التوافق المهني انعكاس للتوافق النفسي

د. اسعد الامارة*

 معظمنا ادرك قيمة الصحة واهميتها في حياته وخبر المرض وعرفه، انها معيار يرى من خلاله الاشياء وكذلك هو الحال بالنسبة للتوافق ،اياً كان نوعه او شكله اوحجمه، يقول د.احمد فائق ان التوافق هو حالة وقتية تتزن فيها قوى المجال بما فيه للشخص ذاته فكل مجال انساني يتضمن عديداً من القوى المتنافرة المتنازعة ويتضمن الانسان الذي سينحو بسلوكه انتحاءاً خاصاً حسب نظام هذه القوى حيث ينعكس عليه تأثير هذا الانتحاء،فعندما يوجد انسان في مجال جديد كالدراسة الجامعية فأن القوى التي تتنازعه في هذا المجال لا تستقر بسرعة ولا توجد اصلا على استقرار.

وهكذا الحال في العمل والمهن المختلفة وتمتد هذه الى اقامة العلاقات وانواع الصداقات التي يقيمها تبعاً لذلك الطالب او العامل او الموظف او المهندس او الطبيب في مهنهم ينتقون الاصدقاء ويرون في نزعاتهم وميولهم الى اين تتجه حتى تقوم الصداقات والعلاقات او تنفرط فتكون احد اسباب سوء التوافق في المهنة لاسيما ان هذه النزعات تحركها دوافع داخلية ،فالتكيف في العمل او المدرسة يؤدي الى التوافق ،فالتوافق المهني اذن هو العملية الدينامية المستمرة التي يقوم بها الفرد لتحقيق التلاؤم بينه وبين البيئة –المادية والاجتماعية- والمحافظة على هذا التلاؤم ويقول د.عباس عوض ان قدرة الفرد على التكيف لظروف ومطالب العمل ،انما تعني ان يتكيف  مع الآلة ولروتين العمل ولزملاءه ولمزاج رئيسه وللظروف الفيزيقية التي تحيط به،وان يدرك ان رغبته الصادقة في العمل وقدرته على اداءه اداءاً سوياً ليست في ذاتها ضمانا لقبوله من زملائه او ترقيته او تقدمه في العمل.

 اننا خلال مسيرة حياتنا الطويلة نجابه متطلبات الواقع بعدة اساليب كل تلك الاساليب تدعو الى اعادة توازننا الذاتي –الداخلي لينعكس على الخارج ،هذا الخارج الذي ظل دائماً انعكاسا لما يدور داخل انفسنا ،والتوافق في المهنة والعمل الوظيفي ،وهو مظهر من عدة مظاهر ،اول مظاهره الرضا عن العمل ،هذا الرضا يحوي عدة مؤثرات تحدث التوازن النفسي الذي يبعثه العمل ومنه:

- ان يكون العمل شيقاً يبعث على السرور

- ان تكون ادوات العمل موجودة ومشجعة

- الحضور للعمل يؤدي الى تراكم الخبرة

- يؤدي الموظف او العامل في عمله بكل ارتياح

- الراتب(الاجر)يساوي الجهد المبذول

- التعاون والتوافق مع الزملاء في العمل

- الشعور بتنمية القدرات اثناء العمل

- الشعور بالامن النفسي داخل العمل وبدون تهديد

- بامكان الفرد ان يرى نتائج عمله مع التعزيز والتدعيم

- يعمل مع حجم القدرة المتاحة وبالمسؤوليات الممكنة

- يفكر بالاعمال الجيدة ولديه الفرصة في ذلك

- لديه الحرية في تقرير الطريقة التي يمارس فيها عمله

- الصداقات في العمل تبعث على التشجيع

- الظروف الفيزيقية في العمل مريحة

- ينسى العامل /الموظف مشكلاته او ارتباطاته خارج العمل اثناء دخوله الى موقع العمل

- لا توجد متطلبات متناقضة ومتصارعة او تيارات متضاربة في العمل على شكل تكتلات

- يكاد العمل ان يكون احدى طرق العلاج النفسي او الترويحي

تلك العوامل التي تبعث على الرضا عن العمل وقبوله ومن ثم التوافق المهني ،فالتوافق المهني يسير جنبا الى جنب مع التوافق النفسي رغم ان للسن تأثير وللتعليم تأثير وللتدريب تأثير وللخبرة تأثير ،وكلها تؤثر على التوافق العام والرضا العام ،لذلك فأن التوافق المهني والرضا عن العمل يرتبط بالرضا الكلي عن الحياة.فالكثير من الناس القانعين والراضين تماما عن مسيرة حياتهم وما اصابهم من ويلات ربما آمنوا بانه قدرهم في الحياة ،ودائما يرددون (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا)،فتراهم كانوا يشغلون مناصب ادارية منخفضة نسبياً وان الاجور التي يتعاطونها ربما تتأرجح في احيان كثيرة بين الكفاية او النقص ولكنهم اسعد الناس ويمتلكون القدرة على التقويم او النقد النفسي او الرضا فنادراً ما يتذمرون من سخط الحياة وقسوتها وما واجهوه ،فهم يتأملون في القادم بانه افضل مما مضى ويتقبلون مصيرهم ويركزون دائما على النواحي الايجابية منها،هؤلاء الافراد الهادئون ذوو الميول الساكنة لم يكونوا نافرين من الاخرين ولا الباحثين عن اللذة الزائدة عن اللزوم،بل من اكثر الراضين عن الحياة ومتوافقين مع انفسهم رغم ان الملل ينتابهم في احيان كثيرة في العمل بسبب بعض المشاكل الاسرية او متطلبات الحياة العديدة التي تؤثر على التوافق المهني خاصة ،فالملل متغير مؤثر دائما بسبب الحالة النفسية او بسبب الاعمال الروتينية المتكررة يومياً.

  اما سوء التوافق المهني فهي عوامل شخصية ترجع الى العامل او الموظف نفسه ربما تعود اسبابها الى نقص في كفاءته او عدم استعداده الى هذا العمل اوقلة تأهيله المهني او تدريبه او لعدم تناسب قدراته مع نوع عمله،او هناك خلل نفسي او اعتلال في صحته النفسية وتبدو المظاهر عديدة في التكيف السئ منها اضطراب علاقاته مع زملاء العمل ،قلة انتاجه ،كثرة حوادث العمل،كثرة خلافاته مع زملاء المهنة،حتى يبدأ التذمر واضحا في سلوكه ويؤدي بعد ذلك الى اللامبالاة والتكاسل في العمل مع الشكوى والتمارض وعدم الالتزام بالتعليمات التي تصدر عن العمل.

*استاذ جامعي وباحث سيكولوجي

شبكة النبأ المعلوماتية -الأحد 26 / ايلول/2005 -20 / شعبان/1426