[newsday.htm] 
 
 
 

 

الفكر الإسلامي بين صراع وحوار الحضارات

عقيل يوسف عيدان*

يكتفي بعض المثقفين المسلمين بما يسوقه التقويم النقدي الغربي حول الإسلام والفكر الإسلامي والمجتمعات الإسلامية وعندها يقع المثقف المحلي في فخّ المعنى ويصبح أسير سلطة تدفعه في أتون مواجهات عنيفة غير مجتمعه، وتدفع به نحو خلع الأحكام المطلقة العامة، فيما يسعى آخرون إلى استخدام أدوات مغايرة في محاولة لتوسيع المفاهيم وضبطها وتحريرها من أوهام الأيديولوجيا التي تلازمها.

ونحن هنا لسنا في معرض القيام بسرد الأسماء ومناقشة الأعمال، إلاّ أنه لا بد من الإشارة إلى مشاركة بعض الكتّاب والمثقفين المسلمين في الغرب في رسم الصور التاريخية الخيالية حول الإسلام في وقت اعتبر فيه الغربي نفسه مخلوقاً من صنع الله سبحانه وإبداعه ومالكاً لوحي فريد من نوعه ثم اعتبر الغربي نفسه سيداً للعالم وصانعاً للحضارة الوحيدة الصالحة للانتشار إلى غير ذلك من الاعتبارات.

إلاّ أن الغرب اكتشف نفسه أخيراً وعلى حدّ قول ( مرسيا الياد ) أنه يقع على قدم المساواة مع سائر البشر الآخرين ولم يعد وحده صانع التاريخ، لكنه بقي يعتبر في الوقت نفسه أنّ تاريخه هو التاريخ الكوني الجامع وأنه لابد من تخطي التاريخ المتمحور على بعض الناس لأنه ليس إلا تاريخا قطريا ضيقا.

لقد ابتكر الغرب مفهوم الحداثة - Modernity في هذا السياق وأراد أن يعبر من خلاله عن تجربته الفكرية ورؤيته للتقدم والحضارة، وكما أراد احتكار التاريخ أراد أيضاً احتكار الفكر والتقدم، وبذلك كان يخلع على المجتمعات والحضارات الأخرى صفات مثل البدائية ويقدم على إبادة بعضها كما حصل مع الهنود الحمر في القارة الجديدة ولكن ما خفي على الغرب أن إبادة شعب لا تكون إلاّ من الزمن، فالزمان يمرّ والأجساد تموت ولكن التاريخ هو غير الزمان، فالتاريخ هو أعمال الناس ومنجزاتهم عبر زمانهم الحي.

وتبعاً لذلك يمكن أن نفهم التطلع الغربي إلى ديانة عالمية خارج التاريخ المتمحور. ديانة كونية أسطورية ( ربما العولمة ) فكانت العلوم والفلسفات الجديدة تعتبر جميع الأديان المعروفة بما فيها المسيحية غير قائمة على أساس حتى أنها اعتبرت بمثابة الخطر الذي يتهدد الصعيد الثقافي.

ولا ريب هناك من أن الحداثة لا تقوم على شرعية العلم والفكر و السياسية بل على مبدأ السيادة المطلقة، سيادة الغرب وتفوقه، وقد جاءت مقولة صدام الحضارات عاملاً محرضاً للغرب على مقاومة ورفض انبعاث الحضارات الأخرى كالإسلام مثلاً الذي يمتلك رؤية شاملة حول الإنسان والكون والحياة ويبدو أنه مزاحم رئيسي للغرب في المستقبل.

لقد أقدم الغرب – ولطالما أقدم من قبل – على تشويه صورة الإسلام لا سيما بعدما حصرت تفاعلاته بظواهر مُقلقة كالسياسة والدين وربما أثارت هذه التفاعلات اهتماماً أكبر فأكبر في الغرب من أجل تطوير أدواته اللغوية لمواجهة ما أثارته تلك التفاعلات في المجتمعات الإسلامية ؛ ما حصل هو استعادة لوجهة الصراع الحضاري الذي يخوضه الغرب في مواجهة الحضارات الأخرى، وتطوير الأدوات اللغوية عنده ليس إلا استكمالاً لمشروعه الذي يُقسم العالم إلى عالميْن (متحضّر) و (بدائي).

فالإرهاب الذي أُطلق على المجتمعات الإسلامية، لا سيما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، هو الوجه الآخر لمفهوم البدائي الذي أطلق على مجتمعات الهنود الحمر من قبل لتبرير إبادتها جسدياً، ومن ثم إبادة تاريخها وطمس معالمها الثقافية والحضارية.

وهكذا نجد أنفسنا أمام مشروع يسعى إلى السيطرة الكاملة، العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية والثقافية.. ويستخدم من أجل ذلك أدواتاً مختلفة، تأسيساً على تجربة سابقة مع ما عُرف بالمجتمعات البدائية.

ولكن هل يمكن أن يحصل لمجتمعاتنا ما حصل لتلك المجتمعات ؟ الفرق بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات التي أطلق عليها صفة البدائية، هو امتلاك المجتمعات الإسلامية لمثال عيني تاريخي في كيان جغرافي سياسي حضاري كاد يشمل الأرض بأسرها فهل يمكن إحالة هذا المثال إلى العدم ؟ وهل يمكن بالتالي القطيعة مع موروثنا العظيم ؟

إن مجتمعنا الإسلامي يشهد استرجاعاً للمأثور الديني والفلسفي والسياسي والعلمي في سياق إعادة إحياء دور الإسلام مجدداً، ولكن كيف السبيل لإستعادة هذا الدور ؟ هل يكون بالتصادم مع الغرب – كما في أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول - ؟ أم يكون على قاعدة حوار الحضارات ؟ وهل تمثّل هذه الدعوة استعادة للرشدية ؟

إننا أمام فلسفة تتخطى حدود الكبت، وتسعى إلى محاورة الآخر في العلم والإبداع وحتى السياسة، من منطلق فرض الحوار مقابل السعي للإبادة. لقد استطاعت السياسة ممثلة بأربابها أن تكبت صوت العقل في الفلسفة الإسلامية وأن تسقطها لردحٍ من الزمن. ويحاول الغرب اليوم كبتها مجدداً بعدما استفاقت – أو كادت تستفيق – ولكن باسلوبه هو من خلال فرض هويته الثقافية علينا كشرط لدمجنا فيما يُعرف اليوم بالعولمة ( المنظومة الدولية الجديدة) بكل تجلياتها الصالح منها والطالح، وهذا شرط يعني تغريبنا عن مأثورنا التاريخي ومثالاته العينية كما يسعى إلى تجريدنا من كل هوية، حتى وإن كانت هويتنا الإنسانية.

إن حوار الحضارات دعوة لتخطي حدود الكبت، والاتجاه إلى التحاور بين الفلسفي والإبداعي هو الحقل الواسع الذي يمكن أن يُعاد فيه صوغ معرفتنا، وتقديم عقلنا الحواري الفاعل المعرفي الحر والانتقال من مرحلة التلقي والتهجين إلى مرحلة النهوض والمشاركة في إعادة صياغة التاريخ العالمي، الذي أرى أنه بحاجة ماسة إلى ذلك الآن.

* ماجستير في الفلسفة الإسلامية والفكر العربي – من الكويت

شبكة النبأ المعلوماتية - الاثنين 20/ حزيران/2005 - 13/ جمادى الأولى/1426