[newsday.htm] 
 
 
 

 

علمُ العراق أم علمُ صدام؟... حسناً فعل الاكراد

محمد حسن الموسوي

نعم اقولها وبملئ فمي حسناً فعل الاكراد عندما رفضوا رفع العلم(العراقي) الحالي في افتتاح اعمال برلمانهم قبل ايام مضت. وقبل الخوض في عرض اسباب الرفض استوقف القارئ الكريم لحظات لأضع بين يديه نبذة تاريخية عن العلم الحالي والمراحل التي مر بها حتى استقر به المقام على ما هو عليه اليوم. ولنرى هل يمثل هذا العلم العراقيين كافة؟ وهل الاكراد على حق برفضهم اياه؟ وهل بتأيدي لهم محق؟.

تعود بدايات هذا العلم المشؤوم الى انقلاب شباط الاسود 1963 الذي نفذه البعثيون ضد الزعيم عبد الكريم قاسم وبالتآمر مع المشير عبد السلام عارف المنحدر من احدى القرى النائية في صحراء المنطقة الغربية والذين استوطنوا بغدادنا الجميلة فحل بها السلُ والجربُ ودخلت في تيه الصحراء الغربية أربعين عاماً يتلاقف الحكم فيها غلمانهم كتلاقف الكرة حتى يوم التاسع من نيسان 2003 وما في ذلك من دلالة على أن الله منّ علينا بالمغفرة لخطيئة الأجداد في ثورة العشرين .

لم يدُم تحالفُ عارف مع البعثيين طويلاً فسرعان ما انقلب عليهم وغدر بهم وهو المعروف بطبعه الغادر ومكره الفاجر حتى مع اقرب المقربين اليه كيف لا وقد فعلها بصديقة عبد الكريم قاسم والذي لولاه لما كان لعبد السلام دورٌُيُذكر في الحياة السياسية العراقية التي دخلها من بوابة تنظيم (الضباط الاحرار) الذي فجر ثورة 1958 ضد النظام الملكي حيث كان عارف احد اعضاء ذلك التنظيم الذي تأسس في حرب 1948.

ومن نافلة القول ان انضمام عارف الى هذا التنظيم في 1/6/1957 كان بتزكية من قاسم نفسه ولكن يبدو انها تزكية في غير محلها حيث كانت النتيجة ان غدرّ المُزكى بالمُزكي في صبيحة الثامن من شباط الاسود 1963 وأول ما فعله عارف بعد انقلابه وفعلته الشنيعة هو ان سارع الى استبدال علم الجمهورية العراقية بعلم ما كان يعرف حينها بالجمهورية العربية المتحدة ذو الالوان الثلاثة الاحمر والابيض والاسود وفي الوسط نجمتان ترمزان الى اعضاء الجمهورية المتحدة اي مصر وسوريا لكن عارف اضاف اليه نجمةً ثالثةً في اشارة الى التحاق العراق بتلك الجمهورية من دون مراعاة لخصوصية العراق الحضارية وتاريخه العريق الذي اختزله بنجمة ثالثة ليصبح علم تلك الجمهورية العربية بنجمته المضافة علم العراق مختزلاً العراقيين بقضهم وقضيضهم بالعرب فقط لدوافع طائفية وشوفونية ولغاية في نفس يعقوب.

هذه هي الخلفية التاريخية للعلم الذي شاءت الاقدار ان تكتمل هيئته المسخ الحالية على يدي اعتى طاغية عرفه التاريخ صدام حسين الذي اضاف اليه كلمة(الله اكبر) بُعيد الانتهاء من الحرب على ايران وُقبيل الاستعداد لغزو دولة الكويت الشقيقة في حركة بهلوانية اراد الديكتاتور من خلالها مغازلة الحركات الاسلامية الغبية والعالم الاسلامي ولخداعهم بأسلاميته عندما خط كلمة (الله اكبر) بيده ولقب نفسه بـ ( عبد الله المجاهد)حيث انطلت هذه الخدعة على اكثرالاسلاميين العرب فبايعوه اماماً لهم فبئس الامامُ والمأموم. .

والشئ الذي لابد من ذكره هنا ان رمزية النجوم الثلاثة في عهد صدام_البعث حُورت لتشير الى اهداف (حزب البعث العربي الاشتراكي) تلك الاهداف المتمثلة بـ ( الوحدة والحرية والاشتراكية) والتي جسدها نظام صدام_ البعث على أرض الواقع خير تجسيد ولكن بطريقته الارهابية الخاصة فكانت الوحدة بغزو الكويت واغلب الظن ان صدام اراد بغزوه سيئ الصيت تحقيق حلم ابن بيئته وشريكه في الانحدار الجغرافي والثقافي والاجتماعي عبد السلام عارف بالوحدة الاندماجية الفورية بعد ان عجزت نجمته الثالثة عن تحقيق الوحدة المزعومة بالطريقة السلمية فجاء الغزو ليرضي وليشبع الرغبات البدوية للطاغية ولمن سبقه من ابناء جلدته البدو الذين تعاقبوا على حكم بغداد.

واما الحرية فقد تمخضت عن المقابر الجماعية للمعارضين وعن تشريد الملايين ووشم الجباه وقطع الالسن والاذان وسمل العيون انها حرية الحاكم في فعل ما يشاء بالمحكوم مجسداَ قول الشاعر:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار إحكم فأنت الواحد القهار.

واما الاشتراكية فقد اطلت على العراقيين بقرنها فحولت بلدهم من اغنى بلد في المنطقة الى افقره وذلك بسرقة أموالهم وتبذيرها على الغرباء واللقطاء وشراء الذمم وحرمان ابناء الشعب منها.

اذاً بداية العلم كانت بالغدر بعلم ثورة 1958 ذلك العلم الذي عبر عن الفسيفساء العراقي الجميل. وكذلك الغدر بمحبوب المحرومين قاسم ,الزعيم الذي عشقته افئدة الوطنيين وكرهته النفوس المريضة للطائفيين والعنصريين. اذاً هذا علم الغادرين الماكرين .

بالاضافة الى ذلك فأن رموزه_اي العلم الحالي_ لم تعبر يوماً ما عن هوية العراق الحضارية بل هي رموزٌ للآخرين. وغير خفي ان علم الجمهورية العربية المتحدة الذي شكل المادة الخام للعلم الحالي وضعه جمال عبد الناصر وهو علم يشير برموزه الى اطروحة الامة العربية والقومية العربية التي نادى بها ناصر ومن هم على خطاه وجاء نظام صدام _ البعث ليتغنى بتلك الاطروحة ويضيف اليها اطروحته العنصرية الطائفية المشوهة التي هتكت كرامة العراقيين. فكيف يتوقع من الاكراد حينئذ ان يرفعوا علماً كهذا فوق ارضهم؟

لكن هل لهذا السبب وحده يرفض الاكراد العلم الحالي؟

الحقيقة هنالك اسباب اخرى منها ان انفلة كردستان تمت تحت سارية هذا العلم وقصف حلبجة بالاسلحة الكيمياوية وحرق المزارع الكردية والالوف الموئلفة من الكرد الذين ُقتلوا وابادة عشيرة البرزان المعروفة وهتك أعراض الكرديات العذارى والحيف الذي لحق بالكرد والظلم الذي طالهم واستباحة مدنهم الجميلة وتدميرها وتجريف بيوتهم وتهجيرهم عن ارضهم و المصائب التي صُبت على رؤوسهم من السبعين والى التسعين كلها تمّت باسم هذا العلم الذي شهد بعيونه الثلاث الخضراء جهنم كردستان فكان حرياًَ بالأكراد اليوم فقئهن دون تردد والاسباب تطول ونتيجتها ان الذاكرة الكردية تختزن صورة سيئة عن هذا العلم وان الذات الكردية تشمئز من صورة وألوان هذا العلم لأنه وبأختصار شديد علم صدام وليس العراق افلا يكفي ذلك لرفضه وأستهجانه؟.

اقولها وبصراحة انه علم صدام . انه علم البعث. انه رمزُ الطائفية والعنصرية. انه رمز الدمار والخراب. انه رمز البداوة وليس علم العراق لأن العراق للجميع . للكردي وللتركماني وللسرياني كما هو للعربي. للشيعي كما هو للسني .للمسيحي وللصابئي ولليهودي وللشبكي وللكاكائي كما هو للمسلم. للملحد كما هو للمؤمن .لليبرالي وللشيوعي وللأسلامي كما هو للقومي والعروبي. فهل يشير العلم الصدامي الحالي الى كل ما ذُكر؟ بالطبع لا. وبكلمة أخرى ان هذا العلم لم يكن في يوم من الايام علم شعب او امة بقدر ماكان علم عصابات سياسية احتكرت السلطة بطريقة غير شرعية ومن هنا فهو علمٌ غير شرعي ولا يشرفنا حملُه ولايستحقُ رفعه على ناصية ايُ مؤسسة عراقية وطنية وعليه حسناً فعل الاكراد.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 12/ حزيران/2005 - 5/ جمادى الأولى/1426