مقولة (الحاجة أم الاختراع) متينة وعملية ويظهر نتائجها في سير تطور
الإنسان حتى في المجالات الاجتماعية، فلما أذاقت المدنية الحديثة
طلابها الويل والدمار نتيجة سوء الاستخدام وزادت الهموم والكروب
والضغوطات المعيشية والنفسية وتفشى جراءها جميع أنواع الأمراض وأخطرها
النفسية كالاكتئاب والقلق والاضطراب التي هي السبب الرئيسي لبقية
الأمراض الجسمية العارضة على الإنسان – وعندها لزمت الحاجة إلى البحث
عما يريح النفس ويدخل عليها البهجة والسرور وما طريقة استخدام البهجة
والسرور كوسيلة لتخفيف الآلام والمساعدة على الشفاء، إلا من الطرق
العديدة التي يلجأ إليها الآن عدد متزايد من الأطباء والممرضات
والقائمين على بذل العناية الصحية للمرضى والمكروبين.
وما من أحد منا يجهل جدوى الانخراط في ضحكة نابعة من القلب، إذ أن
هذه حقيقة مشاع بين سائر الناس كباراً وصغاراً، ومع ذلك فإن هناك
أعداداً كبيرة من الأبحاث التي ترمي إلى جعل الضحك والسرور، وإقناع
الناس بأن يجعلوا النظرة إلى الحياة نظرة ضاحكة، كطريقة طبية محتملة.
وقد أشارت الدراسات فعلاً إلى أن الفرفشة يمكنها تخفيف أعراض
الحساسية، وزيادة مستوى تحمل الأوجاع وتقوية القوة المناعية المقاومة
للأمراض بالجسم، والتقليل من أخطار الإصابة بالنوبات القلبية والضربات
الدماغية، بل ومساعدة مرضى السكري على التحكم بمستويات سكر الدم لديهم.
وبالنسبة للقلب: إن قدرة أحدنا على الضحك ومواجهة هموم الحياة
ومواقفها الصعبة بالتفاؤل والابتسامة تقوي لدينا إمكانات الصحة
الجسمانية، وكثيراً ما تكون مصدراً يحول دون حدوث النوبات القلبية.
ونتيجة للعديد من الدراسات والأبحاث فقد تبين أن مرضى القلب كانوا
أقل قدرة، بنسبة (40%) على الإحساس بروح (النكتة) في مواقف الحياة
المرحة التي يمر بها الإنسان أحياناً، وذلك بمقارنتهم بأحوال الأشخاص
الأصحاء القلوب، الذين هم في مثل سنهم ويتعرضون مثلهم لنفس تلك المواقف.
إن الضحك قد يحمي الإنسان من الضغط العاطفي والشدة، ومن التبدلات
الالتهابية التي باستطاعتها إيذاء البطانة الداخلية للأوعية الدموية،
وهي التهابات ثبت منذ بضعة أشهر فقط أنها تسهم إسهاماً كبيراً في حدوث
النوبات القلبية، يقول الاختصاصيون المشرفون على تلك الأبحاث: إننا
نعرف أن الرياضة والامتناع عن التدخين أو عدم الإقبال على الأطعمة
العالية الدسم المشبع هي عوامل تقلل مخاطر الإصابة بآفة قلبية، ولا بد
أن يضاف إلى هذه العوامل الإقبال المنتظم على الضحك النابع من القلب..
هذه النتيجة لم تكن عشوائية، بل إنها جاءت نتيجة تحريات أجراها على
النتائج الصحية للانشراح منذ الثمانينات من القرن العشرين المنصرم، وفي
إحدى الدراسات التي أجراها عدد من الباحثين، قام الفريق بتتبع أحوال
جماعتين من المرضى المصابين بنوبات قلبية. ومع أن أعضاء الفريقين
كليهما استمروا في تعاطي الأدوية الموصوفة لهم إلا أن الجماعة التي
ثابرت يومياً على تخصيص نصف ساعة لمشاهدة البرامج الفكاهية، كانت أقل
إصابة بارتفاع ضغط الدم من الجماعة الأخرى، وأقل عودة للنوبات القلبية.
وفي عام (2001)، ألقى اختصاصي كلمة في الاجتماع السنوي لجمعية علم
الأعصاب، قال فيها إن مجرد توقع الأحداث السارة، فيه فائدة لصحة
الإنسان.
إن هذا الانتظار لمشاهدة شيء مسل موعود، كان وحده كافياً للتسبب في
حدوث انخفاض في هرمونات الشدة، وازدياد في المواد الكيميائية الطبيعية
المفيدة للجملة المناعية.
أما بالنسبة للروايات المتعارضة بكراهة الضحك والمزاح وأنه إدخال
سرور في قلب المؤمن فطريق الجمع هو الاعتدال في الضحك على قدر الانشراح
دون اتخاذه مهنة وعملاً، وأيضاً عدم الانجرار إلى السخرية والاستهزاء
واللمز والهمز والغيبة وهتك احترام الناس.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (إني لأمزح ولا أقول إلا
حقاً)
وكذلك (المؤمن حزنه في قلبه، وبشره في وجهه)
حيث من صفات المؤمنين بعث الأمل ونشر السرور في القلوب المفجوعة
والأنفس المكروبة. |