s

 
 

من مكتبة النبأ: قراءة في كتاب علي وحقوق الإنسان

الكتاب: علي وحقوق الإنسان

المؤلف: جورج جرداق

المعلومات: طبعة سنة 1423هـ - 2003م (246) صفحة من القطع الكبير

والكتاب ضمن سلسلة (الإمام علي.. صوت العدالة الإنسانية) الجزء الأول.

الناشر: دار ومكتبة صعصعة. جد حفص – مملكة البحرين.

هذا الكتاب مُهم حتى ليكاد أن لا يكون اي متابع للفكر العربي أو الإسلامي لم يسمع به أو طالع أحد أجزائه الخمس على أقل تقدير وأي مكتبة تخلو رفوفها من موسوعة كتاب (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية) تعتبر مكتبة غير متكاملة.

نقرأ في مقدمة الناشر المعنونة (إلى القارئ) والتي تحمل توثيق بيروت 10 آذار 1958م:

(هذا هو النص الكامل للسفر الذي أعدّه الأديب الكبير جورج جرداق عن الإمام علي بن أبي طالب.

... الكتاب... لقي من النجاح ما انقطع نظيره، وأحدث ضجة كبرى إذ تلقته الملايين من القراء بالإعجاب والإكبار، وترجم إلى اللغات الفارسية والهندية والإنكليزية...

أما ما يحتويه هذا السفر من الأبحاث الجديدة في أدب الدراسات العلوية، فقد أشار إليه المؤلف في مقدمته الرائعة... ومنها الأبحاث القيمة التي تستهدف الكشف عن تماسك شخصية الإمام علي. والمقابلة الممتعة بين الإمام علي وسقراط عظيم فلاسفة اليونان، في فلسفة الأخلاق وما إليها. ثم ما يمثله علي من أسباب العدالة الكونية الشاملة القائمة بذاتها. وتتبع معنى (الإنسان)... تمهيداً لتجلية هذا المعنى عند ابن أبي طالب، ولمقابلة بين علي ومفكري العصور في أكثر من جانب إبرازاً لمكانة هذا البطل العربي العظيم....

ونقرأ في (كلمة المؤلف):

للإنسانية تاريخ طويل غريب واحد

أما ما يؤلف طوله فعمر الإنسان القديم تمتد به يد الدهر حتى تصله بأول أيام الأرض، ثم هذا التطور المتثاقل البطيء من مرحلة إلى مرحلة ومن حياة إلى حياة.

وأما ما يؤلف غرابته فأكثر من أن يُساق في مقدمة أو يبحث في كتاب. ولعل أبرز مظاهر هذه الغرابة ما نراه من فترات زمنية عاشتها هذه الجماعة أو تلك من البشر أو هذا الفرد أو ذاك، في قمة من قمم الصعود الإنساني بين منخفضات سحيقة رهيبة من الانحدار، حتى ليرتاب الناظر إلى هذه القمم تحاط بهاتيك المنحدرات، بأن للتاريخ نظاماً حسابياً قاصداً يسير عليه! وإلا فكيف يفسر ارتفاع الأغارقة في عصر من عصور هذا التاريخ واقعٍ بين أعصر شتى من المهاوي المتلاحقة فإذا هم يعبرون عن حقيقتهم خلال هذا الشموخ بعباقرة تصنع أيديهم صور الخير والجمال وتكشف عن وجه الحق وتضع عقولهم أصولاً وقواعد في الفن والعلم والأخلاق وما إليها من شؤون الفكر وشؤون الكيان الإنساني... وإذا بمدينتهم العظمى أثينا تعلو في الأرض...

وإذا كانت هذه هي قصة التاريخ: قصة التطور الشامل ضمن خطوط عامة كبرى فما هو دورنا نحن العرب في نسج حوادثه؟ وما هو عملنا خلال مراحله في خدمة الإنسانية أي في خدمة أنفسنا؟

لقد اسهمنا، بحكم وجودنا... بتاريخ الإنسانية بما فيه من طول وغرابة ووحدة! ولعل إسهامنا في غرابته أظهر وجه في صفحات تاريخنا الخاص. هذه الغرابة التي يمثلها في طور من أطوار تاريخنا شموخ علي بن أبي طالب وشموخ أقران له، بين منحدرات... شموخ في الفكر والقلب خليق بناء أن ننظر إليه كما ننظر إلى كل قمة في تاريخ الإنسانية الواحد.

ونقرأ في (المقدمة) بقلم ميخائيل نعيمة:

لنا في حياة العظماء معين لا ينضب من الخبرة والعبرة والإيمان والأمل. فهم القمم التي نتطلع بشوق إليها ولهفة، والمناورات التي تكشِّح الدياجير من أمام أرجلنا وأبصارنا. وهم الذين يجددون ثقتنا بأنفسنا وبالحياة وأهدافها البعيدة السعيدة. ولولاهم لتولانا القنوط في كفاحنا مع المجهول ولرفعنا الأعلام البيض من زمان وقلنا للموت: نحن اسراك وعبيدك يا موت. فأفعل بنا ما تشاء.

وهذا الكتاب الذي بين يديك خير شاهد على ما أقول، فهو يكرّس لحياة عظيم من عظماء البشرية، أنبتته أرض عربية، ولكنها ما استأثرت به. وفجرّ ينابيع مواهبه الإسلام، ولكنه ما كان للإسلام وحده، وإلا فكيف لحياته الفذة أن تلهب روح كاتب مسيحي في لبنان، وفي العام 1956، فيتصدى لها بالدرس والتمحيص والتحليل، ويتغنى تغني الشاعر المتيم بمفاتنها ومآثرها وبطولاتها؟

وبطولات الإمام ما اقتصرت يوماً على ميادين الحرب. فقد كان بطلاً في صفاء بصيرته، وطهارة وجدانه، وسحر بيانه، وعمق إنسانيته، وحرارة إيمانه، وسمو دعته، ونصرته للمحروم والمظلوم من الحارم والظالم وتعبُّده للحق إينما تجلى له الحق. وهذه البطولات، ومهما تقادم بها العهد لا تزال مقلعاً غنياً نعود إليه اليوم وفي كل يوم كلما اشتد بنا الوجد إلى بناء حياة صالحة، فاضلة.

وثم نقرا من عنوان ((مهد النبوة)):

أرض هي المعجزة بما كانت، وهي المعجزة بما ستكون! فلوات عظيمة الاتساع لو جادها (الغيث ومدها بالخضرة والنضرة والرواء لأطعمت جياع الدنيا وكست عراة العالمين. وفيها من الامتداد ما لا يحده خيال ولا يضبطه تصور. ولكنها بواد ما تزال في أول تكوينها من رمال متعرجة ملتوية تموجت أو تصلبت أو لعبت بها زعازع الريح فهي أرض... من حب الرمال...

أما أنهارها فلا نهر واحداً فيها دائم الجريان. ولكن سيول غزار تجري حين تفيض الأمطار في بعض الأقاليم... فإذا بالقوم يحتالون على بعضها بسدود تحبس المياه ولو إلى حين.

وتحمل طبيعة الصحراء قاطنيها على الغزو فالاقتتال، فالنزاع الدائم هو نظامهم الاجتماعي في الأصل!

وعلى صحارى الجزيرة وداراتها يخيم الضجر القاتل والسأم المر. فمشاهدها واحدة لا تتبدل في انبساط من محيط الرمال على قلة الواحات...

وليس من شأن هذه الطبيعة القاسية، وهذا العيش الرتيب، وهذا الوجود الصعب أن تخلق من أهل الصحراء شعوراً بسعة الكون وشمول الحياة وامتداد قيم الخير مما يلين النفس ويملأ القلب. فمثل هذه الأحاسيس تنبت في الواحات الخضر... ولدى الناعمين بالعيش لا في قلوب ا لناعسين.

شظف من العيش في جحيم من الرمال، في سأم من الحال، في يأس من الغد ماحق! هذه هي جزيرة العرب!

وجود هذا الإنسان في هذه الأرض لا يبغي عليها بديلاً ولا يرضى بغيرها موطناً، وقد حاصرته جباله وبحاره وآفاقه وصحاريه، هو المعجزة التي كانت: معجزة الصحراء قبل ثورة محمد وثورة علي!

معجزة الصحراء بعد محمد وعلي، صاحبي الثورات الاجتماعية الخيرة على بؤس ذلك المحيط وذياك الزمان!.

وكذلك نقرأ ضمن عنوان (النبي وعلي بن أبي طالب) هذا النص لعمر بن الخطاب: ((كنا ننظر إلى علي في ايام النبي كما ننظر إلى النجم)) وبعد ذلك نطلّع على هذه الكلمات:

(وفي البيت الطالبي الواحد تنمو الروح الواحدة بالصدق والصفاء ووحدة النظر إلى الكون والحياة. و تستمر على أصول أعمق وفروع أكثر في علاقة النبي مع ربيبه الطفل، ثم الصبي، ثم الشاب، ابن عمه العظيم علي بن أبي طالب!).

ومما نقرأ تحت عنوان ((الإمام علي وحقوق الإنسان)) ضمن العنوان الفرعي ((التجربة القاسية)):

للإمام علي بن أبي طالب في حقوق الإنسان وغاية المجتمع أصول وآراء تمتد لها في الأرض جذور وتعلو لها فروع. أما العلوم الاجتماعية الحديثة فما كانت إلا لتؤيد معظم هذه الآراء وهذه الأصول...

نضجت في ذهن الإمام القوي، فكرة العدالة الاجتماعية... التي لا بدّ لها أن تنتهي بإزالة الفروق الهائلة بين الطبقات التي يتخم ثريها وأميرها ويضوي فقيرها وصغيرها فكان صوته في معركة العدالة الاجتماعية هذه مدوياً أبداً... ودفاعه عن قيم الإنسان عظيماً أبداً، شديداً لا هوادة فيه ولا لين. كان في حكومته المثل الأعلى للحاكم الواعي لحقوق الإنسان في تلك الحقبة من تاريخ البشر...

وقد أدرك في ضوء عقله الجبار، أن الطبقية المادية في الناس إن هي إلا سبيل لن يؤدي السير فيها إلا إلى غايات منكرة من الجمود في العقل والخبث في النفس، وإلى التعسف والنكاية والفجور في الحكم والمعاملة.

شبكة النبأ المعلوماتية - السبت  10 / ايلول/2005 - 4 / شعبان/1426