نحو دستور نموذجي للعراق الجديد

ناصر الأسدي

تمهيد:

من المؤكد والثابت لدى الأوساط العلمية الإسلامية أن أنظمة الشريعة تتميز بما يلي:

1ـ الديمومة والتواصل: إذ هي ثابتة ومستمرة وليست محبوسة في إطار زمن معين، وقد ورد في الحديث الشريف:(حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة). فالأحكام الإسلامية الدستورية مثل:(حرمة الربا والاحتكار) كالأحكام العبادية مثل:(وجوب الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت الحرام).. فكما أن العبادات والأخلاق مثل:(حسن العدل وقبح الظلم) لها صفة الدوام والاستمرارية، كذلك المواد الدستورية والقانونية تتصف بذات الصفة.

2ـ الشمول والسعة:حيث أن أحكام الشريعة ودساتيرها تناولت كل جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.. وعالجت مختلف الأمور، ورد في الكتاب العزيز:(وما من رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)، وورد في الحديث الشريف:(ما من قضية إلا ولله فيها حكم).

والمجاميع الفقهية الإسلامية تناولت عشرات الآلاف من الأحكام الدستورية والقانونية في مختلف أبواب: الاقتصاد والإعمار والمواريث والغرامات والأوقاف والنكاح والطلاق وغيرها..

(موسوعة الفقه التي تحتوي على حوالي مئة وستين مجلداً تتضمن أكثر من نصف مليون قانون ودستور، بما في ذلك قوانين المرور والحقوق والحريات والبيئة والإعلام والاقتصاد والسياسة والاجتماع وفقه السلم والسلام وغيرها..).

3ـ وتتصف المواد التشريعية الإسلامية بالمرونة التي تؤهلها للتطبيق في كل مكان حيث أن لها القدرة الفائقة للتطبيق في المجتمع البدائي والمتحضر والشرقي والغربي وفي كل رقعة من الأرض، حيث أنها مواد إنسانية تتصل بفطرة الإنسان ومصالحه وأهدافه في الحياة، فهي لكل إنسان ومجتمع ولكل زمان ومكان.

4ـ أما المشرع الذي أسسها فهو خالق البشر المطلع بصورة شاملة بطبايعه وتركيبته البيولوجية والنفسية ومصيره النهائي، فهو الأدرى والأعرف بما يحتاجه الإنسان من قوانين ودساتير ومناهج وعرفان الخالق بذلك عرفان واقعي ودقيق ومتكامل، لذلك فإنه يضع القانون الذي يتطابق مع واقع الإنسان وطموحاته لا يحيد عن ذلك قيد شعرة، كالمفتاح الذي تتطابق أسنانه مع القفل فيفتح الباب.

ولقد وردت في نصوص كثيرة مضامين تشير إلى هذا المعنى فيقول جل وعلى:(إن هذا القرآن) وهو كتاب التشريع الإسلامي وعليه بنيت حضارة الإسلام الإنسانية الرائعة (يهدي للتي هي أقوم) ويقول في الحديث القدسي:(عبدي خلقتك لتربح علي لا لأربح عليك). ويقول:(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون).

فالتشريع الإسلامي متقن غاية الإتقان باعتباره متطابقاً بدقة مع أهداف الإنسانية وطموحات الأمم.

هذه بعض مواصفات القانون الإسلامي بصورة سريعة وعاجلة..

والسؤال المطروح هنا: ما هو الدستور من وجهة النظر الإسلامية؟

الجواب:إنه كتاب الله العزيز:

حيث أن التشريع حق خاص لله تعالى دون غيره، قال تعالى:(إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه). ومن بعده تعالى يأتي دور الأنبياء والأئمة المعصومين ليوضحوا ويبينوا ويملأوا الفراغات ويفرعوا على الدساتير الأساسية، ولا يقومون بذلك إلا بإذن الله تعالى وفي إطار التشريع الرباني لا من منطلقات المصالح الشخصية والأهواء يقول الله تعالى حول خاتم الأنبياء محمد (ص) فيما لو شرع قانوناً من عند نفسه:(ولو تَقَوَّلَ علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين). مما يؤكد أن النبي (ص) وهو أشرف الكائنات وسيد الأنبياء والمرسلين ليس له قيد شعرة أن يحيد عن التشريع الرباني وإلا فإنه (ص) محكوم من الرب الجليل بالإعدام وقطع الوتين فالتشريع حق لله فقط، والبشر عباده المطيعون له والمنفذون لتشريعاته وأحكامه.

*الدستور النموذجي للعراق الجديد:

نحن ومعنا كل التيار الإسلامي في العالم نرى أن الدستور النموذجي للعراق الجديد وكل الوطن الإسلامي الكبير هو ذلك الدستور الذي يستنبط من مصادر التشريع الإسلامي وهي:(الكتاب والسنة والإجماع والعقل).

والدستور الذي يطمح إليه كل جماهير الشعب العراقي النبيل هو ذلك الدستور العصري والمتطور والمعتمد على دينه الإسلامي الحنيف الذي يمتلك القدرة الهائلة للنهوض بهذا الشعب وإنقاذه من المحنة والبلوغ به إلى مصاف الأمم المتقدمة، بل لكي يصبح العراق بلداً نموذجياً يحتذي به العالم كله.

والسؤال الآن: ما هي المواد التي يمكن أن يتضمنها الدستور القادم للعراق الجديد والتي تقوم على وجهة نظر إسلامية؟

الجواب: الواقع إن ذلك بحاجة إلى دراسة فقهية قانونية مستوعبة لكي يكون الجواب متكاملاً ودقيقاً وعملياً..  وإننا هنا لا يسعنا إلا الإشارة العابرة إلى مواد دستورية وقانونية نعتبرها ذات أهمية في صياغة الدستور وإنما نطرحها لغرض المناقشة والبحث لأهميتها في بناء العراق الجديد حسب تصورنا:

1: مسؤولية الدولة:

*مسؤولية الدولة هي:

أ ـ (الإشراف): وليس التنفيذ، وهذا معناه أن المؤسسات الأهلية لا المؤسسات الحكومية هي الأصل في إدارة شؤون الشعب..

فالماء والكهرباء والمواصلات البرية والبحرية والجوية والاتصالات والإسكان والتجارة والإعلام والتربية والتعليم والصحة والإعمار والمؤسسات النفطية والزراعة والري والبريد والبلديات وكل شيء غيرها إنما تنفذها شركات ومؤسسات وأفراد من الشعب تحت إشراف حكومي وقانوني كي لا تتجاوز حدودها وتهضم حقوق بعض الناس.

وهذا معناه حدوث ثورة عملاقة في الإدارة وتفجير طاقات الشعب وإثارة حالة التنافس الإيجابي وإنقاذ الدولة من البيروقراطية والتعقيد وكثرة الدوائر ومئات الآلاف من الموظفين الذين سينخرطون في مؤسسات أهلية ويعملون حسب كفاءاتهم وينالون حقوقهم كاملة تحت إشراف لدولة.

*فمسؤولية الدولة: الإشراف لا التنفيذ.

ب ـ ومسؤوليتها ثانياً هي (الإسناد) لكل المؤسسات التعليمية والتربوية والصحية والغذائية والزراعية والإنسانية، الإسناد بكلا شقيه المعنوي والمادى إذ أنها تستطيع أن تدعمها قانونياً وأن تعين لها مخصصات ضمن ضوابط محددة لتقويتها وإنجاحها، وهذا ما تنفذه بعض دول الغرب، أما دولنا فتعمل العكس في كثير من الأحيان.

فتشجيع وإسناد آلاف المؤسسات يعني حدوث قفزة إلى الأمام.

ج ـ ومسؤوليتها ثالثاً توفير الأمن والحماية الأرواح الشعب وممتلكاته وتاريخه وحضارته وهذا أيضاً يلزم أن يعتمد على نفس الشعب بتثقيفه أمنياً وإقناعه للتعاون مع المؤسسات الأمنية بالاعتماد الكبير على عنصر (الكتمان) والسرية المطلقة لئلا يكتشف العدو أحداً من المتعاونين وفي هذا المضمار تستطيع الدولة أن تعتمد على شركات أمنية ومعلوماتية ودراساتية أهلية وبذلك نوفر جهداً إدارياً كبيراً للدولة.

د ـ وعليها رابعاً (تأميم القضاء):

إن القضاء وفصل الخصومات بين أبناء الشعب إنما هو مسؤولية مشتركة بين الأكفاء من الشعب والحكومة، وليس خاصاً بالحكومة، فعلماء الدين وأساتذة الجامعات وأمثالهم يستطيعون أداء دور أكبر من دور السلطة القضائية، إلا أن ذلك مشروط بالكفاءة مضافاً إلى اتفاق المدعي والمدعى عليه على (القاضي) وهذا ما يطلق عليه في القانون الإسلامي بـ (قاضي التحكيم) وعلى الدولة الاعتراف به وبالنتائج التي يتوصل إليها في حكمه بين الطرفين المتنازعين.

وهذا هو العلاج العلمي والواقعي لحل آلاف القضايا القضائية التي تعاني منها الحكومات في كل بلادنا الإسلامية، والتي يستغرق البت فيها أحياناً أكثر من عشر سنوات وعلى الدولة سد الفراغ القضائي، فلو لم تفِ هذه المحاكم الأهلية بالغرض كاملاً تتحمل الدولة ما تبقى منها وتملأ الفراغ.

هذه البنود الأربعة مطروحة للنقاش وإنها حسب نظرنا متطابقة أو متناغمة مع النظرية الإسلامية في إدارة شؤون دولة وطنية وتقدمية وطموحة.

2: الأرض:

إن الأصل المعتمد في كل العالم هو أن الأراضي للحكومات وتحت تصرف وزارة البلديات..

ولنا على هذا الأصل كلام متشعب وطويل نوجز بعض لمحاته هنا.. ونرجو أن ينال هذا الرأي عناية لجنة صياغة الدستور الموقرة.

يبدأ هذا الكلام من أن ملكية الدولة للأراضي أمر غير شرعي ولا قانوني، حيث أن وسائل التمليك طرق منحصرة في أمور معينة منها الشراء والهبة والإرث والمعاوضة والإحياء وما شابهها، والدولة لم تملك الأراضي عبر تلك الوسائل والطرق ولا عبر أية وسيلة شرعية ولا قانونية أخرى غيرها بل بالاعتباط ودون أي دليل عقلي أو شرعي ولمجرد تقليد الدساتير الغربية أو فرض الأنظمة العميلة ، لغرض بقاء حالة التخلف مستحكمة على بلادنا.

إذن لمن هذه الأراضي الشاسعة في العراق وغيره؟

الجواب قوله تعالى:(والأرض وضعها للأنام)، أي جماهير الأمة وهي المالك الشرعي بصورة مشاعة لأراضي بلادها وقال رسول الله (ص):(الأرض لله ولمن عمرها).وقال:(من أحيى أرضاً ميتة فهي له).

وتثبيت هذا البند (الأرض للشعب وليست للدولة) يحرر الشعب من الهيمنة السلطوية ويطلق طاقاته الهائلة في سبيل الإعمار والزراعة والتقدم وحل الكثير من أزمات السكن والبطالة والفقر (العراق بحاجة إلى أكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية ـ حسب تصريح لوزير الإسكان ـ والوزارة تبذل كل ما لديها من جهود وطاقات لتوفير مئة ألف وحدة سكنية فقط!!).

وملكية الشعب للأرض تعني أن كل فرد من أبناء هذا الشعب له أن يزرع أو يعمر ما شاء حتى في سبيل الأغراض الشخصية المحضة، فإنها بالتالي تصب في مصب النفع للشعب أي: الإعمار والزراعة فكم من أبناء هذا الشعب الفقير المكافح سيملك القدرة على زراعة فدانات عديدة وكم منهم سينطلق في إحياء وإعمار قطع من الأراضي العامة لبناء مسكن أو عمارة أو متجر أو كراج أو سوق أو وحدات تجارية ومصانع وشركات وملاعب وأسواق ومخازن أو أي شيء آخر، والسؤال الآن هل يبقى بعد ذلك عراقي لا يملك قطعة أو قطعات من الأرض؟

ونتيجة الكلام: لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يبقى عراقي واحد بلا سكن أو بلا محل تجاري أو بلا أرض زراعية وتجارية وسكنية.. فأراضي العراق كلها للشعب بصورة مشاعة، وتنفك المشاعية فيما لو بادر أحدهم بالاستنفاع منها فتكون له خاصة.. وأي منع له من الحكومة أو غيرها يعتبره متجاوزاً على حق هذا المواطن وعلى الدولة ممارسة مسؤوليتها في الإشراف والتنظيم وفض النزاعات إن حدثت وتنظم هذه الحركة الشعبية العملاقة (حركة تعمير الأراضي العاطلة) في إطار قوانين الشريعة السهلة السمحاء.

3: حق الأكثرية:

إن نظام الأكثرية مطابق للشرع (باستثناء ما ورد فيه نص أو دليل خاص) ومطابق للعقل وللأنظمة الديمقراطية في العالم.

فالأكثرية من الشعب لها الحق في اشغال المناصب الأساسية في السلطة اعتماداً على الكفاءات المنتمية إلى الأكثرية مع حفظ حقوق الأقليات كاملة ووافية.

والأكثرية البرلمانية لها الحق في تشكيل الحكومة والأكثرية في كل لجنة واجتماع تشريعي أو تنفيذي هي المعتمدة..

ونقض هذه الأكثرية تحت أي شعار وعنوان يؤدي إلى المزيد من التعقيد والاستبداد والبعد عن قواعد الديمقراطية.

وما جاء في (قانون إدارة الدولة الموقت) من رفض الأكثرية، بفرض قيد (الثلثين) أو ثلاثة أرباع أو الاجماع أو ما شابه ذلك كلها معناها الاستبداد والتجاوز على الديمقراطية والتعقيد والوقوع في مطبات التوافقية الصعبة وما شابه ذلك.

وإلغاء آراء ثلثين من ثلاثة محافظات لآراء أكثرية الشعب (كما في المادة 62 من قانون إدارة الدولة الموقت) استبداد واضح أوضح من الشمس، وتجاوز بشع على مبادئ الديمقراطية.

فالأكثرية من الشعب بمعنى (50+1) هي المعتمدة والأكثرية من الآراء في الجمعية الوطنية وغيرها من المجالس الرئاسية والوزارية هي المعتمدة أيضاً وخلاف ذلك خلاف صريح لقوله تعالى:(وأمرهم شورى بينهم) الذي يؤكد بالملازمة اعتبار واحترام الأكثرية بعد البحث والتحقيق والمشاورة.

4: الموارد العامة: النفط نموذجاً:

إن النفط والمعادن الأخرى حكمها حكم (الأرض) التي سبق الحديث عنها.. أي إنها هبة ربانية للشعب وليست للدولة ونحن نرى لزوم الحرص على هذه الثروات الطائلة وللدولة باعتبارها وكيلة الشعب الاستفادة من هذه الثروة لإدارة مؤسساتها، ويلزم السعي لتوزيع الباقي نقداً على أبناء الشعب، والأولوية في إدارة هذه الثروات هي للشعب وليست لمؤسسات الدولة ويلزم تقليل نسبة الموظفين ودرجهم في المؤسسات الأهلية لغرض توفير أموال النفط والموارد الأخرى للشعب وعدم التصرف فيها بشراء البضائع مثلاً وتوزيعها بصورة غير متوازنة على الشعب..

وفي سبيل المثال: إن صرف أكثر من أربع مليارات دولار لتوفير الوجبة الغذائية أمر مثقل لكاهل الدولة والشعب، فإن هذا المبلغ الكبير لو كان يوزع على الشعب نقداً لكن أكثر نفعاً له وكان يولد حركة تجارية للاستيراد والتوزيع ويشغل كثيراً من العاطلين ويوزع البضائع وفق الحاجات لا أن يعطى الفرد الواحد شهرياً مثلاً خمسة أقراص من الصابون وهو لا يستهلك إلا ثلاثة منها فقط وهذا ما نشاهده واضحاً جداً، ومعناه هدر خمسين مليون قرصاً من الصابون الذي وزع على خمسة وعشرين مليون عراقي.

عموماً يلزم توفير المواد النفطية للشعب من دون مقابل، ويلزم توزيع أموال النفط على الشعب نقداً بعد أن تأخذ الدولة منه نسبة قليلة لضروراتها الأساسية فقط..

5: إلغاء الضرائب:

إن الضرائب في بلادنا تتلقى من المواطن كابتزاز وتجاوز على حقه وغصب لماله ظلماً وعدواناً.

وهذا التقييم من المواطن صحيح نسبياً، لأن الحكومات تستأثر بأموال الناس ويعشعش في مفاصلها الفساد الإداري والبيروقراطية هذا أولاً، وثانياً: إن الضرائب لو فرضت لصالح الشعب يلزم أن يتبين هدفها وفي سبيل أي مصلحة تستوفى؟.. خصوصاً في بلد ثري مثل العراق ولشعب أكثره كادح وفقير كشعب العراق..

النظام البائد كان يثقل كاهل الشعب بكثير من الضرائب الابتزازية كضريبة السفر مثلاً (أربع مائة ألف دينار)، وضريبة إصدار وثيقة السفر.. وهي الآن (خمسة وعشرون ألف دينار) إنه ابتزاز وظلم وسرقة ملبسة بثوب القانون خصوصاً من الفقير الذي بذل جهوداً كبيراً لتنفيذ سفرة واحدة.

والمقترح إلغاء الضرائب إلا ما كان مقابل خدمة معينة وواضحة كالماء والكهرباء وتبليط الشارع وما شابه ذلك وهذه تستوفى من الأغنياء لا عموم الشعب الكادح، أما غيرها فيلزم إلغاؤه، وأما احتياجات الدولة فتسد من الموارد العامة كالنفط وهذا القانون (إلغاء الضرائب) إنجاز إنساني كبير في صياغة الدستور الجديد للعراق.

6: الضمان الاجتماعي الشامل:

إن أكثرية الشعب العراقي بكل مكوناته تعاني من الكثير من الأزمان الإنسانية والاقتصادية، ويظل المواطن العادي يعاني منها طوال مراحل عمره.. وعلى سبيل المثال لا الحصر نتساءل من الذي يضمن للمديون دفع ديونه التي استلفها لبناء دار أو تأسيس محل أو معالجة مرض مزمن أو الزواج أو غير ذلك؟؟

إن الدستور الإسلامي يلزم الدولة بدفع ديون هؤلاء، ولقد ذكرهم ربنا صريحاً في سورة التوبة المباركة، آية (60) حيث قال:(والغارمين) أي أن الصدقات (وهي موارد الدولة) تصرف لدفع ديون الغارمين.. وقال رسول الله (ص):(أيها الناس من مات وترك مالاً فلورثته، ومن مات وترك ديناً وعيالاً فعلي وإلي).

فقضاء دين المديون من مسؤولية الدولة ومعالجة المرضى (بمن فيهم المضطرون للسفر إلى الخارج) من مسؤولية الدولة، ورعاية الأيتام والأرامل، وإدارة شؤون المعوقين والمجانين والطاعنين في السن والعاطلين عن العمل، والفاقدين للسكن، والشباب المحتاجين إلى الزواج أو إلى واسطة نقل وتعويض المتضررين الحوادث التخريبية وحوادث السير والكوارث الطبيعية والمسروق منهم أموالهم والفاقد لمؤونته المعبر عنه في القانون الإسلامي بإبن السبيل وأمثالهم هؤلاء كلهم رعايا الدولة فإن لم تعالج الأمة بطرقها الشعبية أو النظامية مشكلتهم يلزم على الدولة ضمان خسائرهم وقضاء حوائجهم وتعيين مخصصات لهم وحتى لو لم تتمكن الدولة على ضمانهم يلزم مساعدتهم وإسنادهم بإسقاط بعض الضرائب مثلاً، أو إضافة رواتبهم أو غير ذلك من آليات..

وطبعاً من الضمان الاجتماعي خدمات الدفاع المدني ودفع خسائر الحرائق والتفجيرات والفيضانات وغيرها من الكوارث، فكل ما يخسره الشعب يلزم الدولة ضمانه دون قيد أو شرط.

وطبعاً من آليات ذلك توفير مقادير من المال لدفع السلف والقروض لأصحاب الحاجات المختلفة، والجدير بالذكر إن أمثال ذلك مضمون في نظرية الشريعة الإسلامية، ويمكن لوزارة حقوق الإنسان والمالية الإشراف على ذلك وتنظيمه.

7: الاكتفاء الذاتي:

إن العراق بلد ثري وحضاري ويمتلك مقومات نهوض شامل، وإن الحالة السيئة التي نشاهدها اليوم وفي السابق من الاعتماد الكبير والأساسي على البضائع الخارجية، إن هذه الحالة تعني أن هذا الوطن يرزخ في قيود الأسر الاقتصادي حيث أن الحاجة إلى الغير تبعية وعبودية قال أمير المؤمنين (عليه السلام):(أحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره وأحسن إلى من شئت تكون أميره).

إن العراق يلزم أن يخطط له ليكون كاليابان في خطة عشرية أو عشرينية أو ما شابه وإن الاعتماد الكبير على البضاعة المستوردة تعني تضعيف البضاعة الوطنية، ويلزم التخطيط الجدي لإنتاج كل شيء بما في ذلك الأجهزة الدقيقة والألكترونية فضلاً عن الأغذية والمواد الإنشائية والأساسية الضرورية.

ويقترح تأسيس وزارة المستقبل والاكتفاء الذاتي وهذه الوزارة تلتزم التطوير في كل شيء مضافاً إلى التخطيط والمتابعة الإشرافية للاكتفاء في مختلف المجالات.

كما يمكن التخطيط للخصخصة في مختلف المؤسسات الحكومية لتكتفي وتعتمد على ذاتها.

8: انتخاب رئيس الوزراء:

إن ديمقراطيات العالم كلها أن اعتمدت النظام الرئاسي، فيجري فيما انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب كما في النموذج الأمريكي، وإن اعتمدت النظام الوزاري فيلزم انتخاب رئيس الوزراء كما في النموذج الياباني.. أما أن لا ينتخب أي واحد منهما فهذه بدعة جديدة ومرفوضة، والمقترح انتخاب رئيس الوزراء شعبياً لينطلق مطلق اليدين مدعوماً من أكثرية الشعب لتأليف حكومة قانونية وشرعية وثابة وفاعلة.

9: الحوزات العلمية:

الحوزات العلمية عبارة عن مجمعات كبيرة تتألف من المعاهد العلمية الدينية والثقافية، وقديماً كانت ملتزمة بالعلوم الزمنية كالطب والرياضيات ومع تقادم الزمن وتأسيس جامعات وكليات اختصاصية عكفت الحوزات على تعميق وتطوير العلوم الإنسانية الإسلامية كعلم الكلام والأصول والقانون الإسلامي (الفقه) والأدبيات والمنطق والحديث والفلسفة وغيرها..

إلا أن هذه الحوزات العظيمة الضاربة في عمق حوالي ألف ومئتي عام والتي أخرجت أعاظم الفقهاء كالشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر وقائد ثورة العشرين والمجدد الثاني (الإمام الشيرازي) والحكيم والخوئي والمفكر الفذ الشهيد الصدر والصدر الثاني وغيرهم كثيرون (رحمهم الله جميعاً).

هذه الحوزات التي هي مراكز علم وأدب وخدمة الشعب بمختلف الأساليب والأشكال لا زالت في العراق غير معترف بها رسمياً وهذا من أبرز مظاهر التخلف الحضاري للحكومات الملكية والجمهورية المستبدة التي حكمت العراق بعيد ثورة العشرين إلى يومنا هذا.

والمقترح التعامل معها كالجامعات ورعايتها والاعتراف بها وحصانتها قانونياً والتعاون معها فإنها ثروة علمية إنسانية كبرى ومراكز إشعاع أخلاقي وفلسفي وأدبي وتربوي.

10: قانون الجنسية:

كل من ولد في هذا الوطن يعتبر ابناً له ويستحق الهوية العراقية، وكل من ولد من أب عراقي أو من أم عراقية يستحق الهوية أيضاً ويطلق عليه عراقي، وكذا من عاش في أحضانه وأخلص له، وبالخصوص أصحاب الكفاءات إنه يستحق الهوية العراقية كإنسان أولاً وكإبن بار للوطن ثانياً.

من جهة أخرى: ليس من حق أية سلطة إسقاط هذه الهوية والمواطنة كما وإن أي تعقيد أو تصنيف أو إضافة وثائق أخرى كالبدعة الإستعمارية القبيحة في استحداث القانون شهادة الجنسية (التي لا توجد في أي بقعة من العالم) وتصنيف الوثائق إلى أ ـ وب ـ وج ـ ود، إنما هي قوانين استعمارية الغرض الواقعي منها تكبيل الشعب وتعويق انطلاقته وتأسيره ولا يؤيد ذلك أي حكم شرعي أو عقلي، بل هي محرمات شرعية قطعية، وبلاد العالم المتمدن تجلب الكفاءات وتجنسها وتحامي عنها وتستثمر طاقاتها والعراق يصادر حق أبنائه وعلمائه الذين استوطنوه منذ مئتي عام وشاركوا في ثوراته وانتفاضاته التحريرية وكافحوا أعداءه وأخلصوا له الوطنية، كالعديد من الفقهاء ومراجع الدين العظام يا له من تخلف طائفي استعماري بغيض.

11: الحريات الواسعة:

إن الشعب الحر هو الذي يستطيع الانطلاق باتجاه قمة التقدم والحضارة، والشعب المكبل يعيش دوماً في قوس النزول كما كنا في عهد النظام البائد، والحريات الواسعة في كل شيء وعلى كل صعيد، وبحماية وتشجيع من مؤسسات الدولة كفيلة بتحقيق نهضة كبرى في العراق.

والحريات الواسعة تبدأ من حرية العمل والسكن والسفر والتجارة والإقامة والصيد والزراعة وتنتهي بالحق في العمل السياسي وتسنم الرئاسة والقيادة، ومروراً بالحرية في تأسيس الشركات العملاقة والصناعات الثقيلة ومحطات البث الإذاعي والتلفزوني وإحياء أكبر حجم ومساحة من أراضي الوطن غير المملوكة لأحد وتصنيع الطائرات والسفن والقاطرات، وتأسيس الجامعات والحوزات والأحزاب والجمعيات وكل مؤسسة علمية وإنسانية تساهم في تقدم الشعب..

ولا شرط في ذلك ولا قيد إلا المنع من التجاوز على حقوق الآخرين وحرياتهم وإنسانيتهم ومصالح الوطن.

ومن مسؤولية الدولة مساعدة هذه المؤسسات وحمايتها وإسنادها قدر استطاعتها.

أما شروط وقيود العمر والوثائق كشهادة الجنسية ودفتر الخدمة والرسوم والضرائب والتحقيقات الأمنية المرعبة في دوائر المخابرات والضرائب الباهضة المستقبلية كلها تعويق لحركة الشعب ومصادرة لنسبة من حرياته.

فلكل مواطن أن يؤسس ويعمل كل ما يشاء شريطة أن لا يرتكب حراماً شرعياً كالاحتكار والربا والرشوة والسرقة أو يضر بمصالح الوطن والمواطنين حسب تشخيص جهات خبيرة ونزيهة..

قال أمير المؤمنين (عليه السلام):(لا تكن عبد غيرك فقد خلقك الله حراً).

12: الحصانة المرجعية:

إن المرجعية الدينية في العراق هي قيادة نزيهة وشعبية ومستحكمة في هذا الوطن، وحين أصدرت فتاوى تكفير الملحدين هبت جماهير الشعب لمناهضة تلك التيارات الوافدة من خارج الحدود، وحين حرمت قتال الأخوة الكرد فشلت الحكومة في إحراز النصر القومي العنصري عليهم، وحين أوجبت الانتخابات تقاطر العراقيون في تحدي عارم لإحراز نصر سياسي جديد وهذه المرجعية هي صمام أمان للعراق ودرعه الحصين وقيادته المهيمنة على القلوب والعقول، ويلزم في صياغة الدستور الجديد أن تؤسس مادة لحصانة هذه المرجعية وحمايتها قانونياً والتعاون معها في قضايا العراق المصيرية (ومنها صياغة الدستور وتصويت الشعب عليه).

وما الدساتير السابقة والحكومات البائدة ملكية وجمهورية إلا مشاريع استعمارية في هذا الوطن، لذلك همشت المرجعية الدينية بل وحاربتها حرباً شعواء.

وذلك خطأ فظيع يلزم الحذر من تكراره والشعب بكل شرائحه يرفض ذلك أشد الرفض وجماهيره تدين للمرجعية بالولاء والطاعة وهي القوى الضاربة المقتنعة بالالتزام بالمرجعية وأوامرها، وهي التي دانت بالطاعة لهذه المرجعيات بقناعة دون ضغط أو رعب أو إكراه أو تضليل أو ما شابه ذلك..

لذا يلزم أخذ ذلك بالاعتبار في صياغة دستور العراق الجديد.

13: الفيدرالية:

ورد في الحديث عنه (ص):(حقوق المسلمين لا تبطل) و (لا يتوى ـ أي يضيع ـ حق امرأ مسلم).

إن لكل مواطن الحق في إقامة أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي وذلك لممارسة حقه الطبيعي وحريته ما لم يضر بأحد (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام).

والفيدرالية الصالحة للعراق هي (الإدارية)، حيث ينال كل فرد كامل حقوقه الإنسانية والإدارية ولا يكون خاضعاً للعاصمة.

نحن نرى أن الفدرالية الإدارية تضمن الحقوق كاملاً  وهي مأمونة من التوترات وأخطار التقسيم والانفصال.

أما لو حدث غير ذلك لظروف معينة خاصة فيلزم أن تكون ضمن شروط وقيود وضوابط مانعة لكل أنواع الانفصال والتوتر والتهديد بذلك.. كما يلزم أن تكون مؤقتة لا دائمة وينظر فيها كل فترة معينة (خمس سنوات) مثلاً لتقييم التجربة، وعلى كلا الأطروحتين فإن هذا الموضوع خطير يلزم أخذ الحيطة التامة في تنفيذه ضمن ضوابط وشروط دستورية.

14: دستور ليس بدائم:

لقد شاع في الأوساط الخاصة وصف الدستور القادم للعراق بأنه (دائم)، وهذا أمر غير مقبول وليس بواقعي في نفس الوقت، حيث أن مواد هذا الدستور ليست وحياً من رب العالمين، ولا هي معصومة عن الخطأ وتجاوز الحقيقة.

وديمومتها معناه جمودها بمعنى أنها غير قابلة للتطوير وهذا مجافاة للحقيقة والواقع، ومعناه من جهة أخرى (سد باب الاجتهاد) في وجه فقهاء القانون الشرعي والمدني وتطوير ودراسة ونقد المواد المصوبة باعتبارها دائمية.

و يعني ذلك من جهة أخرى مصادرة حقوق الأجيال القادمة بمن فيها من العلماء والحقوقيين والفقهاء، وهذه ولاية غير شرعية تفرض من هذا الجيل المعاصر على الأجيال القادمة.

وبكلمة: أن ديمومة الدستور أمر مخالف للتقدم والتطوير ومصادرة لحقوق الآخرين والمطلوب وضع مادة معينة تبين آلية مراجعة الدستور، كل عدة سنوات ومحاولة تطويره وتغيير ما ثبت عدم أفضليته.

ويمكن انتخاب لجنة خبيرة من أعضاء الجمعية الوطنية تتابع هذا الموضوع على نحو الاستمرار خلال أربع سنوات، وهكذا في الجمعيات الوطنية الأخرى المتعاقبة تنتخب مثل هذه الجنة (لجنة تطوير الدستور)، وتتحمل مسؤولية متابعة كل ملاحظة أو اقتراح حول الدستور، ودراسته وعرض النتيجة على الجمعية الوطنية للتصويت بالأكثرية.

كما يمكن تصويت مادة تؤكد على إجراء استفتاء لديمومة الدستور كل أربع أو ثمان سنوات أو أكثر، يجرى الاستفتاء مقارناً لانتخاب الجمعية الوطنية لئلا يصادر حق الأجيال القادمة في تأييد أو رفض الدستور الذي يعمل به في البلاد ويقرر مصيرهم.

15: قوانين الانتخاب:

إن جملة من القوانين الانتخابية غير سليمة، منها مثلاً شرط العمر (18) سنة في الانتخاب و(30) سنة في الترشيح، ليس هذا الشرط منطقياً وشرعياً فكم من الجيل الصاعد يرشدون قبل هذا السن فلأي سبب يحرمون من الانتخاب؟

إننا نرى أن السن الشرعي للبلوغ هو الأمر المنطقي في الانتخاب خصوصاً وإن أبناء هذا الشعب بمختلف أعماره مشترك في المصير فليس هناك داع المنع من الانتخابات وكذلك في الترشيح، فكم من أبناء خمسة وعشرين سنة إلى ثلاثين هم أكفاء وأقدر على تحمل المسؤولية من أبناء الثلاثين، وماذا لو كان أقل من ثلاثين أسبوعاً أو شهراً أو ما شابه ذلك وهو كفؤ كريم للترشيح؟ فهل يحرم من هذا الحق؟

نحن نرى أن الكفاءة هي الشرط الأساسي وليس العمر..

من جهة أخرى: إن القوانين الانتخابية في العالم تتعدد فيها القوائم عدى إسرائيل الغاصبة، والقائمة الواحدة لكل العراق تنطوي على ملاحظات كبيرة منها أن الناخب يضطر إلى انتخاب أشخاص لا يعتقد بهم ولا يعرفهم، فهذا القانون يلزم تغييره مجاراة للقوانين العقلائية في الانتخابات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

شبكة النبأ المعلوماتية - االاربعاء 13/ تموز/2005 - 5/ جمادى الأولى/1426