مضى على تأسيس مجلس التعاون الخليجي اثنين
وعشرين عاماً، وجرى تغييرات وتبدلات في محيطه الموازي وآخر هذه
التبدلات إسقاط نظام صدام، وفي المقابل انتقل العالم، من حقبة إلى أخرى
فما حال المجلس الذي غاب الزخم السياسي الذي رافق سنوات تأسيسه، وأن
الحماس الجماهيري قد ضعف حتى أن اسم أمين مجلس ناهيك عن كبار مساعديه،
لم يعد معروفاً حتى للعديد من المسؤولين والمهتمين بالشأن الاقتصادي
وغالبية المواطنين كما أوضح استفتاء أجرته أحد الصحف الخليجية قبل
انعقاد القمة الأخيرة في الكويت، وعن الظروف التي أتت بالمجلس، قال
تقرير أن حالة الحماس عند القيادات والشعوب الخليجية حينها والبدايات
الصعبة التي كان عليه خوضها، والعمل الخليجي المشترك البارز خلال الحرب
العراقية الإيرانية وأبان غزو الكويت وحروب التحرير متسائلاً لماذا
ضاعت غايات المجلس في دهاليز البيرقراطية وطغت عليها صفارات مواكب
الاجتماعات، وكيف تبدد هذا الحماس وتراجعت الهمة، ولماذا فقد المجلس
المبادرة، وأصبح المجلس متلقياً للتحديات ومصارعاً للأزمات؟ لا غير!!
من المسؤول عن تفتت أمل الشعوب في الخليج؟ هذه بعض الأسئلة من حزمة
كبيرة تستحق البحث، وكان باحث قد تطوع وأبدى ملاحظاته على المجلس
باعتبار أن المجلس لم يعدله راع يرعاه من بين زعمائه الستة، مثلما توفر
خلال سنواته الأولى، ولا يكاد المرء يلمس أي من القادة الحاليين حماسة
المؤسسين الذين شاخوا أو صارت تشغلهم هموم دولهم والمصاعب الوطنية التي
يواجهونها، فلكل مشروع بهذا الحجم والرؤى لا بد من رعاية ومتابعة من
شخصية قيادية، فالاتحاد الأوربي في نشأته في منتصف الخمسينيات كان
يتمتع برعاية ادينارو الألماني وحالياً من قبل الرئيس الفرنسي الأسبق
ديستان. ومنظمة (آسيان) الآسيوية ظلت تحظى بالرعاية الخاصة من قبل محمد
مهاتير الماليزي والأمثلة الموازية كثيرة والسؤال من هو الزعيم الخليجي
الذي يرفع راية المجلس ويعضده؟ نستطيع أن نجزم أنه لا أحد.
والملاحظة الثانية تتجلى في الغياب التام لأي
دور للمواطن الخليجي في شؤون المجلس، فجميع الهياكل التي بناها المجلس
أو تبناها وصرف الوقت في اجتماعاتها هي في واقع الأمر هياكل رسمية،
وبالتالي تعتريها كافة أمراض الإدارة الحكومية المعهودة وتسودها
الرتابة والانشغال في المراسم عن الجوهر، وحتى في الحدود التي قبلت بها
قمة المجلس وبإلحاح من الكويت والتي ترتب عليها إنشاء المجلس الاستشاري
جاء النموذج رتيباً وعضويته بالاختيار؟ تصدر مراسيمه ومهامه مقيدة
واجتماعاته مغلقة: هذه الوضعية هي نتيجة حتمية لغياب المشاركة
الجماهيرية الشعبية في غالبية دول المجلس؟! أو لضعف مؤسسات المجتمع
المدني في دوله وسيطرت الحكومات عليها في حال وجودها. وأبرز الباحث
متذكراً كيف تمت ممارسة مجهود شعبي، باسم الملتقي الخليجي، شكلته
مجموعة من أبناء دول مجلس في اجتماع الكويت عام 1992 للدفع بالإصلاح
على مستوى المنطقة وكرديف شعبي للمجلس وكيف حاصرت حكومات دول المنطقة
هذا الجهد وانتهى بعض أعضائه في سجون دولهم بتهم ملفقة بينما تلقى
آخرون التهديد المبطن والصريح؟!! فتحطم المجهود لسوء الظن
وأضاف الباحث أن الملاحظة الثالثة تعود إلى
سيطرة ثقل الرؤية السعودية المحافظة والبطيئة على توجهات المجلس، وهي
التي لازمته منذ نشأته، لم يكن بمقدور المجلس السير بخطى أسرع مما يسمح
به أكثر أعضائه حجماً وثراء، وقد كشفت الأحداث المأساوية التي شهدتها
السعودية منذ أحداث 11 سبتمبر حجم التركة الهائلة المهملة التي يعاني
منها الوضع السعودي والتعقيدات المختلفة التي تعتري المجتمع السعودي،
وهذا ما أعاق تطور المجلس والنهوض بمهامه، وهي قضية تعود إلى صلب
النظام الأساسي الذي يصر على الإجماع، ولقد واجهت الاتحاد الأوربي
معضلة مماثلة، مع الفارق والظروف طبعاً، حين امتنع عدد من أعضائه عن
قبول بعض اتفاقاته، مثل العملة والاتحاد العسكري لم يعطل هذا الامتناع
مسيرة الاتحاد الأوربي، بل وسار الأعضاء الراغبون بما اتفقوا عليه على
أن يلحقهم الممتنعون والملاحظة الرابعة: انشغال المجلس ومؤسساته
بالشؤون البيرقراطية مما أدى إلى تباطئ العمل وضياع الغايات في تفاصيل
العمل المشترك وأدى غياب الإعلام وانفتاح مسؤولي المجلس إلى ضياع بوصلة
المواطن الخليجي وإحساسه بما ينجزه. |