وعي المشكلة ومشكلة الوعي

مازن مرسول محمد

قد نبالغ في المغالاة ان قلنا ان العالم يعيش في اطمئنان، فهل خلت الارض من التناقضات والازمات مع هذا الكم الهائل من المشكلات والتي هي حقيقةً مشكلات من صنع البشر نفسه للبشر نفسه.

فاليوم تعج الحياة بالمشكلات المعقدة والتي اثقلت كاهل الانسان الى الحد الذي وصل فيه الى عدم التمييز حتى بين ان تكون تلك مشكلة ام لا.

من البديهي ان للبشر درجاتٍ متفاوتة في الفهم والتفكير والوعي، وازمتنا ان مشكلاتنا تصنف حسب وعي الانسان نفسه بها. فما يشخص كمشكلة عند بعض البشر قد لا يعار له اهمية عند آخرين، وعلى الرغم من رؤية ذلك على قدرٍ من السهولة والبساطة الا ان له خطورةً كبيرةً تخلق تراكمات قد تكون عصيةً على الحل عند مواجهتها للانسان.

لقد لعب الوعي الانساني ودرجة الالمام بالظروف المحيطة بالبشر دوراً متعاظم الاثر في الوعي بالمشكلة وتشخيصها ومحاولة حلها، وبالمقابل فأن تناقص الوعي الانساني العام يقابله تضاؤلاً واضحاً في الاحساس بالمشكلات التي تكون ذات خطورة كبيرة على البشرية، الا ان ذلك لا يمكن ان يكون قاعدةً فليس من الضروري ان كل من يمتلك درجةً من الوعي المتمثل بالادراك التام لاهم ما يعترض الحياة من صعوبات، يمكن له ان يشخص ويعي المشكلة، فهناك مستويات عليا من الوعي غير قادرة او مقصرةً عن قصد في وعي المشكلات الصغيرة التي قد لا يعار لها اهمية، والعكس صحيح.

ان مشكلاتنا التي تم ادراكها من قبلنا، والاخرى التي لم تسعفنا القدرة على ادراكها كثيرة وقد وصلت الى الحد الذي لا نستطيع معه إحصاؤها، ولو قمنا بعدها جميعاً لفقدنا الامل في امكانية حلها لكثرتها وتشعبها.

 فحياتنا حبلى بالمشكلات الظاهرة والمستترة، والتي بالتالي تساهم وبشكلٍ مروع في حياةٍ اكثر تعقيداً ومليئةً بالتدهور.

ان امثلة بسيطة عن المشكلات التي تم وعيها، والاخرى الغائبة عن الذهن،  ممكن ان توضح ذلك، فعلى سبيل المثال ان التفاوتات في العالم من ناحية التقدم والتطور والقدرات الاقتصادية والستراتيجية، قد تعود – مثلاً – الى المعرفة وارتفاع المستوى العلمي، فبالعلم قد تقدمت الشعوب وازدهرت، حيث ان اصحاب الوعي من المستويات العلمية العالية وذوي الادراك الشامل يقدرون ويعوا مشكلة الامية وانخفاض المستوى العلمي، والتي من الممكن ان تحطم الامم، وعليه قد توفر في هذا الفريق طرفي المعادلة وهما الوعي العام والذي ادى بدوره الى وعي هذه المشكلة، وبالمقابل قد نجد هناك من لا يعيروا اهميةً لهذه المسألة، فالامر سيان عندهم من ان يتعلموا او لا، وقد لا يعدوا ذلك نافعاً في شيء، ولربما يعدوه مضيعةً للوقت. فهذا الفريق لم يع خطورة عدم الارتفاع بالمستوى العلمي، مما له من اثر في تخلف المجتمعات، وذلك يعود الى انخفاض مستوى الوعي العام لديهم.

الا ان ذلك لا يمكن ان نحصره على هذه الشاكلة، فقد لا يعِ اصحاب الوعي الشامل ابسط المشكلات، وللتشبيه ممكن ان نذكر آفة الفقر التي نخرت وستنخر الى ان تبيد البشرية.

 فهل وجد حلاً لها، ولنتساءل من صنع هذه الظاهرة ؟ فمن المعروف ان الانسان قد ساهم وبشكلٍ كبير في افقار نفسه من خلال التكديس في الاموال والمصلحية وما الى ذلك، ونعود فنقول الم يع اصحاب الوعي التام خطورة هذه المشكلة، اليست هي واضحة للعيان ولا تحتاج حتى مستويات علمية عالية لتمييزها، فالفقر واضح المعالم وآثاره واسعة ومنتشرة ؟ فالقضية تسير الى ان هؤلاء قد اغفلوا جانباً مما يعوه وهم على علم بالمشكلة، ولكن لا مقدرة لهم على حلها، سواء كان ذلك عن قصد ام لا.

ثم ان حتى البسطاء من اصحاب الوعي المحدود، قد يعوا مشكلاتٍ تفوق مستوى تفكيرهم، فقد نجد ان العديد من عامة الناس يفكرون مثلاً بالامن الاجتماعي، ولو بطريقةً بعيدةً عن المصطلحات المعقدة، محاولةً منهم لتعزيز الحياة بكل جوانبها قدر الامكان.

لذا فما شاهدناه وعلى مر السنين من فوضى حياتية وازمات، ما هو الا اضطراب وتناقضات تعود الى قصورٍ في وعي الانسان، والذي ينعكس بالتالي على مستوى تمييزه لما قد يضره او ينفعه وبدرجاتٍ متفاوتة.

كما اننا في الحقيقة لو دققنا في كل صغيرةً وكبيرةً في مجمل حياتنا لوجدنا انها مليئةً بالمشكلات، وعندها قد نفاجئ بعدم قابليتنا على حل كل هذا الكم الهائل من المشكلات، لذلك فنحن قد نداري على بعض المشكلات ونحاول ان نتكيف معها ولا نعدها مشكلات، ونركز على اخرى ونضعها في خانة المشكلات لاثرها الهائل على حياتنا، ومن ذلك برزت تناقضات وعينا والاحساس وتشخيص مشكلاتنا التي ذهلت النفس البشرية منها.       

شبكة النبأ المعلوماتية - الجمعة 29/ تموز/2005 - 21/ جمادى الأولى/1426