإسلامية الأصيلة الهادفة العاملين على بعث الوعي بدولة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف الكريمة .. وعمم-التراث الإمامي-  الوعي والثقافة على المساحات والافاق الاجتماعية والمجالات التي يجب الإجتهاد  عمليا فيها ... حتى يكبر  التيار  الفكري المهدوي و يغني المستضعفين بالثقافة وبالفكر الحركي الإسلامي الذي  هو فكر  العصمة و الطهر  والتضحية بالغالي و النفيس  والمعاناة الجهادية والممارسة العملية ..  الفكر  الإسلامي الأصيل  العملي  التغييري وليس طرحا نظريا   إنه  تجربة حية  عنوانها: الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء و مهدوي الوحدة .

إن قيمة هذه المناسبة "ولادة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف و عليه السلام " أنها تحيي فينا الإسلام و التشيع و الولاية و الشهادة من جديد، ترتفع بنا في رحاب النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و رحاب البيت الطاهر و المعصوم بيت سيدة نساء العالمين عليها السلام و أمير المؤمنين عليه السلام و المجتبى عليه السلام و الإمام الحسين الشهيد عليه السلام و الأئمة عليهم السلام، لنستوحي منهم دررا كامنة في كلامهم و سيرتهم أسرارا نجهلها عن شخصية الإمام المهدي عليه السلام، حيث تولد فينا القدرة على صنع المستقبل الإسلامي، وتنصب الجهود على مستوى الفكر والواقع بالجهاد ضد التعصب والشقاق و الفتنة والتخلف وضد الإرهاب والخوارج الجدد، فيبقى الإمام المهدي إمامنا بحق الموجه للفكر وللعمل.. .. فنصنع من  الثقافة المهدوية  واقعا حركيا ودعوة تغييرية مصيرية  في أعماق الأمة ووجدانها. شعارنا في هذا كله  لكل المسلمين سنة و شيعة و كل الإنسانية الباحثة عن العدل:

 ( قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ).

( … أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ).

عنوان "الإمام المهدي عليه السلام" في هذه الأمة   تاريخيا طاقة معنوية عظيمة،  أحدثت التغيير و لازالت.. إلى أن تبنى الحضارة والدولة والمجتمع الإسلامي  السعيد … وسوف تستأصل بإذن الله تعالى  قوى الكفر والجاهلية والطاغوت و الإرهاب  … لأن دولة الإمام  على أسس إسلامية  أصيلة معصومة  وتخطيط رسالي متطلع  … وشيعة الإمام المهدي عليه السلام جنوده ذوو  إعداد فكري وتربوي قويم  …

هذه الحقيقة هي التي أن لابد نتحرك بها و نربي عليها أبناءنا  من أجل  التفاعل والتأثير في الأوساط المختلفة من أبناء الامة....

أيها الأحبة :

لابد من الإشارة أيضا، إلى ان ولادة الإمام المهدي عليه السلام قبل أي معنى هي أصلا دعوة للتوبة و التقوى و الوحدة و الهدف الأسمى من الخلقة، هذه الحقيقة قد تحدث عنها الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله والأئمة من آله عليهم السلام وعلماء المسلمين كافة في كل الظروف والمراحل المتعددة عبر التاريخ الإسلامي.. لذلك فانه لابد من ربط الاحتفال  بمقاصدها  من جهة ولابد من مراجعة أفكارنا و نفوسنا و واقعتا  بصورة دقيقة  وإخضاعهما للإصلاح .

صاحب العصر و الزمان عليه السلام و عجل الله فرجه الشريف، عندما يظهر عليه السلام يأتي الرفاه الحق و العدل القويم و يستهل فصل الحياة الأبدية، وحيث يحاصرنا اليوم العنف من كل صوب وحدب، وحيث يدفع الأبرياء في كل مكان ثمن فواتير الطغاة و المستكبرين و المجرمين لهذا العصر، وفاتورة الحروب، لعل مثل هذه الظروف و المستجدات توحي لنا بأن ولادة الإمام المهدي عليه السلام تزداد إشعاعا يوما بعد يوم، حيث يمكننا أن نلمس هذه الحقائق في عدة كتيبات منها "الإمام المهدي الغيب الشاهد" لسماحة السيد محمود الموسوي البحراني حفظه الله و "الإمام المهدي و بشائر الأمل " لسماحة الشيخ حسن بن موسى الصفار القطيفي حفظه الله الكتيب الرسالي   "الإمام المهدي و التفكير العالمي "" الصادر حديثا و الذي طبع بإشراف شركة مكتبة الألفين سنة 1425ه -2004م لسماحة السيد أحمد بحر العلوم الميردامادي ، الذي جمع  فيه محاضرات آية الله الحاج السيد محمد رضا الشيرازي حفظه الله و رعاه.

حيث هذا الكتيب منذ أن قرأته شدتني فيه ميزتان: أولهما أنه عمل دعوي ركز سماحته في ترتيبه على الوصول لمنهج تربوي إرهاصي للقارئ للبحث عن موقع في رحاب دولة الإمام المهدي عليه السلام ومراجعة الذات قبل فوات الأوان، وأخلاقيات الإنتظار. والكتيب من ناحية أخرى دعوة عالمية لولاية الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف  وكأن بسماحته  يبتغى من خلال هذا الكتيب  مناشدة الضمير الإنساني أينما كان ويطالبه بالعودة عن سبيل الظلم والجور و الفساد و العنف و اللاأخلاق  واقتفاء أثر مدرسة  أئمة الهدى عليهم السلام العارفين بجواهر الأمور  و خبايا الأحداث و الفتن و الثقافات والحضارات و الملل و الأزمان كلها حاضرها وماضيها و مستقبلها  .إنه  رسالة عالمية من أجل تفعيل إرادة التشيع الحقيقي  الرسالي المتطلع لدولة إسلامية كريمة .

لقد وجدت بدا كبيرا للإطلالة على  جوهر فكرة الكتيب، لأنها  تنطلق من فرضية أساسية هى وحدة المصير  الإنساني بغض النظر عن التباينات الفكرية والأيديولوجية و الدينية والإنسانية. وهذه الفكرة المحورية جد مهمة في الوقت الراهن .وفى كل الأحوال لأن المطلب  الذي يعالجه  هذا الكتيب يشكل قيمة في حد ذاتها، لأنه يرتبط بآلام راهنة ومخاطر لاحقة و خلاص مغفول عنه . وبالتالي فنحن في أمس الحاجة إلى حوار عن(و مع) المهدوية أكبر و أعمق  كهذا بشرط أن يرتكز على  أخلاقيات الحوار وأدب الاختلاف وجدية الموقف .

وانطلاقاً من مبدأ "وحدة المصير الإنساني" يعرف الكتيب فكرة التفكير العالمي ببساطة، حيث يلمح سماحة السيد رضا الشيرازي فكرة العالمية و وحدة المصير الإنساني بوصفه لمجموعة من القيم الإنسانية الأصيلة.و ختاما نجده ينتقد الجمود الذي حاق بالمجتمعات الإسلامية تجاه قضية الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، كما يلمح بالمقابل لنزعة العداء للإسلام السائدة في العالم أو ما يعبر عنه بالإسلاموفوبيا.

قد يجد القارئ في هذا المقال فراغا إستدلالية لأفكار الكتيب، ولكن سوف يجد أن هذا المأخذ لو أعتمد لأخذ كل مساحة المقال أو أكثر أو لكنت من الأفضل شاركت أخي المؤمن الفاضل السيد احمد بحر العلوم، لقد فضلت أحبتي عدم الاستدلال بكلام سماحته حتى لا أعكر لاخي القارئ صفو قراءته للكتيب. وقد يختلف البعض أو يتفق مع هذا التحليل أو ذاك، ولكن لن يختلف اثنان على دعوة الكتيب إلى أن نعيد النظر، ونحكم العقل في موقعيية الإمام المهدي عليه السلام في وعينا و دورنا تجاهه عجل الله فرجه الشريف و نتحرك مثل ذلك الداعية المحقق الجليل الشيخ عبد المجيد حكيم إلهي حفظه الله الذي تكبد عناء الهجرة لأدغال إفريقيا ليحدثهم عن الإمام المهدي عليه السلام و مأساة أهل البيت عليهم السلام و يقوم بإحياء الشعائر الحسينية هناك. فإذا لم نفعل ذلك فلن يكون لدينا خيار سوى الاستضعاف غير المبرر بسبب تحكم الذات و الهوى و الشيطان التي لا تنتج سوى الجهل والجهالة والتعصب. أيها الأحبة عندما نبدأ نفكر بمنطق استشرافي سوف نعطي الاولوية لمسألة المهدوية بشكل جيد وجديد، وأول منطلق لابد أن يكون إعلاميا  فضائية  شيعية تسع الفكر الإنساني على حد تعبير آية الله الحاج السيد محمد رضا الشيرازي دام ظله ،و تكون  بعنوان المهدي (عجل الله فرجه الشريف) هدفها الرئيسي و الأساسي بعث نور الإسلام الحقيقي و التشيع الصافي والولاية الطاهرة في ربوع العالم ببرامج يبدعها شباب مدرسة أهل البيت عليهم السلام بالتنسيق مع مركز ولي العصر العالمي للبحوث و الدراسات الخاصة بالإمام المهدي عليه السلام ، لابد لذكرى ولادة قائم آل محمد  الإمام المهدي عليه السلام أن  تغطى حيزا واسعا من الأفكار والآراء والاتجاهات في العالم  من خلال طروحات  تحليلية تربوية عقلائية توحيدية ، لا أقول بخيال علمي و لكن  بفكر علمي إسلامي إمامي من شأنه أن يحاور كل إنسان مهما كان إنتماؤه .

(( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )).

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 27 / ايلول/2005 -22 / شعبان/1426