مجتمعنا والعولمة........ الى اين ؟

مازن مرسول  محمد

لعل مرور سنواتٍ طويلة على مجتمعٍ قد عانى وضعٍ شبه منعزل عن العالم، ولا يكاد يعرف أي شيء عن اخبار وتطورات العالم الاخرى، وحتى  وان تمكن من معرفة بعض اخبار وانجازات غيره من الدول بالشيء اليسير المتوفر له وبحكم قدرته على التقاط تلك الاخبار، فهو لا يمكن ان يلمس تلك الانجازات التي تحققت في دولٍ اخرى على ارضه، كل ذلك كفيلٍ بإنجاب أجيال مجتمعية تعاني أمية في اشياء كثيرة ان لم نقل في جميعها.

لقد دخل العالم الألفية الثالثة وهو يجر معه منجزات كانت شبه مستحيلة في العقود الماضية، في حين انقطع مجتمعنا في الألفية الثانية وبعقودها الثلاثة الأخيرة عن عطاء التقدم والتطور ومحاولة اللحاق بركب الحضارات المتقدمة الاخرى.

فكيف يستقبل موجة جديدة من التقدم وهو يعاني انفراطٍ في العديد من حلقات مسيرته نحو التطور والازدهار ؟

ان مجتمعنا نتيجة حالة التغييب التي خضع لها وعدم مسايرته لروح العصر الجديد، قد فوجئ حقيقةً واصبح في حالة من الذهول وحيرةٍ من الامر عند سماع مصطلحات جديدة اخذت تفرض نفسها في حياة كثير من الدول.

فهل اصطلاح العولمة ومكنوناته معروفاً لدى المجتمع العراقي ؟ قد يذهب البعض الى ان هذه اللفظة قديمة وعرفت ماهيتها واهدافها واستراتيجيتها، ولكن من هذا الذي يعرفها، هل ان عامة المجتمع يعرفها، ام الناس البسطاء ؟                                                                

قد يكون من يعرفها انسان اكاديمي، كأن يكون استاذ او طالب او باحث او أي شخص آخر موظف،كاتب، او محلل  او فنان وبعض من الناس البسطاء، وحتى هؤلاء ليس جميعهم من هو متنورٍ بمعرفة معنى هذه اللفظة وما ترمي اليه.                                                   

ليس الغرض من ذلك هو ان نقيس ما نسبة من يعرفون العولمة ونسبة من لا يعرفوا  عنها أي شيء، ولكن ما نريد قوله، لماذا لم يعرف اغلبية مجتمعنا العولمة منذ ان دخلت باساليبها المختلفة، لماذا لم يعرفوها مثلما يعرفوا انواع المأكولات المتداولة بينهم، كجهاز التلفزيون والراديو، لماذا لا يعرفوا ماذا تريد كما يعرف بعضهم البعض الآخر،لماذا لا يعرفوها من اجل التحكم بها ؟                                                    

ان العديد من مثقفينا ولحد الآن يرى العولمة من جانب سلبي، ويعدها اداة الغرب لاكتساح العرب وطمس معالم هوياتهم، في حين انها تتفاوت بين الايجاب والسلب تبعاً لاستقبال الانسا ن لها وكيفية استخدامها لصالحه.    

فما بال الانسان البسيط الذي طوقه كدح العيش وجعله لا يعرف سوى كيف يعيش، هل يعي انها نافعة ام ضارة وهو في الحقيقة لا يعرفها ما هي، فكيف يحترز منها، وكيف سيجعلها تخدمه ؟                              

لقد اصبحت صور العولمة حالياً تتجلى بشكلٍ واضح من خلال آلياتها المختلفة المتمثلة بهجوم الصحون الفضائية الواسع، الذي اصبح يغزو كل بيت تقريباً، وموجة الحواسيب الهائلة وشبكات الانترنيت الواسعة. فيا ويلنا من آثار هذه الآليات السلبية ان لم نحسن استخدامها لصالحنا. ان لسان حالنا يشير الى اننا قد دخلنا في غيبوبة ونهضنا منها فوجدنا ان كل شيء قد تغير من حولنا، فهل سنندمج مع ما نراه مباشرةً، ام سيستغرق ذلك منا وقتاً للاندماج للتمكن من بناء اسس نستند عليها للتحكم بما هو قادم علينا ؟                                                                    

ان مقارنةً بسيطة بين مجتمعنا وبعض المجتمعات العربية الاخرى، تبين ان نسبة كبيرة من اطفال وشباب وبالغي هذه المجتمعات لهم علم ودراية وخبرة بكيفية استخدام الحواسيب والانترنيت وبقطاعات واسعة، في حين ان هناك نسبة قليلة في مجتمعنا تعرف كيف تفك رموز هذه الاليات وكيف تسخرها لخدمتها، والنسبة الباقية تعاني امية معلوماتية هائلة.                     

فمن اين تاتي الخبرة والتدريب لمثل هؤلاء وهم لا يعرفوا ما هي هذه الاليات وما الذي يسمى بالمعلوماتية وماهي العولمة نتيجة جعلهم قابعين في قيعان العزلة والابتعاد عن كل ما هو حديث ؟                             

ان الكلام عن مثل هذه المصطلحات امام هذه النسبة الكادحة من المجتمع ما هو الا ضرب من الخيال، وهو بعيد كل البعد عن المساس بوضعهم الحالي.                                                                   

لعل من الامور الخطيرة جداً هو ان لا يعرف الانسان ماذا يفد إليه من الخارج، وعندما لا يستطيع تحديد ما يأتيه من الخارج بالتالي لا يتمكن من وضع الاسس الصحيحة لمواجهة اخطار ما يعد له.                       

لقد اكتملت العولمة اليوم بجوانبها المتعددة في مجتمعنا. فبعد ان كانت قاصرة على بعض المواد الاعلامية والمواد الاستهلاكية والموديلات، اصبحت الان اكثر وضوحاً بازدياد غزارة هذه المواد الاعلامية عن طريق الستلايت والحواسيب والإنترنيت وكثرة تدفق البضائع والملابس والمأكولات المتنوعة ذات الماركات العالمية المختلفة، والاكثر من ذلك ما يحدث الآن من ثورة للدولار الذي بات عاماً ومرغوباً به اكثر من العملة الوطنية.    

فكيف لنا حماية انفسنا من ذلك ؟ ان علينا بناء قاعدة معرفية تتمثل بمخاطبة الانسان العراقي بكل تطورات العصر من اجل الاحاطة كلياً بها وتحديد القواعد الاساسية للتعامل معها، وعلى الرغم من ان ذلك يحتاج قابليات وجهود وفترة ليست بالقصيرة، ولكن ان تمكنا من ذلك سنكون قد عبرنا الى ضفة الامان وابتعدنا عن ما يسمى بدائرة الخطر، وبذلك نكون قد فهمنا العولمة وغيرها واعددنا لها العدة.

شبكة النبأ المعلوماتية - السبت 16/ تموز/2005 - 8/ جمادى الأولى/1426