بريطانيا والسلفيون طلاق بائن

اسعد راشد

تفجيرات لندن الارهابية  قد تقلب موازين سياسية  على مستوى  علاقة العالم الغربي بالانظمة العربية التقليدية التي كانت تعتبر نفسها دائما  "حليفا" للغرب وخاصة  "بريطانيا العظمى" التي قامت على اكتافها  "الدولة العربية" الحديثة واحتضنت النظام العربي الرسمي.. قد تكون لتداعيات تفجيرات لندن على العلاقة العربية السنية ـ الغربية وخاصة البريطانية اكثر تاثيرا من تلك التي حدثت في امريكا في 11 سبتمر الاسود على ايدي جماعات مارقة‘ والسبب واضح وهو ان بريطانيا كانت وحتى قبل التفجيرات الاخيرة تعتقد ان  "السنّة" هم الاوفر حظا لتولي السلطة في كل بلد عربي  حتى وان كانوا يشكلون  "الاقلية" مثل البحرين والعراق وحتى لبنان ‘ هذا الامر تبين من خلال نشر وثيقة تم تسريبها مؤخرا تتحدث عن خطة بريطانية  كانت معدة قبل حرب تحرير العراق بضرورة ان يكون للسنَة في العراق الدور المركزي وتعطى لهم الحصة الاكبر في قيادة العملية السياسية ‘ الا ان الامريكيين الذين اكتشفوا مبكرا الخطر  "السلفي" بعد احداث 11 سبتمر توصلوا الى قناعة مختلفة خالفت الموقف البريطاني وقد اثبتت الاحداث صحة تلك القناعة ..

واليوم وبعد احداث يوم الخميس الاسود والتي اظهرت تورط الجماعات السنية فيها من خلال استهدافهم مواطنين بريطانيين وتعرضهم للامن الداخلي البريطاني  بدات دوائر استخباراتية واكاديمية وسياسية في بريطانيا بمراجعة شاملة  وجدية لملفات العلاقة البريطانية ـ العربية السنية والتي بنيت في السابق  وفقا لمنظور غير "كوني" وضمن اطار  "المصالح الاستعمارية" دون النظر الى ابعادها الاستراتيجية العقدية والفكرية والسياسية  ودون النظر الى مكامن الخطر في  تلك العلاقة "الحصرية" والتي ساهم في صياغتها بعض الاطراف البريطانية المرتبطة بعلاقات مافوية او مصلحية مع زعماء وحكام العرب  قد نجد نماذج لها  وحتى قبل

احداث الخميس الاسود في لندن كانت تدعوا الى استمرار مثل تلك العلاقة المشبوهة من امثال  "جورج غلوي الذي يمثل امتدادا لديناصوريات  البريطانيين المهووسين بالنظم العربية  وضرورة  توليها قيادة المنطقة .. الا ان الاحداث الاخيرة وحسب اعتقاد الكثير من المراقبين والباحثين الاستراتيجيين سوف تحدث انقلابا جذريا في  الموقف البريطاني تجاه عموم  "سنّة" العالم وخاصة  العرب ونظمهم السياسية التي ساهمت في بروز  "الاصولية السنية"  المتطرفة  وارفدت العالم بجماعات ارهابية لا تعرف الرأفة ولا الشفقة  مهووسة فقط بالدماء ومناظر الاشلاء والرؤوس المقطعة ..

صحيح ان البريطانيين اضطروا من اجل امتصاص  استياء الرأي العالم داخل بريطانيا ان يعلنوا بوجود خطة انسحاب من العراق بنهاية 2006  من خلال تسريب وثيقة متعمدة حول ذلك  تتحدث عن نية امريكا وبريطاينا سحب 100الف جندي من العراق الا ان الصحيح ايضا ان البريطانيين ليسوا مستعدين ان يضحوا مجددا بامنهم القومي وبمصالح حلفاءهم من اجل  "موروث" تركه العهد الاستعماري الظالم  اعطى  "حصرية" في الحكم والقيادة والعملية السياسية في الشرق الاوسط  "للسنّة" وحدهم .. لذلك نجد اليوم ان الانطباع الغربي بشكل عام قد تغير ولعل دخول فرنسا على خط لبنان مجددا والحديث الذي اظهره شيراك بضرورة اعطاء دور رئيسي  لشيعة لبنان في العملية السياسية  وخروج البحرانيون الشيعة في مظاهرات استنكار امام السفارة البريطانية واشعال الشموع تضامنا مع ضحايا الارهاب السلفي يمثل احد معالم ذلك التغير يتوقع ان تلعب بريطانيا دورا بارزا فيه  ..

شبكة النبأ المعلوماتية - االاربعاء 13/ تموز/2005 - 5/ جمادى الأولى/1426