أعان اللهُ الجعفري

محمد حسن الموسوي

يقولون رضا الناس غاية لا تدرك، فكيف اذا كانوا عراقيين فستكون عندها الحالة اعقد واصعب لأنهم شعبٌ يعيش الحراك الثقافي والسياسي والاجتماعي الدائم يجعل من الصعب  بما كان ارضائهم، فهم بحق شعبُ العلم والثقافة وهم اهل الفصاحة واللباقة . ففي ارضهم سُنَّ للعالمين أول شرعة، وفي ديارهم خُط أول حرفٍ، وفي مرابعهم تأسست مدارس اللغة والفقه فكانت بغداد والكوفة والبصرة  والحيرة حواضر المدنية اليها تُشَّد الرحال وتُساق الجمال وفي سبيلها يُنفق المال.

فالعراق ارض كوفان وعلى تلاله رست سفينة الطوفان ومن جنوبه المعطاء ارتفع الاذان بكلمة لا آله الا الله من أور وأكد مدينة ابراهيم أبو الانبياء حيث شق بدعوته الحنفية عباب السماء، وعلى ثرى سهوله  سالت دماء الاوصياء من آل محمد العلماء ، حسين ٌ وصحبه النجباء، فكانت كربلاء ومن قبل تكرمت ارضه في الغري بدم علي ٍ أمام الاتقياء وزعيم البلغاء وشيخ الحكماء. وفي بغداد  دار السلام كانت دور الحكمة تعج بالأنام من العلماء والعوام، فبزغ نور العلم والحكمة وأُنشئت مدارس الكلام والفلسفة فصار الناس لذلك مذاهب ومشارب.

ومن ذلك اليوم ولساعتنا هذه والعراقيون طرائق قددا لا الولاة عنهم راضون ولا هم عن الولاة راضون ابدا. يذكر التاريخ ان معاوية أوصى ولده يزيد  بالعراقيين قائلا ( وأما اهل الكوفة - وكان العراق ذاك الحين يوصف بالكوفة - فاذا سألوك ان تبدل لهم في كل يوم والي فافعل اتقي شرهم لأنهم قوم شقاق ونفاق). لقد أصاب معاوية بوصيته هذه وأخطأ. اصاب كبد الحقيقة حينما اوصى خليفته من بعده بمراعاة مزاج العراقيين المتقلب حتى لو تطلب ذلك ان يبدل لهم كل يوم والي ، وأخطأ حينما وصفهم بالنفاق.

اهل العراق لا كما يردد البعض جهلا ً او تجاهلا ً اهل نفاق وشقاق ، بل هم اهل علم ووعي ورأي وأجتهاد ويقظة وذكاء. لا يستطيع ان يحكمهم كل من هبَّ ودب. كأن السماء خلقتهم للجدل. فالعراقي صعب المراس ،يقظٌ حساس، ويبدو ان ذكاءه ووعيه اصبحا نقمة عليه لا نعمة. فالعراقي خُلق لكي يحكم لا ان يُحكم  وهنا تكمن مصيبته. فالشعب معظمه يفهم بالسياسة والاعيبها، ويفقه في الحكومة وأساليبها، ربما لأنه نتاج حراك ثقافي وسياسي متواصل مما جعله شعب صعب الانقياد ،ولديه في كل قضية رأي واجتهاد.

فكيف والحال هذه  للجعفري ان يسلم من انتقادات شعبٌ طبعه الجدل ؟ فمنذ تسلمه زمام الحكم والالسن تلوكه سرا ً وجهرا ، بحق ومن دونه. التركة التي تسلمها الجعفري ثقيلة ولا يتوقع منه ان يفعل المعجزات. بُنىً تحتية شبه محطمة بالتمام ، فساد ٌ اداري لا نظير له في المعمورة ، ارهاب يضرب البلاد طولا ً بعرض، وزراء ومدراء ولاءاتهم لأحزابهم لا للحكومة او للوطن ومصالحهم الشخصية فوق كل اعتبار، فضائح لا تُستر ، آخرها توظيف شقراء أجنبية كسكرتيرة للاعلام في أحدى سفراتنا في عاصمة اوربية تعج بالاعلاميين العراقيين واتضح بعد التحري أنها كانت معشوقة (Girl friend) لأحد المسؤولين يوم كان لاجئا في تلك العاصمة. لكم هو كريم هذا المسؤول ؟ يبدو انه اراد ان يرد الجميل لمعشوقته الحسناء التي احتضنته وحضنته ايام نضاله السلبي فقرر ان يحتضنها ولكن على طريقته  سيما وان الخارجية العراقية اصبحت (خان اجخان) يصول فيها البعثيون  ويجولون فما الضير من ان يضاف الى طاقمها شقراء  من اجل تحسين نسل السلك الديبلوماسي؟

وزارات ملغومة بالصداميين يسرقون الدولة في وضح النهار دون حسيب أو رقيب . دول ٌ مانحة لم تلتزم بتعهداتها ، ومؤامراتٌ داخليةٌ وأقليمية ٌ تحاك خلف الكواليس لأسقاط الحكومة الحالية لا لشئ سوى أن (رافضي) يتزعمها. والجعفري يوصل الليل بالنهار من اجل تذليل العقبات امام المواطنين. فتراه يتوسل بالاتراك من اجل زيادة ماء النهرين ويفاوض الايرانيين من اجل حفنة ميكات من الواطات الكهربائية ويتوود للكويتيين من اجل اطفاء التعويضات، ويفاوض الاوربيين من اجل الاستثمار في العراق هذا وغيره من الجهود الكبيرة التي يبذلها الرجل دونما يشير اليها الاعلام من قريب او بعيد غير ان المواطن العادي لا يدرك ذلك وهو محق فصاحب الحاجة اعمى لا يرى الاقضائها وحاجة المواطنيين الان هي الكهرباء والنفط والبطاقة التموينية والقضاء على البطالة والامن الذي بدأ يتحسن شيئا فشيئا.

امست الاستهانة  بالجعفري فاكهة الحديث عند النُخب ، ولو علموا ما يبذله الرجل من جهد جهيد لندموا عن كل كلمة سوء قيلت بحقه وهو ذو الصدر الرحب مما شجعنا على نقد أداءه ونصحه في مرات سابقة أيمانا منا بأن الدين نصيحة ، وشعورا منا بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا جميعا.

 قضيتان أتمنى على الجعفري ان يلتفت اليهما الاولى الاستعانة بمستشارين أعلاميين محترفين يوصولون أنجازات حكومته للناس دون مبالغة او تزوير. ولا ابوح سرا ً ان الكادر الاعلامي الذي يحيط بالجعفري لم يقم بمهمته على مايرام لقلة خبرتهم. والمعروف ان اي عملية سياسية تحتاج الى غطاء اعلامي فعال  يتناسب وطبيعتها ويعمل على تسويقها وبدونه ستكون مكشوفة الظهر  كيف لا والاعلام  المعادي للعملية السياسية الجارية في العراق  قد تكالب على الحكومة الجعفرية .ولذلك فمن المتوقع ان يجابه الاعلام  باعلام امضى  منه الامر الذي يتطلب الاعتماد على اعلاميين محترفين وعجيب ان لانرى بين مستشاري الجعفري خبراء اعلاميين   علما ً ان منهم من يقيم على  مرمى حجر من مقر الجعفري بينما نرى في كادره  من لا عهد  له  بالاعلام  ولا يجيد ابجديات الحرب الاعلامية او فن التسويق الاعلامي! لا سيما وان الجعفري ذاته وصف حكومته بـ ( حكومة حرب) ومن هنا فأنه بحاجة الى اعلاميين مقاتلين يجيدون فن الدفاع والهجوم وليس الى مترهلين يتحركون بالاستخارة فأذا اراد احدهم انجاز برنامج اعلامي ما اتصل بمرشده الروحي في قم طلبا للخيرة يفعل او لا، وقد يكون جواب مرشده (مخيرة والترك أولى) وعندها يزداد الامر طلسمية ً! .

 والقضية الثانية ان يولي الجعفري طبقة النساء والشباب أهتماما أكبر لانهم عماد المستقبل والكثرة الكاثرة في المجتمع وغريب انه لم يحيط  نفسه لحد هذه اللحظة بمستشارة كفوءة لشؤون النساء كما فعل الرسول مع ام سليم وبمستشار شاب ألمعي لشؤون الشباب كما يفعل الرئيس الطالباني الذي ملأ مكتبه بالمستشارين من كل حدب وصوب حيث وصل عددهم الى سبعين مستشاراً سيما وان ميزانية الحكومة مفتوحة ولن يرهق كاهلها تعيين مستشارة للنساء ومستشار للشباب على ان لايكون من شباب الحزب اذ سيكون مستشاراً لشؤون العجزة والشيب لا الشباب  .

والخلاصة لا يسع المرء وهو يراقب المشهد العراقي المعقد الا ان يدعو للجعفري ولحكومة الائتلاف بالسداد ويبتهل الى المولى بكلمات صادقات. اللهم أعن الجعفري. 

 [email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -الأثنين 19 / ايلول/2005 -14/ شعبان/1426