عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام):
(وهذا بيت – أي الكعبة المشرفة – استعبد الله به خلقه ليختبر
طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محل أنبيائه وقبلة
للمصلين فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء
الكمال ومجمع العظمة والجلال).
زمن الجهل والتخلف نسبةً ولّى، فلم يعد سفاهات
الجهلة والمعاندين ذات فائدة ترجى ولا يسمن من هزل ولا يغني من جوع، بل
كلما تطور العلم ووسائله واتسع آفاق التفكير العالمية لعدم استطاعة
احتكار العلم ووقفه على جماعة معينة – ظهر معالم الدين الإسلامي بشكل
أوضح ودقة مثيرة ومدهشة. ولا غرو في ذلك فهو موافق للفطرة البشرية وبه
يستأنس المريدون ويداوى جرحى القلوب وينوّر دروب الظلام والتعصب.
والآن ما يدعو للشفقة على أحوالهم واستكانة
خضوعهم لتعصبهم وعدم استطاعتهم الخروج من قوقعة ذواتهم إلى حيث النور
والعلم هؤلاء الذين يتهمون الإسلام بالوثنية خصوصاً في أعمال الحج
والطواف حول بيت الله الحرام والتبرك بالحجر الأسود وما شابه.
إنصافاً المستهدي أو المتعرّف على دين عميق
بمجرد مطالعة عابرة أو استماع هامشي في فترة الاستراحة اليومية أو
الأسبوعية أو بمناقشة في الطرق إلى العمل لا يمكنه سبر أغواره والتوغل
في ثناياه وفهم أحكامه وما وراءه من الحكمة والعلل والفائدة.
ولا يخفى على المتنور المثقف بثقافات الشعوب
والأديان أن في الإسلام مجموعات من الأحكام والواجبات والتعاليم
المختلفة والمتنوعة ولكل منها أهداف وآثار في النفس الإنساني ولكن
مجموعها تساهم في تربية الشعور الإنساني بكسر شوكة التكبر والغرور فيه
واستبداله بالتواضع والتفهم والاحترام والمحبة والسلام.
ومن هذه المجموعات أعمال الحج كالإحرام بالنية
الخالصة للعزيز القدير جلّ وعلا حتى تكون زماماً للنفس عن الجموح وحفظاً
لها عن المهالك وسوقاً لها إلى الفضيلة والهداية وبلبس الثوبين
الأبيضين قانوناً عاماً للجميع بلا فرق بين فقير وغني ولا بين عبد وسيد
ولا بين أسود أو أبيض وذاك أرقى مظهر حضاري للمساواة. طبعاً اللبس بعد
الغسل والتنظيف. وبالتلبية لنداء رب السماوات والأرض وما بينهما عبودية
واستكانة أمام قدرة جبارة لها مقاليد كل شيء قدرة الله سبحانه وتعالى،
تلك العبودية التي تنقل الإنسان من عالم الشهوات إلى عالم العفاف
والتقى، ومن الأنانية والرذيلة إلى الروح الجماعية والفضيلة، والى
الطهارة والنقاء الروحي.
وبالاجتناب عن محرمات الإحرام كالصيد والجماع
والاستمناء والعقد ولبس المخيط والكذب والسباب والمفاخرة والجدال وقتل
حتى هوام الجسد وقلع شجر الحرم وحشيشه وبقية المحرمات التي تجمعها كبح
النفس عن شهوات الدنيا.
والطواف حول بيت المحبوب جل جلاله وبذل كل غال
ونفيس له حتى الروح التي بين جنبينا استكانة له وإطاعة إلى ما أمرنا به.
وصلاة الطواف مع ما لها من أدعية ومستحبات أخرى
والصلاة قربان كل تقي ومعراج المؤمن وعمود الدين أيضاً.
والسعي لأوامر المولى عز وجل ذلة لقدرته وعظمته
سبحانه وتعالى وبقية الأعمال كالتقصير والوقوف بجبل عرفات ورمي الجمار
والذبح للماشية قربة لله تعالى واشتمال كل منها على مواضيع وحكم وآثار
روحية ونفسية وصحية ظاهرة على الإنسان.
وكذلك الفوائد التجارية والسياسية والمعرفية
وكذلك تبادل الحوارات بين الشعوب فكل سنة هناك جديد في كل شيء إضافة
إلى الذكريات المجيدة للإسلام في تلك الديار والبقاع المشرفة وذكريات
النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).
اللهم أرزقنا حج بيتك الحرام في عامنا هذا وفي
كل عام. |