[newsday.htm] 
 
 
 

 

هوى الصنم لكنه لا يزال قائما ً فلا تتعجبوا

محمد حسن الموسوي

(1)

قبل عامين ونيف انهار صرح الديكتاتورية وهوى صنم الطاغية فابتهج لسقوطه ضحاياه وراحوا يركلونه باقدامهم واشبعوه ركلا. قبل عامين ونيف وقف العالم مبهورا بنعل(ابو تحسين) وهو ينهال ضربا على صورة طاغية العصور وديكتاتور الدهور. تزداد ضربات ذلك النعل ضراوة كلما تذكر ُمنتَعِلَِه مآسي العراقيين التي تسبب بها صاحب الصورة رمز العروبة وفارس الامة القائد الضرورة. لقد عبَرَ نعلُ (ابو تحسين) في تلك اللحظة التاريخية وبكل صدق ٍ وعفوية ٍ ومن دون تكلف ٍ او تصنع ٍ عن حقيقة المشاعر التي تختلج اكثر العراقيين الذين اكتووا بنار الظلم والاضطهاد اربعة عقود عُجاف.

وأخيراً جاء الفرج على يدي (الافرنج) وهوى الصنم وتحطم فوق صخرة ارادة المستضعفين الذين عانوا من جوره الأمرين لتتحقق بسقوطه نبوءةُ امامُ المحرومين وقدوةُ الصالحين الصدرُ الخالد بنهاية البعثيين والتي شاء الله ان تكون في يوم شهادته حينما خاطبهم قائلاً: ( حتى اذا انقضّ عديدكم وقلّ حديدكم دمدم عليكم فدمرّ عروشكم وترككم أيادي سبأ أشتاتا بين من أكلتهم بواترة ومن هاموا على وجوههم في الاقطار وولوا مذعورين الى شتى الامصار وأورث الله المستضعفين أرضكم ودياركم وأموالكم فأذا قد أمسيتم لعنةً تتجدد على أفواه الناس وصفحةً سوداء في أحشاء التاريخ).

وهكذا مُزقت صور الطاغية تمزيقا ودُمرت أثاره تدميرا فحُلَ جيشه ولُوحقَ اتباعه تحت كلّ حجر ٍ ومدر ٍ وراح يتخطفهم الناس في الاسواق حتى ضاقت عليهم الافاق. لكن أمراً واحداً بقيّ . وأي أمرٍ عظيم ورمزٍ خطير من رموز العهد البائد وأثاره ذلك هو علم الطاغية وراية عهده ولواء ُحكمه البغيض لايزال يخفق على رؤوس ضحاياه .لا يزال ينكئ جراحاتهم ولما تلتئم . لا يزال يذكرهم بصاحبه المخلوع الذي جثمّ على صدورهم كابوسا ثقيلاً . اذاً لايزال صدام حاكما ً ما دام هذا العلم اللعين موجودا. يمضي الطاغية أيامه في الحبس مبتسماً منشرح الصدر لانه لايزال يرى نفسه حاكماً . نعم حاكماً بعَلمه القبيح. فصدام لايزال في القصر الجمهوري ما دام العلم مرفوعا ً هناك. وصدامُ اضحى في الجمعية الوطنية لأن علمه منتصباً هناك. وصدامُ لايزال طليقا ًيجوب الشوارع رغم سجنه لان علمه شاخصا ً فوق البنايات وفي الازقة والمحلات.

(2)

وربّ سائل يسئل لمَ كلُّ هذا التحامُل على علمٍ امسى خرقة بالية؟

فأجيب : ان من ابسط معاني الوفاء والاخلاص لشهدائنا الذين قتلهم ونكلَّ بهم هذا العلم هو العمل السريع على تغييره ومحو اثره عرفانا ً منا لهم فكم من عالم ٍ نحريرٍ قضى نحبه صابراً محتسباً تحت ظل هذه الخرقة التي تسمى جزافاً (علم العراق) ؟ وكم من عذراء هُتك شرفُها وافتُضت بكارتها ودُنست عذراويتها ولوث جسدها وأُغُتصب حيائها وشوهت برائتها وسُحقت انوثتها ووأُدت كرامتها بمباركة هذه الخرقة التي تُدعى ظُلماً (علم العراق)؟ وكم من شابٍ بعمر الزهور سيق قسراً الى جبهات الموت الزوئام والى محارق القادسية وام المهازل والحواسم ومات مظلوماً ولُفّ بهذه الخرقة النتنة التي تُعرف بـ ( علم العراق)؟

ما لكم وما اصابكم ؟هل نسيتم منظر تلك النعوش لأحباءكم وقد لُفت بهذه الخرقة التي تسمى كذباً (علم العراق)؟ كم منا من اصبح ليجد اباه او اخاه او قريبه او صديقه او زميله او حبيبٌ على قلبه وقد أُعيد جثةً هامدة من احدى المحارق ملفوفاً بهذه الخرقة التي تُدعى زوراً (علم العراق) ؟ وكم وكم من المآسي بحق العراقيين أُنجزت باسم هذه الخرقة التي يسميها اعدائنا استهتاراً بمشاعرنا (علم العراق)؟

(3)

تعالوا لنتعض بتجارب الامم التي مرت بظروف مشابهة لما مرت به الامة العراقية, فاول ما فعلته تلك الامم الحية بعد تحريرها من الديكتاتوريات الغاشمة اربع امور: الاول انها استبدلت علم الديكتاتورية بعلم جديد والثاني انها غيرت عُملة الديكتاتورية بعملة ٍ جديدة والثالث انها غيرت نشيد الديكتاتورية بنشيد ٍ وطني جديد ٍ والامر الرابع انها ألغت دستور الديكتاتورية وشرعت دستور جديد يمحو كلّ اثار الماضي ويفتح الباب لمستقبل واعد وجميل. هذه ما فعله الالمان والطليان والاسبان وكل قوم فيهمٌ رشيد.

لنأخذ الالمان نموذجا ً فما ان تحرروا من حكم النازية وتنفسوا الصعداء واصبحوا طلقاء مالوا على علم هتلر النازي فغيروه علما ً انه _ اي علم النازية_ يحمل دلالات سامية وجميلة فهو مأخوذ من الصليب المعقوف او ما يسمى بالانكليزية Swanstika والذي يرمز الى الضوءLight والحظ السعيدLuck والحياةLife والحب Love. ومن الحرف الاول لهذه الكلمات الاربعة يتشكل الصليب المعقوف الذي استخدمه الطاغية هتلر كعلامة للحزب النازي الالماني وللرايخ الثالث كما استخدم صدام النجوم الثلاثة اشارة الى اهداف حزبه الفاشي مع الفارق الكبير بين رموز العلمين. وبالرغم مما يحمله الصليب المعقوف من دلالات لطيفة تتمثل بالضوء والحظ والحياة والحب الا ان الالمان اصروا على استبداله بعلم جديد قد يكون اقل رومانسية وجمالية الا انهم ارادوا بذلك طي صفحة هتلر الى الابد فما بالك بعلم صدام والذي ليس فيه من الجمالية شئ يذكر اللهّم الا اذا كان البعض يتلذذ بالدم والوقائع السود التي يرمز اليها العلم.

(4)

ان تجارب تلك الامم تعطينا درساً مفاده ان تغيير ومحو اثار الديكتاتورية وازاتها من الوجود ما ديا ً ومعنويا ً يعادل عملية اسقاطها لان بقاء اثارها يُشجع انصارها ويقويهم معنويا ونفسياً على الوقوف بوجه التجربة الديمقراطية الجديدة واعاقة المسيرة كما انه يعتبر سلاحا ً نفسيا ً يستغله ايتام النظام ضد المتطلعين للحرية ولا نبوح سراً ان القوى الرجعية التي فقدت امتيازاتها السياسية بعد تحرير العراقيين من ظلمها وتعسفها تصر على رفع علم الطاغية وتقاتل في سبيل عدم تغييره لانها تدرك جيداً الاثر النفسي للعلم ورمزيته لهذا شاهدنا كيف انها سارعت الى تمزيق العلم الجديد الذي اقره مجلس الحكم السابق وحرقته ومن هنا كان الاجدر بضحايا النظام وتلك القوى الرجعية ,المسارعة الى تمزيق علم صدام علم الرجعيين وحرقه ونسفه وذر رماده في شط العرب غيرُ مأسوف عليه كما مُزقت صور الطاغية ودُمرصنمه.

يحدثُنا التاريخ ان الشعوب تولي لرموزها وشعاراتها القومية والوطنية ومنها العلم اهتماماً منقطع النظير وتحرص اشد الحرص على اختيار علمٍ يعكس هويتها الحضارية وشخصيتها المعنوية والمسلمون والعرب ليسوا بدعا ً عن تلك الشعوب والامم وتأريخهم يؤكد هذا الزعم . فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رايته التي ورثها عنه الحسين عليه السلام والتي قاتل بها طغاة عصره.

(5)

يتذكر ابناء المقابر الجماعية موقف الامام الحسين من حامل رايته اخيه العباس حينما استئذنه بالخروج لقتال الاعداء فأجابه الحسين (أخي انت حامل لوائي فاذا مضيت تشتت عسكري). لقد كان الحسين يعي جيداً اثر (اللواء) اي العلم وما يشكله من رمزية تنعكس اثارها على المعنويات وتؤثر في النفوس. ويذكر التأريخ ان الحسين عليه السلام كان رابط الجأش وماض العزيمة ولم يهن او يضعف الا لحظة سقوط رايته وعلمه من يد اخيه العباس عليه السلام حينها صاح الحسين بحرقة وألم( الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي). مازلنا كلما تذكرنا هذه الكلمات الحزينة نجهش بالبكاء.

تعالوا ايها العراقيون, تعالوا ياعشاق الحسين من ابناء المقابر الجماعية لنرد الصاع صاعيين لأعداء الحسين واعداء الانسانية. تعالوا لنكسر ظهورهم , تعالوا لنمزق علمهم ونسقط رايتهم وننكس لوائهم . فوالله لا يحمل هذه الخرقة الا صداميٌ بعثيٌ ولايرفع علم صدام اللعين الا طائفيٌ او عنصريٌ ولا يروج لبقاء هذا العلم القبيح الا من كان في قلبه هوىً لصدام ونظامه المقيت.

لقد هوى الصنم لكنه لايزال بيننا قائما بعلمه فهل ترضون ببقائه؟ الامر متروك لوعيكم.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - الثلاثاء 14/ حزيران/2005 - 7/ جمادى الأولى/1426