الجنوب الشيعي بين الخطر السعودي والتهور الايراني

اسعد راشد

كثيرا ما يحاول الاعلام تجيير ما يحدث في الجنوب الشيعي من  "تدخلات ايرانية" ـ صدقا ام كذبا ـ لصالح اجندة دول معينة في المنطقة لا تريد لشيعة العراق خيرا لا تقل خطورتها عن ما تفعلها ايران من اجل مصالحها القومية وليس كما يتصور البعض من اجل مبادئ  "دينية  " او ثورية او  "مذهبية" ‘ فمثل ما ان ايران مهتمة بمصالحها وهي على استعداد ان تضحي بمصالح الشيعة في كل مكان وان على حساب ما تدعي "المبادئ الشيعية" او الثورية كما حدث في اذربيجان التي وقفت ايران خلال الحرب بين الارمن المسيحيين وبين الاذريين المسلمين الشيعة في صف الدولة الارمنية، تلك الحرب التي راحت ضحيتها العشرات الالاف من الشيعة واستولى الارمن على مساحات شاسعة من الاراضي الاذرية ‘ فان الانظمة العربية في المنطقة وخاصة في الخليج مهتمة بمصالحها وهي تسعى لتخريب العملية السياسية في العراق واضعاف الشيعة من خلال تحريض جماعات العنف السلفية والوهابية على ممارسة القتل والارهاب ضد الشيعة كي يبقى العراق رهنا بايدي اجندتهم الطائفية والارهابية..

  مع ذلك لو قارننا بين الخطر الايراني والخطر العربي  خاصة السعودي ‘الذي لا يقل تدخله في الشأن العراقي عن التدخل الايراني ‘ لوجدنا ان الخطر السعوي (العربي) على العراق وشيعته في الجنوب هو الاكبر والاعظم لما يحمله من مشاريع جهنمية تصفوية استئصالية بدوافع  "طائفية" تزرع بذور الارهاب وتنميها لتحرق الاخضر واليابس ولتقضي على ما تبقى من الحياة في العراق ..

الخطر السعودي تجلى في كثير من المواقع والمواقف وفي عدد كبير من البلدان وخاصة في احداث 11 سبتمبر التي قادتها مجموعات سعودية منتمية لتنظيم القاعدة ومحسوبة على التيار السلفي الوهابي تلك المجموعات التي   تلقت التمويل والتثقيف  على ايدي شيوخ وعلماء السعوديين الوهابيين والذين بدورهم لحد هذا اليوم يحظون بدعم وتشجيع الحكومة السعودية  ويحرضون اتباعهم على الذهاب الى العراق لجهاد "الكفار" ـ اي الشيعة الروافض والامريكان الصليببين! ـ ولتنفيذ العمليات الانتحارية التي في الاغلب يقوم بها سعوديون ..

التدخل السعودي في الشأن العراقي يتركز على بعدين البعد السياسي والتصريح علنا ضد العملية السياسية وضد تسلم الشيعة الحكم والنفوذ في العراق كون انهم اغلبية والبعد الاخر الارهابي من خلال التسيب في مراقبة الحدود تعمدا كما يفعله السوريون بل واكثر حيث تحولت مساجد والاندية الرياضية السعودية الى مراكز تجنيد للارهابيين السلفيين الوهابيين وارسالهم الى العراق عبر الحدود مباشرة او عبر سوريا وبتنسيق مع اجهزة المخابرات السورية يتولى الامر فريق من عناصر البعث العراقي الارهابي الموالي للنظام السابق .. ولعل التدخل في البعد السياسي تجلى بوضوح في تصريح وزير خارجية النظام السعودي سعود الفيصل امام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك والذي اراد من خلال ما قاله  "ان سياسة الولايات المتحدة في العراق تعمق الانقسامات الطائفية في العراق الى حد انها تسلم البلاد فعليا لايران" !!  كما لم يغفل وزير النظام السعودي من الانحياز لسنة العراق والدلو المباشر في الشأن العراقي من خلال الطعن في الدستور العراقي الذي شارك ممثلين منتخبين من قبل الشعب في صياغته والوقوف مع الارهابيين والجماعات التي تهدد بنسف العملية السياسية واحراق العراق اذا تم اقرار الدستور الجديد حيث اعتبر ان الدستور العراقي  " سوف يؤدي الى تقسيم العراق وتجريد الاقلية السنية من حقوقها السياسية"!! لقد اراد ايصال رسالة خاطئة الى الامريكيين ناسيا ان بلاده هي السبب في ابتلاء العالم بداء الارهاب الذي يقود السنة السلفيون والوهابيون ..

تعظيم الخطر الايراني امام الامريكيين سياسة قديمة وفاشلة رغم اننا لا ننكر بوجود تهور ايراني في القضية العراقية وخاصة فيما يخص شيعة العراق الذين حولتهم الحكومات العراقية السابقة السنية الى حطب الحروب العبثية واليوم يحاول الايرانيون زجهم عبثا في مواجهة الامريكيين وهذا ما ترفضه الاغلبية الشيعية العراقية وترى في سياسة ايران خطرا على الكيان الشيعي في الجنوب خصوصا وفي عموم العراق وتثير مخاوفهم من ان تؤدي الى تعظيم الدور السني في العراق وتدخل اوسع لدول الجوار العربية في الشأن العراقي بحجة  "الخطر الايراني" وبذريعة حماية "الاقلية السنية" كما هو الحال  اليوم حيث نتلمس بوضوح مدى صفاقة الوزير السعودي و السياسة السعودية  التي يحاول وزير خارجيتها الترويج لها فيما يخص المشهد العراقي حيث تهمة عمالة شيعة العراق لايران غدت تشكل المدخل للتأثير على السياسة الامريكية في العراق وتجييرها لصالح اجندة الانظمة العربية السنية التي تنافق وتكذب على العالم وخاصة على الغرب والامريكان من اجل ان يبقى حكامها على عروشهم يحكمون الشعوب لفترة اطول واكثر ..

لذلك نرى ان الجنوب الشيعي في العراق غدى اليوم  بين نارين بين مطرقة الاعراب ونخص السعودية وبين سندان الايرانيين .. صحيح ان الايرانيين لا يصدرون للعراق الارهاب والانتحاريين الا انهم يصدرون  " النفوذ" ويعطون الاخرين مبررا للتدخل ولضرب مصالح شيعة العراق كما انهم يريدون للشيعة ان يكونون مطية لاهدافهم وورقة في صراعاتهم مع الاخرين وخاصة في مايخص الملف النووي وهو امر بلاشك يرفضه شيعة العراق من خلالهم تحالفهم الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وقد اكدته سياسة حكومة الجعفري وموقفها الاخير تجاه التطورات الاخيرة في البصرة حيث قال الجعفري ان ذلك لا يؤثر على العلاقات الحميمة والصديقة القائمة بين بريطانيا والحكومة العراقية ..

ويبقى الخطر الاكبر الذي يهدد العراق هو التدخل العربي الذي استمر لعقود ومازال الاعراب يتدخلون ويزايدون على شعبه من خلال تصريحات الرعناء ومواقفهم العدائية ازاء الاغلبية الشيعية وضد الاكراد ومازلوا يحالون بشكل من الاشكال التأثير على شكل الدولة التي يريد العراقيون صياغتها لبلدهم بعيدا عن ديكتاتوريات الانظمة العربية ومخلفات الفكر السلفي العربي الذي تستمد تلك الانظمة منه صيرورتها ونهجها السياسي في التعاطي مع الاحداث والقضايا .. فهم الاعراب يصدرون اليوم للعراق الموت والارهاب والانتحاريين والسيارات المفخخة ويحاولون بخبثهم اظهار الخطر الايراني للتغطية على حجم خطرهم الاعظم الذي لو نجحوا في تنفيذه  وتحقيقه في العراق سوف يهدد العالم كله للخطر من خلال سيل الارهابيين الذين سوف يصدرونهم للعالم وللمجتمعات البشرية كاالجراد ..

بالطبع ان شيعة العراق لا يريدون معاداة ايران ولا يريدونها في نفس الوقت التدخل في شؤنهم  ويتمنون لها ان تحذوا حذو عقال الشيعة في العراق والدخول في حوار العقلاء مع العالم لحل الازمة القائمة بينها وبين الغرب وامريكا وانهاء مشكلة الملف النووي .. كما يتمنون لها ان لا تزج بهم في اتون الصراعات الدولية والاقليمية التي ملّ العراقيون الشيعة منها ويريدون اعمار مناطقهم والعيش بسلام وحرية وامان ..

شبكة النبأ المعلوماتية -الأحد 26 / ايلول/2005 -20 / شعبان/1426